المواقف المتشددة لنقابة المهن الموسيقية ضدّ مطربي المهرجانات في مصر تأخذ منعطفا جديدا

تجدّدت حرب نقابة المهن الموسيقية في مصر ضدّ أغاني المهرجانات بعد صدور قرار بمنع تسعة عشر فنانا من أشهر مؤدّيها بدعوى حماية الذوق العام، وسط رفض ليس فقط من قطاعات شبابية واسعة تستمع إلى هذا النوع من الطرب وإنما أيضا من فئات أخرى ممّن تتداخل مصالحها مع توظيف هذا الفن أو تلك المؤثرة في العمل الفني وتشكيله، مثل رجل الأعمال نجيب ساويرس الذي أطلق مهرجان الجونة السينمائي، ويمتلك هو وأشقاؤه منتجع الجونة كساحة لإقامة حفلات لا يغيب عنها مطربو المهرجانات.
القاهرة – لا تعدّ المعركة التي يخوضها نقيب الموسيقيين المصريين المطرب هاني شاكر ضدّ مغني المهرجانات الشعبية جديدة، والقرار الذي أصدره أخيرا بمنع تسعة عشر فنانا منهم من الغناء ليس الأول من نوعه، فالقرار نفسه صدر عدة مرات من قبل، وأغلب الممنوعين لم يحتكوا بالنقابة أو يطلبوا تقنين أوضاعهم، فيما تصرّ النقابة على العداء لتلك الموجة باعتبارها المسؤولة عن تردّي الغناء في مصر.
وبحسب القرار تُحرم الأسماء الواردة في القرار من الحصول على تراخيص للغناء داخل مصر، ما يعني عدم قدرتها على مزاولة المهنة أو إقامة حفلات غنائية جماهيرية أو إحياء أفراح.
لكن قدرة القرار تتلاشى في منع هؤلاء من الغناء عبر يوتيوب، وهو الفضاء الذي استقبلهم وصنع جماهيريتهم الكبيرة، أي أن عالمهم الحقيقي لن يتأثّر.
وتضمّنت القائمة حمو بيكا، حسن شاكوش، أحمد موزة، كزبرة وحنجرة، العصابة، ولاد سليم، شواحة، الزعيم، علاء فيفتي، وزة مطرية، مجدي شطة وآخرين، وأسماء معظمها تبدو عليها الصفة الشعبية أو مستوحاة من البيئة التي شبّ فيها أصحابها.
ومن غير المتوقّع أن يؤثّر القرار على غناء تترات المسلسلات والأفلام، فهو نفسه كان موجودا فيما مشاركتهم في الأعمال لم تنقطع، وحضور أغانيهم طاغ في الأفراح والحفلات، ما يعني أن القرار لن يغيّر شيئا على أرض الواقع، وقد يثير تساؤلات عن دور النقابات الفنية في مصر وما إذا كانت تمثل مقصلة وساحة للمحاكمة.

هاني شاكر: قرارنا جاء حماية للذوق العام من التعرض لمثل تلك الأشكال من الغناء
في مرمى الاتهامات
باتت نقابة الموسيقيين متهمة بالطبقية في خضم معركتها الأخيرة، حيث يرى البعض أن قرار منع مطربي المهرجانات يعبر عن رفض النخبة مزاحمتها من قبل أبناء الطبقة المهمّشة، الذين خرج فنهم من الحارات ويعكس أساليب حياتهم ويقدّم صورة عنها، أي أنها لا تقبل أن يكسب من لم يحظ بفرص تعليم أو حياة لائقة فجأة الملايين من الجنيهات ويحصل على النجومية ويزاحمها في مهنتها.
ويعزّز هذا الاتهام التباين في التعامل بين أغاني المهرجانات والراب اللذين خرجا من رحم فني واحد تقريبا، لكن التفرقة تثير علامات استفهام حول قرار نقابة الموسيقيين.
وقال الباحث الموسيقي محمد الأسواني، لـ”العرب”، “لا تكاد توجد فروق واضحة حاليا بين أغاني المهرجانات والتراب المصري الذي يقدّمه ويجز ومروان بابلو ومروان موسى وغيرهم، فكلاهما يعتمد على الألحان نفسها تقريبا، والكلمات التي تحمل الكثير من الذكورية والتباهي بالذات، باستثناء أن الأولى خرجت من الحارات الشعبية ومطربوها لم ينالوا حظا لائقا من التعليم، على خلاف من يقدّمون النوع الثاني، وغالبيتهم من خريجي الجامعات، وبعضهم حصلوا على مؤهلهم من جامعات أجنبية، ممّن يستطيعون أن يحشروا كلمة أجنبية أو اثنتين في أغانيهم”.
ودافع نقيب الموسيقيين هاني شاكر عن ويجز وأغاني الراب والتراب قائلا إن زوجته وابنه حضرا الحفل الأخيرة لويجز، وهو شاب مثقف خريج جامعة، وعلى تواصل معه شخصيا.
ويعزّز هذا التصريح تلك النظرة الطبقية لأغاني المهرجانات، لأن الكثير من أغاني الراب تحتوي على إيحاءات وسباب لا يقلّ عما يوجد في المهرجانات، فضلا عن التراكيب التعبيرية غير المفهومة والأقرب إلى شفرة لا يستطيع فكّها أحد.
كما أن مطربي المهرجانات والتراب دائمو التعاون، فغالبية الأغاني حاليا تجمع بين مغني تراب ومغني مهرجانات، ما يعني أن الأغاني ستردّد في الحفلات التي يقيمها مطربو الراب عموما دون ظهور المغني الآخر الذي صُنّف على أنه مغني مهرجانات.
وتتّهم نقابة الموسيقيين بممارسة أدوار مقصلية واحتكار التقييم لذاتها، مع أن مجالها مرتبط أساسا بالذائقة التي تتّسع وتتنوّع وتقبل الجديد.
وتعتمد الهجمة التي تقودها النقابة عبر هاني شاكر، ويؤيدها البعض من كبار الموسيقيين مثل حلمي بكر، على القيام بدورها في الحفاظ على الذوق العام وصورة مصر، باعتبار أن هذا اللون الفني مسيء ولا يجب أن يحظى بالاعتراف الرسمي المتمثل في منح تراخيص من النقابة.

نجيب ساويرس: قرار شاكر غريب ومعيب، ويشي بغيرة فنية من مطربي المهرجانات
أزمة ساويرس وشاكر
تصدى لقائمة الرافضين لقرار النقابة رجل الأعمال نجيب ساويرس، بما يمثله ذلك من اختلاف جوهري بين تلك المعركة وسابقتها بكل ما يملكه من سطوة وثقل في الوسط الفني، فهو الذي أطلق مهرجان الجونة السينمائي الدولي.
وأصبحت الجونة ساحة لإقامة الحفلات غير الرسمية في مصر وتستضيف المطربين الأكثر انتشارا ونجاحا، بمن في ذلك مطربو المهرجانات والراب، ويستعدّ المنتجع في مارس المقبل لعقد الدورة الأولى لمهرجان خاص بالموسيقى.
ورغم ما تمثله الجونة من مظاهر طبقية، حيث يقتصر الحضور فيها على أبناء الطبقة الوسطى المرفّهة، مثّل تصدّي ساويرس لقرار شاكر سباحة عكس التيار، ومؤشرا على خسارة معركة يخوضها نقيب الموسيقيين باسم الدفاع عن الذوق العام.
وخاض ساويرس وشاكر سجالا واسعا وتبادلا الاتهامات والتراشق عبر إحدى الفضائيات بسبب أزمة المهرجانات، وقال الأول خلال مداخلة مع الإعلامي عمرو أديب ليل الجمعة – السبت إن قرار شاكر “غريب ومعيب” وإن تلك هي المرة الأولى التي يجد فيها نقيبا للموسيقيين يرغب في منع الغناء.
وأضاف أنه لا يحبّ الاستماع إلى شاكر، وعلى العكس من ذلك يحبّ كافة أغاني المهرجانات والتراب، وتساءل كيف يمنح نقيب الموسيقيين نفسه الحقّ في تقييم شكل غنائي معيّن؟ وزاد في الهجوم متهما شاكر بـ”الغيرة من مطربي المهرجانات لعدم قدرته على الوصول إلى النجاح نفسه”.
وبدأت المعركة فعليا قبل ذلك بأيام، حين غرّد ساويرس عقب القرار الصادر في التاسع عشر من نوفمبر الجاري، معلنا استضافته لهؤلاء المغنين في مهرجان الجونة المقبل.
وردّ شاكر بانفعال لافت خلال مداخلته في البرنامج ذاته قائلا “قراري جاء حماية للذوق العام من التعرّض لمثل تلك الأشكال من الغناء”.
وأوضح الأسواني لـ”العرب” أن “تبني ساويرس الدفاع عن أغاني المهرجانات جنبا إلى جنب مع فريق يضمّ فنانين مؤمنين بأهمية التنوّع والنقاد الذين يرفضون الرقابة على الذوق يعزّز قوة وتأثير هذا المعسكر، وقد يدفع بعض الجهات المختصة إلى التصالح مع المهرجانات ومعاملتها معاملة مغني الراب”.
وأشار إلى أن “المشهد الموسيقي في مصر يتّسم بالفوضى ليس لوجود مغني المهرجانات، وإنما بسبب افتعال مثل تلك الأزمات من حين إلى آخر، ومنح التراخيص للبعض ومنعها عن آخرين، وسحبها ومنحها لنفس الشخصيات في أكثر من مرة، وشاكر لا يتحرّك من تلقاء نفسه، فمن المؤكّد أن قراراته يتمّ التأثير عليها من جهات أخرى”.
معركة خاسرة
ذكر الباحث في علم الاجتماع والأنثربولوجي عصام فوزي لـ”العرب” أن “ما يقوم به شاكر قد لا يكون أملي عليه من جهات رسمية، لكنه يأتي في الوقت ذاته متساوقا مع هواها؛ ذلك أن انتشار هذا النوع من الغناء يقلق الدولة، فقد خرج من الطبقات المهمشة بسبب ما يحتويه من تعبير جسدي عنيف”.
وتابع “الجهات الرسمية لا ترغب في إتاحة فرصة للتجمعات الشبابية الكبيرة، خصوصا إذا كانت من فئات غير مضمونة السيطرة عليها أو على ردود أفعالها، ومن ثم من المتوقّع أن يستمرّ التعامل الرسمي من خلال محاولات التضييق أو خنق هذا النوع، لكن لن تنجح تلك المحاولات في منعه من الانتشار”.
ولا يعدّ الصدام بين ما هو راسخ وتقليدي وبين ما هو ثوري وخارج عن النص والشكل المتعارف عليه جديدا، فقد سبق أن قوبل مغنون جدد بالموجة نفسها والاتهامات ذاتها بالانحدار بالذوق العام وصدرت ضدهم قرارات منع، بمن في ذلك المغني الشعبي أحمد عدوية، وقبله محمد رشدي، ومن بعدهما شعبان عبدالرحيم وآخرون.

عصام فوزي: منع أغاني المهرجانات يعبّر عن جمود وإفلاس نقابة الموسيقيين
وقال فوزي لـ”العرب” إن “المعركة التي يخوضها شاكر وإن كانت تعبّر في جزء منها عن إفلاس فني، فهي متكرّرة؛ فكل الموجات الجديدة تتعرّض للرفض”.
ولفت إلى أن نقيب الموسيقيين الذي يهاجم هذا النوع سبق أن اتهم عبدالحليم حافظ بأنه حاربه وحارب البعض من مطربي جيله، ما دفع حافظ في النهاية إلى تبني المطرب الراحل عماد عبدالحليم ومنحه اسمه لتبرئة نفسه من هذا الاتهام.
وشدّد فوزي على أن الرفض لا يمكن أن ينتصر على تلك الموجة الجديدة التي وجد الشباب فيها متنفّسا للتعبير عما يختلج في أنفسهم، فقد لا تكون فنا بالمعنى المعروف، لكنها أقرب إلى فن الحكي أو التعبير عن الهموم والطبقة والفئات التي تخرج منها في قالب فني.
وتتواجد مثل تلك الأنواع دائما، فالسيدات كنّ يجتمعن في منزل إحداهنّ ويطبلن وينشدن أغاني خاصة بالزفاف تحتوي على قدر كبير من الإباحية التي تعبّر عنهنّ، ولم تختف مع الوقت بل باتت شكلا من أشكال الفولكلور الشعبي.
وأصبحت أغاني الراب والمهرجانات بالنسبة إلى الشباب الوسيلة الأكثر حرية في التعبير عن أنفسهم مع إتاحة الوسائل المختلفة للتعبير عن ذلك، وبدلا من أن يكتبوا مقالا يكتبون أغنية بعدما لم يعد إنتاجها وعرضها صعبيْن.
وتوقّع فوزي أن تنتهي معركة شاكر مع أغاني المهرجانات على النحو ذاته الذي انتهت به المعارك السابقة، من نسيان مشعليها واستمرار الشكل الذي يُحارب.
واتفق الباحثان الأسواني وفوزي على أن معركة هاني شاكر مع المهرجانات خاسرة، الأمر الذي تعزّزه قراءة مؤشرات الواقع الذي يعكس فرض هذا الشكل الغنائي نفسه على الساحة، بما في ذلك على مجتمعات النخبة والأغنياء، فلا يكاد يخلو إعلان من مطرب مهرجانات أو أغاني راب، حتى أن البعض يصف الأخيرة بالأب الروحي للتراب المصري الذي يتصدّر مشهده حاليا المغني ويجز.
وتعدّ أغاني المهرجانات الأكثر انتشارا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتتجاوز أعداد مشاهدتها أضعاف ما يحظى به كبار المطربين، ومن بينهم شاكر، ما يعني أنها الأكثر مواكبة للغة العصر وأدواته التي لا تعتمد على الكاسيت أو الأسطوانات المدمجة، وتملك فضاء واسعا لا يستطيع أحد تحجيمه أو منعه.
أما على مستوى التاريخ القريب فالهجوم على أغاني المهرجانات لم يمنع انتشارها، وصارت في منحنى صاعد من الانتشار داخل مصر وخارجها، كل ذلك والغالبية العظمى لا تحاول أن تخوض حرب النقابة ولا تلقي لها بالا سوى ثلاثة أسماء جرّبت خوضها، وهي حسن شاكوش وحمو بيكا وعمر كمال، والأخير غير مذكور في قرار المنع، لأنه حصل على عضوية النقابة.
أما الخسارة فتندرج في حرمان النقابة نفسها من لعب دور في تطوير هذا الفن بدلا من محاربته، فقبول هذه الأغاني في شعبة خاصة داخل النقابة يمنحها سلطة أكبر لترويضها وتطويرها بما يتناسب مع الحفاظ على الذوق العام، أي يضعها تحت سلطة بدل تركها دون رقيب بعدم الاعتراف بها، فيما هي تستمرّ وتنتشر وتتأصّل.
واللافت أن المهرجانات خضعت لتطوير ذاتي مرتبط بالانتشار، فلم تعد كما كانت في البداية تخرج على اعتبارها أغاني تعبّر عن مكان محدّد، وتذيّل بقائمة من أسماء كبار تلك المنطقة أو عائلاتها، فضلا عن الاختلاف في القضايا، فالشهيرة منها تخوض في موضوعات محايدة تدور حول غدر الأصدقاء أو العصامية والاعتماد على الذات والتباهي بها، والحب على نحو مغاير لما تمّ تقديمه في الأغاني الشهيرة المنمقة.
ومن قبل، حين كانت المهرجانات مقتصرة على الانتشار في الأحياء التي خرجت منها كانت تتناول قضايا مثل زنا المحارم والعنف المفرط.
وأشار الأسواني إلى بعد آخر يتمثل في العائد المادي الكبير الذي يمكن أن تجنيه النقابة من خلف مطربي المهرجانات، فهي تحصل على رسوم من الأعضاء ونسب من إيرادات الحفلات التي يقيمونها، لكن التعالي الذي ينتاب القائمين على النقابة والنظرة الفوقية يترفّعان عن هذه المكاسب طالما جاءت من مطربي مهرجانات مهمشين.