عقدة استقالة المشيشي تزيد من منسوب التوتر السياسي في تونس

تحُول مسألة استقالة هشام المشيشي من رئاسة الحكومة في تونس من عدمها دون التوصل إلى تهدئة بين مختلف أطراف الأزمة السياسية. ففيما تحاول أطراف استعمال استقالة المشيشي كورقة لتحسين شروط التفاوض حول ترتيبات المرحلة المقبلة، يصرّ الرئيس قيس سعيد، الذي دخل في صراع مع رئيس الحكومة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي على استقالة المشيشي كشرط لإطلاق حوار وطني ينهي الأزمة في البلاد.
تونس - رفض الرئيس التونسي قيس سعيد تنظيم حوار وطني لإيجاد مخرجات للأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد مع من لا يؤمنون باستحقاقات الشعب وفق قوله، وذلك في وقت أعلنت فيه حركة النهضة تمسّكها برئيس الحكومة هشام المشيشي في أحدث تصعيد بين الطرفين.
وتفاقمت في تونس خلال الساعات الماضية المخاوف من تداعيات التصعيد المستمر بين مختلف أطراف الأزمة السياسية وسط تحذيرات من الانزلاق نحو مربع العنف لاسيما بعدما شهده أحد شوارع العاصمة من مناوشات بين نواب برلمانيين أمام مقر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فرع تونس.
وأعرب قيس سعيد عن استعداده لاحتضان “أي حوار على ألا يشارك فيه إلا من كان مؤمنا حقيقة باستحقاقات الشعب”.
وجاء ذلك عقب لقاء جمع الرئيس سعيد بقصر قرطاج مع زهير المغزاوي أمين عام حركة الشعب (15 نائبا) وغازي الشواشي أمين عام التيار الديمقراطي (22 نائبا).
وتم التطرق خلال هذا اللقاء إلى جملة من الحلول والتصورات لحوار “في شكل جديد يقوم أساسا على تحقيق المطالب المشروعة للشباب بالخصوص، وفق البيان الذي لم يوضح تلك التصورات”، كما تم التأكيد على إمكانية إيجاد صيغ جديدة تتيح للشباب من كل أرجاء تونس، المشاركة في هذا الحوار حتى يكون عنصرا فاعلا فيه، وقوة دفع واقتراح وفق قول الرئاسة.
وتسود خلافات بين الرئيس سعيد ورئيس الحكومة المشيشي عقب إعلان الأخير في 16 يناير الماضي تعديلا وزاريا واسعا شمل 11 حقيبة وزارية من أصل 25، وبعد 10 أيام منحت الثقة من قبل البرلمان.

جوهر المغيربي: تفاقم العنف السياسي قد يجرّ تونس نحو منزلقات خطيرة
وأعلن المشيشي في الـ15 من فبراير الماضي، إعفاءه لخمس وزراء جدد من مهامهم وتكليف آخرين من الموجودين على رأس وزارات أخرى بتصريف أعمالها إلى حين استكمال التشكيلة الحكومية.
ورغم ذلك لم يوجه رئيس الجمهورية دعوة إلى الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه، معتبرا أن التعديل شابته خروقات.
وحسب رأي المتابعين، يبدو أن الرئيس سعيد يعود إلى حزامه السياسي (التيار الديمقراطي وحركة الشعب) لمواجهة الحملات عليه بسبب التمسك باستقالة المشيشي، في وقت صار فيه الاتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية في البلاد، يتّهم الرئيس سعيد بتعطيل الحوار.
وربما تعبّر تصريحات الأمين العام السابق للاتحاد حسين العباسي منذ يومين على ذلك، حيث دعا إلى الضغط على الرئيس سعيد لفك هذه العقدة.
وأفادت أستاذة القانون الدستوري منى كريم الدريدي، بأن “تونس دخلت مربع العنف من خلال الاحتجاجات والصراع بين الكتل البرلمانية (الحزب الدستوري الحر وائتلاف الكرامة القريب من حركة النهضة)”.
ويوحي التصعيد بين رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي ونواب ائتلاف الكرامة بأن الوضع قد ينفلت أمنيا.
وأضافت الدريدي في تصريح لـ”العرب”، أن “العنف حالة نعيشها اليوم، ونخشى أن يتطور ويصبح في شكل مداهمات للمنازل والأشخاص، والشعب أثرت عليه طريقة العيش في ظل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية المتواصلة، الأزمة تسببت فيها الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية والبرلمان والحكومة)، ولا يوجد إلا القضاء من يبتّ في قضايا الفساد من عدمه”.
وأردفت “الحوار أصبح الحل الوحيد ويجب أن يكون دون قيود، لأن الإقصاء سيولد العنف، ويبدو أن هناك من يريد أن تتعفن الوضعية أكثر وتسير البلاد نحو المجهول، على الرئيس سعيد أن يقبل بالحوار مع كل الأطراف”.
وبينما تطالب أطراف باستقالة المشيشي من رئاسة الحكومة ووضع حد للأزمة السياسية، تتمسك مكونات الحزام السياسي للحكومة على غرار حركة النهضة وقلب تونس بتثبيت رئيس الحكومة في مكانه مع التسريع في تنظيم حوار لا يستثني أي طرف.
وقال النائب عن حزب قلب تونس جوهر المغيربي في تصريح لـ”العرب”، “الوضع السياسي غير مستقر ومحكوم بالصدام، وحذرنا من هذا الصراع القائم الذي قد يذهب بالبلاد نحو الاستقطاب الثنائي”.

حاتم المليكي: النهضة تريد تسوية تسمح لها بمواصلة التواجد في السلطة
واقترح المغيربي الحوار بين الأطراف وفق أسس واضحة، وهي الإيمان بالثورة والتمسك بالدستور واحترام الديمقراطية، لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، مع ضرورة توفر الجانب العملي عبر الاحتكام إلى مؤسسات الدولة والتسريع في إرساء المحكمة الدستورية كنقطة مفصلية للحكم في الخلافات السياسية، مستطردا “الحوار يكون مع جميع الأطراف ومع التعقل وتجميع الرئاسات الثلاث”.
واعتبر الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي الأربعاء، أنّ الحل لانطلاق حوار وطني لا يكمن في استقالة رئيس الحكومة على غرار ما طالب به الرئيس سعيد، في إشارة قد تحمل تغيير موقف الاتحاد من الحكومة.
وفي الوقت الذي تتمسك فيه النهضة وقلب تونس بالمشيشي على رأس الحكومة، تنتقد أوساط سياسية أخرى بشدة أداء الرجل، لكن دون المبالغة في القول إنه قادر لوحده على حلحلة أزمات تونس الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
وأكد النائب البرلماني حاتم المليكي أنه “بقطع النظر عن الأزمة القائمة، فإن أداء المشيشي مضطرب، وفي تقييم موضوعي يمكن القول إنه فشل في مهمته، والأزمة الحالية تتجاوز المشيشي وتتعلق بالإصلاحات الشاملة”.
وقال في تصريح لـ”العرب”، إن “حركة النهضة تدفع نحو تسوية سياسية تسمح لها بمواصلة تواجدها في السلطة، وهناك أطراف أخرى تريد أن ينهي الحوار الأسباب الهيكلية للخلاف”.
ودعا إلى “ضرورة الحسم في النظام السياسي الهجين عبر استفتاء شعبي، مع وضع خطة حقيقية للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية”.
وتعاني تونس من أزمة اقتصادية، فاقمتها الجائحة الصحية حيث عرف الاقتصاد التونسي تراجعا حادا خلال العام الحالي، فيما شهدت عدة مناطق بالبلاد مؤخرا احتجاجات مختلفة تتضمن مطالب اجتماعية ما بات ينذر بتفجّر مجتمعي.
وفي مطلع ديسمبر الماضي أطلق اتحاد الشغل مبادرة للخروج من الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.