"ماما حامل".. نوستالجيا سينمائية غير مبررة

عادت الفنانة المصرية ليلى علوي إلى شاشة السينما بعد غياب خمس سنوات، منذ أن شاركت في بطولة فيلم “الماء والخضرة والوجه الحسن”، بفيلم خفيف حمل عنوان “ماما حامل” بمشاركة ثلاثة من البارعين الجدد في مجال الكوميديا، وهم بيومي فؤاد وحمدي الميرغني ومحمد سلام، غير أن ذلك لم يضمن النجاح للعمل الذي يعاني من مشكلات فنية مختلفة.
القاهرة - لا يستطيع مُشاهد الفيلم المصري “ماما حامل” المعروض حاليا في دور العرض السينمائية بطولة ليلى علوي وبيومي فؤاد ومحمد سلام وحمدي المرغني، إلاّ أن يعود بالذاكرة إلى بداية تسعينات القرن الماضي عندما أُنتج فيلم “ليلة عسل” بطولة سهير البابلي وعزت العلايلي وسماح أنور، لعقد مقارنة بين فيلمين تناولا قصة واحدة مع اختلاف في بعض التفاصيل.
ومن يعقدون هذه المقارنة سيجدونها لا تصب في صالح الفيلم الجديد، فعودة الدوران في فلك فكرة طرحت قبل نحو 30 عاما، يستوجب من طاقم العمل قفزهم مقدّما على عصارة ما فرضه التقدّم والتحوّل في المجتمع منذ تلك الحقبة.
مغالاة في الغموض
أول أزمات الفيلم تكمن في لؤي السيد صاحب السيناريو الذي اتسم بالمغالاة الشديدة في الغموض بما كاد يفقده البوصلة الفنية، فقد حاول أن يوهم المشاهد في البداية بمناقشة قضية زيادة النسل وما تمثله من أزمة مجتمعية في مصر متداخلا مع حق من تخطوا الخمسين عاما في ممارسة نمط حياة لا يُحرّم عليهم تجاهل مقتضيات السن إلى تحقيق المتعة، وهو ما يصفه البعض بـ”المراهقة المتأخرة”، ثم قفز إلى منطقة أخرى تتعلّق بغياب المسؤولية لدى الجيل الحالي، ممثلة في الشابين المرغني وسلام.
ومن هناك يسعى الأب (بيومي فؤاد) والأم (ليلى علوي) إلى إقناع الشابين بأهمية الزواج وتكوين أسرة، وإجبارهما على تحمل المسؤولية، وهما اللذان يمثلان نمطين مختلفين، فأحدهما شديد الانفلات، والآخر غاية في الانضباط، ويلجأ كلاهما إلى حيلة ساذجة، يتم تلبيسها الأحداث على وجه غير منطقي وحوت الكثير من المغالطات.
يدور الفيلم منذ البداية بين نموذجين من الأزواج يتّسمان بقدر كبير من السطحية، يمثلهما ليلى وبيومي ممّن لا يظهران في مشهد واحد يتجادلان أو يتشاجران أو يختلفان على أي شيء، بل على العكس يصوّرهما الفيلم كزوجين متحابين على نحو مراهق، مع المغالاة في ذلك بشكل يفقدهما المصداقية، ليس من قبيل فرضية تلاشي الحب بينهما مع التقدّم في العمر، لكن من دواعي تفاوت ردود الفعل بحسب تباين الحياة.
وإذا تم تجاوز تلك النقطة والتحوّل إلى القضية التي يبدو أن الفيلم يعتني بمناقشتها، ويحاول خداع المشاهد بها طيلة ساعة ونصف الساعة، وهي أن الأم حامل بعد أن جاوزت الخمسين عاما، ما أثار ولديها اللذين يحاولان إجهاضها لما يمثله ذلك الحمل من إحراج مجتمعي لهما، ويفشلان في خططهما، حتى تضع طفلين، وبعد سبعة أشهر تضطر إلى أن تتركهما مع الشابين وتسافر إلى مؤتمر في دبي، ما يجعلهما يضطران إلى تحمل مسؤوليتهما، ويخوضان رحلة يتغيران فيها وصولا إلى التعلق بالطفلين.
تلك القضية التي سبق وناقشها فيلم “ليلة عسل” في العام 1990، مقدّما معالجة عميقة ومتداخلة لا تفقد رونقها رغم الزمن، فإنها كانت مجرد لعبة من الأم والأب في “ماما حامل”، خلت من مقومات رئيسية لتثبت أركانها وتقنع الجمهور بأنها حقيقة.
اللافت أن المشاهد يستطيع أن يكتشف مع الدقائق الأولى لادعاء الحمل كذبها، وصولا إلى المعنى المراد من الفيلم أو فكرة تقديم درس للشابين، فلم يستطع أي منهما كشفها، وأحدهما يعمل طبيبا.
لعبة غير متقنة
كان يمكن أن يشارك السيناريست الجمهور في الخطة منذ البداية ويطلعهما عليها ويتركهما يستمتعان بتوريط النجلين الكبيرين، غير أنه حاول اللعب على الجمهور ذاته لعبة لم تكن متقنة ويسهل اكتشافها، من ثم فقدان عنصر المفاجأة الذي رغب فيه في آخر مشهدين، في محاولة لتبرير الخطة المحكمة التي نسجها ولم تحقّق غرضها.
جاءت الخطة نفسها على درجة كبيرة من المغالاة، كأن الزوجين قادران على تربية توأم حتى يصلا إلى عمر السبعة أشهر، وهما ليسا أبويهما لتلقين الشابين درسا متقنا.
ما يزيد المشكلة سذاجة أن تلك الخلطة أخذت أكثر من اللازم كي تنضج، بمعنى أن مواجهة الشابين مع شقيقيهما الصغيرين لم تحدث سوى بعد مرور سبعة أشهر، وقبلها مثلهما في ادعاء الحمل، أي أن التغيير جرى في أكثر من عام، وهي مهلة كانت كفيلة بتغيير آراء النجلين ودفعهما نحو تحمل المسؤولية دون اللجوء إلى تلك الفكرة في ظل وجود متغيرات أخرى رئيسية يمثلها شريكا الحياة.
ومع أن الفيلم يدور في إطار من الافتعال غير الممنطق، لكنه رغم ذلك لا يفشل في خطف بعض الضحكات، كما أنه يحتوي على الكثير من الإيحاءات الجنسية التي قد لا تجعله مناسبا للأطفال، وحتى حيلة 12+ ليست كافية لإبعاد هذه الشريحة، حيث تحوّل هذا الشعار إلى لافتة تجذب الصغار والكبار، ما يشير إلى أن الفيلم يتضمن مشاهد أو إيحاءات ساخنة، وهو أمر كفيل لوحده بلفت نظر الجمهور الصغير أكثر من إبعاده.
كل ذلك كان حريا بأن يقدّم الفنانة ليلى علوي في صورة باهتة، ويكاد المشاهد يعتقد أنه لم يرها سوى في مشهدين، أحدهما يثير الضحك من مغازلة زوجها المبالغ فيها، والثانية تتجادل وتتشاجر مع ابنيها، ويتم تكرار ذلك على نحو ممل.
اختارت الفنانة المصرية الحضور في تلك التجربة بدلا من زيادة سنوات غيابها عن شاشة السينما، غير أن التجربة الأخيرة تثبت أن غيابها قد يكون أفضل من حضورها في أدوار باهتة دون قدراتها الفنية الكبيرة.
ولعل أفضل ما في الفيلم شخصية النجلين منفردتين (سلام والميرغني) بمعزل عن الأحداث، إذ استطاع كلاهما تقديم حقائق عن الشباب والرجال في هذا العصر، في ما يتعلق بالبطء الشديد في القرارات وتغيير القناعات، أو تفسير المشاعر على حقيقتها.
وبدأ بيومي فؤاد يستهلك نفسه في الأدوار الكوميدية، ومع أنه يمتلك موهبة كبيرة، لكنها تضيع بعض ملامحها وسط تكرار الظهور، فغالبية الأفلام السينمائية والأعمال الدرامية في مصر بات فؤاد عنصرا أساسيا فيها، للدرجة التي تجبره أحيانا على الذهاب إلى أماكن التصوير دون بروفة وربما عدم قراءة السيناريو، حيث اعترف في أحد حواراته أنه يفهم دوره ويعبّر عنه بطريقته.
كما كان لافتا استخدام الكاريكاتير في التتر على نحو بشّر بابتكار أكثر ممّا هو موجود بالفعل في الفيلم الذي يخرج منه المشاهد وقد يتملكه الحنين الشديد لمشاهدة فيلم “ليلة عسل” الذي برع فيه الفنان عزت العلايلي وسهير البابلي، والاستمتاع بعمل متماسك وسيناريو يعرف كاتبه لماذا قدّمه، وماذا يريد أن يقول، فعاش ما أراده طويلا.