"طبلة الست" فرقة مصرية تعيد الإيقاع الموسيقي إلى المرأة

ست سيدات يكسرن احتكار الرجل للضرب على الدف والطبلة.
الثلاثاء 2021/06/08
تحد للمشهد الموسيقي السائد في مصر

استطاعت فرقة “طبلة الست” المصرية أن تستعيد الإيقاع الذي ارتبط في غالبية الفرق بالرجل، باعتبار أن “الطبلة” آلة ذكورية أساسها قوة الضربات، على الرغم من أنها ارتبطت منذ القِدم بالمرأة وكانت جزءا رئيسيا في جلسات السمر النسائية وحفلات الزفاف والحنة الشعبية. وبدأت الفرقة تستعيد نشاطها بحفل في المركز الثقافي الإسباني بالقاهرة بداية يونيو الجاري.

القاهرة - كلما زارت سها محمد علي معبد دندرة في محافظة (قنا) جنوب مصر استوقفتها جدارية ضخمة لمصريات قديمات يضربن بالدف في تناسق وهيبة، ما يعني أن استعمال الآلات الإيقاعية التي باتت تقريبا حكرا على الرجال هو نشاط كان للمرأة فيه السبق والجدارة.

ليس فقط جدارية دندرة التي تثبت الصلة بين المرأة والطبلة أو الدف (أشهر الآلات الإيقاعية)، لكن الذاكرة الشعبية والفلكلورية في مصر أيضا تؤكّد ذلك؛ فقد كان يكفي قديما تجمّع مجموعة من النسوة في أي مناسبة حتى يحولنها بإيقاعهنّ إلى كرنفال، ولا يتطلب الأمر طبلة فعلية، فالمائدة المستديرة أو قدر إعداد الطعام (الحلة) يفيان بالغرض، ومن تلك الجلسات خرجت الكثير من الأغاني الشعبية وانتقلت إلى الأجيال اللاحقة.

عودة إلى الأصل

ما أقدمت عليه سها منذ عام 2019، من تأسيس فرقة إيقاعية تتصدّرها الفتيات تحت اسم “طبلة الست”، ليس من قبيل غزو نسوي لمهن اشتهر بها الرجال وإنما هو من قبيل عودة الشيء إلى أصله.

ولأن طبيعة الشيء -أو أصله- قادرة على النفاذ بسهولة دون عوائق وجدت الفرقة القائمة على مجهود ذاتي من سها وخمس فتيات أخريات طريقها مباشرة إلى قلب الجمهور، وكسبت شعبية غير محدودة مقارنة بالحفلات القليلة التي أقمنها.

صحيح أن ما قدّمنه لم يجد رفضا جماهيريا يمثل عائقا، غير أن جائحة كورونا التي انتشرت بعد أشهر من ولادة الفرقة فرضت نمطا مختلفا للحياة وكانت العائق الأبرز أمامهنّ.

فرقة "طبلة الست" تثبت مهارة المرأة عند عزف الإيقاع على الطبلة والدف وتضفي عليهما روحها فتجعلهما أكثر إلهاما

ومع بداية يونيو الجاري عادت الفرقة بعد انقطاع أشهر لتحيي حفلة في المركز الثقافي الإسباني وسط حضور جماهيري لافت وتفاعل ملحوظ، حتى أن الجمهور الذي تنوّع بين الجنسين وبأعمار مختلفة لم يستطع أن يلزم الوقار، وأخذ يتمايل على ألحان الفرقة الفلكلورية طمعا في المزيد.

وقالت محمد علي لـ”العرب” إنها انتقلت بين فنون عدة؛ حيث درست الفنون الشعبية لبعض الوقت في فرقة رضا، ومارست التمثيل، ثم درست الإيقاع في معهد الموسيقى العربية على يد أستاذها سعيد الأرتيست، وعملت معه في فرقته لبعض الوقت، قبل أن تفكّر في تأسيس فرقتها الخاصة والمكوّنة من السيدات.

وأرادت الفنانة الشابة أن تثبت أن المرأة قادرة على تقديم عروض إيقاعية وقيادة فرقة تعتمد آلات إيقاعية، وبالفعل نجحت في ذلك. ثم جاء مشهد تفوّق العازفات في أوركسترا القاهرة خلال حفل نقل المومياوات الملكية في أبريل الماضي ليدعم نظرية محمد علي، خصوصا بعدما لفتت العازفة رضوى البحيري -قائدة الإيقاع في العرض- الأنظار بجلستها المهيبة وعزفها.

وأضافت محمد علي “كنت أتابع الحفل بسعادة بالغة، رأيت رسالتي مجسّدة عبر الشاشة في عازفات الإيقاع، وزدت إصرارا على مواصلة الطريق الذي لا يزال في بدايته”.

نفس مسرحي

Thumbnail

تنوّعت أغاني الفرقة خلال الحفل بين السيرة الهلالية وأغاني فرقة رضا والأغاني الفلكلورية، وحتى أغنية الراحلة سعاد حسني “يا تجيبلي (تحضر لي) شوكولاتة” جرى عزفها بتوزيعات مختلفة.

وعلى المسرح تجلس ست فتيات في تتابع منظم وهنّ جينا وريتا وريهام وسها ومنة ودعاء، وإلى يسارهنّ جلس عازفان على آلتي نفخ، وهما رأفت عازف الكولة وسيد عازف المزمار.

عادة ما يبدأ العرض بوصلة من إيقاع المزمار أو الكولة تغلف الأجواء بحالة من الشجن، ثم تأتي الآلات الإيقاعية بصخبها المعتاد لتنشر البهجة والفرح، كأن المسرح مرآة للحياة التي يتصارع فيها الشجن والسرور وتتبدّل خلالها الأحوال.

اللافت في فرقة “طبلة الست” هو توظيف كل ما تمتاز به المرأة على المسرح من حيوية وروح خاصة في تجربة تثبت أن الإيقاع حين يقدّم بروح نسوية يأتي مختلفا، ويكون دويّه حادا وروحه أعلى وأكثر قدرة على الانتشار والتأثير.

ومن ذلك النغاشة (المزاح والدلال) التي تبديها العازفات بشخصيات مختلفة؛ إحداهنّ أكثر خفة، وأخرى أكثر رصانة، وثالثة تدخل في حالة من التفكير المركز، ورابعة في منزلة وسطى…، فينقلن حالة من التنوّع رغم الزي الموحّد الذي يرتدينه.

تجربة الفرقة تؤكّد أن الإيقاع حين يقدّم بروح نسوية يأتي مختلفا ويكون دويّه حادا وروحه أعلى وأكثر قدرة على الانتشار والتأثير

في “طبلة الست” لن تجلس لتستمع إلى وصلة من الإيقاع وترحل، بل ستجد إيقاعا وأغاني فلكلورية وأداء تمثيليا، مع انسجام وتناسق وقطع للرتابة، حتى أنك لن تُحرم من رؤية الصاجات -وهي من الأدوات الشعبية في الاحتفال- أو من سماع الزغاريد وكأنك عدت بالزمن إلى أربعينات وخمسينات وستينات القرن الماضي وصرت تشارك في جلسة تجمع بين جدتك وصديقاتها حين كنّ شابات يافعات.

وتسعى محمد علي إلى أن تجوب بفرقتها مصر وتشارك في العديد من المهرجانات المحلية والعالمية. لكن حتى الآن ما زالت الفرقة في طورها الأول، تنفق على نفسها ولا تحقّق الربح وتقام حفلاتها في مراكز مثل معهد غوتة الألماني أو المركز الثقافي الإسباني دون تذاكر للحضور.

واختارت محمد علي عضوات فرقتها من زميلاتها في معهد الموسيقى، وكانت تعرض فكرتها على من تجد فيها الإيمان بالقضية ذاتها والعشق نفسه للإيقاع حتى تشكّلت الفرقة.

إحداهنّ، وهي ريهام، مهندسة معمارية وممثلة حصلت على العديد من الجوائز المسرحية، ومغنية في فرقة “الأولى بلدي” التي تخصّصت في غناء أغاني الشيخ إمام، ثم انتقلت إلى “طبلة الست” حيث اللون المختلف والتجربة الفريدة.

وأكّدت ريهام لـ”العرب” أن كل تجربة خاضتها لها مميزاتها، لكن “طبلة الست” تمتاز أساسا برغبتها في إحياء التراث وإثبات قدرة السيدات على العزف على الآلات الإيقاعية.

ينتهي الحفل ويشرع الجمهور في ترك مقاعده واستقبال العازفات بترحاب خاص، بين إشادة بالآداء والتقاط للصور أو غوص كامل في زمن جميل.

16