اعتراف شرق ليبيا باتفاقية ترسيم الحدود البحرية نصر دبلوماسي لتركيا

إذا كان الرابح الظاهري مما يجري هو تركيا، فإن الخاسر الأكبر قد يكون المشروع الوطني الليبي الذي يبحث عن استقرار وسيادة موحدة.
الاثنين 2025/06/30
اتفاقية ملغومة

بنغازي (ليبيا)- في خطوة مفاجئة، أعلنت حكومة شرق ليبيا الموالية لقائد الجيش المشير خليفة حفتر، موافقتها على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، وهو ما ينظر إليه كنصر دبلوماسي لأنقرة خاصة في ظل ما يبدو أنه توافق ليبي – ليبي على الدور التركي.

وكانت الاتفاقية، التي وقعت في نوفمبر 2019 بين حكومة الوفاق في طرابلس وأنقرة، قد أثارت حينها موجة من الرفض الداخلي والدولي، ما أضفى بعدا من الغموض بشأن جدواها خاصة أن المناطق المستهدفة في الاتفاقية تندرج ضمن المجال الجغرافي الواقع تحت سيطرة سلطات شرق ليبيا.

وباتت تركيا، التي واجهت طعنا دوليا في شرعية الاتفاقية لسنوات، قادرة اليوم أن تقول إن كلا طرفي النزاع الليبي يعترف بها وبالتالي تكتسب المزيد من المشروعية القانونية والسياسية في تحركاتها البحرية

قرار حكومة الشرق بقبول اتفاق ترسيم الحدود البحرية لا يعكس تقاربا وطنيا بقدر ما يشير إلى تصاعد الفوضى السيادية في ليبيا

ومن غير المعروف ما إذا كانت مصر بدورها، وهي حليف رئيسي لسلطات شرق ليبيا، قد غيّرت موقفها بدورها من الاتفاقية، حيث يرجّح مراقبون أن تكون القاهرة قد اختارت نهجا براغماتيا ملتبسا خاصة بعد المصالحة مع أنقرة وطي صفحة التوترات.

وبدأت مصر وتركيا منذ عام 2021 عملية تطبيع تدريجية شملت تبادل السفراء وتنسيقا أمنيا وتفاهمات اقتصادية، وتوجت بتبادل الزيارات بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيّب أردوغان.

وإذا تغير موقف مصر فعلا فستكون اليونان الخاسر السياسي الأكبر في شرق المتوسط، حيث سيتعقد موقفها بشكل كبير بعد أن بنت إستراتيجيتها على تحالف قوي مع مصر لمواجهة النفوذ التركي.

وتدير ليبيا حاليا حكومتان، الأولى “الوحدة الوطنية” برئاسة عبدالحميد الدبيبة ومقرها طرابلس وتشرف منها على كامل غرب البلاد.

والثانية حكومة أسامة حماد التي كلفها مجلس النواب قبل أكثر من 3 أعوام ومقرها بنغازي وتدير كامل شرق البلاد ومدنا في الجنوب.

ويرى مراقبون أن قرار حكومة الشرق بقبول اتفاق ترسيم الحدود البحرية لا يعكس تقاربا وطنيا بقدر ما يشير إلى تصاعد الفوضى السيادية في ليبيا، حيث تحاول كل حكومة أن تعقد صفقات بمعزل عن الأخرى مدفوعة بمصالح إقليمية.

وبحسب هؤلاء المراقبين، فإنه إذا كان الرابح الظاهري مما يجري هو تركيا، فإن الخاسر الأكبر قد يكون المشروع الوطني الليبي الذي يبحث عن استقرار وسيادة موحدة.

ولا يستبعد المراقبون أن تنشأ نزاعات قانونية وتجارية بين الحكومتين في صورة ما شرعت الشركات التركية في التنقيب على النفط والغاز استنادا على هذه الاتفاقية.

وقال رئيس حكومة شرق ليبيا أسامة حماد، إن التعاون بين بلاده وتركيا يتم وفقا للشرعية الدولية، في معرض تعليقه على تصريحات للسلطات اليونانية.

pp

وبحسب بيان صادر عن الحكومة، السبت، ألقى حماد كلمة خلال حفل أقيم بمدينة بنغازي ردّ خلالها على تصريحات صادرة عن السلطات اليونانية.

وأشار حماد خلال حديثه إلى مذكرة التفاهم الخاصة بتحديد مناطق الصلاحية البحرية بين تركيا وليبيا.

وأكد على “رفض ليبيا القاطع لأي تشكيك في شرعية اتفاقياتها مع الدول الصديقة”، مؤكدا أن “التعاون الليبي -التركي يتم وفقا للشرعية الدولية ولا يعتدي على سيادة أي دولة.”

وحذّر من “عواقب استمرار سياسة التحريض والتصعيد اليوناني”، مؤكدا احتفاظ ليبيا بـ”حقها الكامل في اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية أمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية، بما في ذلك الرد الصارم على أي مساس بسيادتها.”

وشدّد على أن “حقوق ليبيا البحرية غير قابلة للمساومة، ولن تُناقش إلا ضمن الأطر القانونية الدولية”، مشيرا إلى أن الحكومة “اتخذت خطوات حاسمة ردا على المواقف اليونانية الأخيرة.”

من المرجح أن تنشأ نزاعات قانونية وتجارية بين الحكومتين في صورة ما شرعت الشركات التركية في التنقيب على النفط والغاز استنادا على هذه الاتفاقية

وأثارت تصريحات رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، التي استهدفت مذكرة التفاهم الخاصة بتحديد مناطق الصلاحية البحرية بين تركيا وليبيا، ردود فعل جدية من قبل السلطات في شرق وغرب ليبيا.

وأكدت المؤسسة الوطنية الليبية للنفط (حكومية)، الأحد، أن كافة الاتفاقيات التي أبرمتها الدولة تستند إلى القانون الدولي وتخدم مصالح الشعب الليبي.

وقالت المؤسسة في بيان إنها “تؤكد التزامها الراسخ بتنفيذ برامج الاستكشاف حمايةً لحقوق ليبيا السيادية ومصالحها الوطنية في استكشاف وتطوير الموارد الهيدروكربونية، بما في ذلك في شرق المتوسط.”

وشدّدت على أن “جميع الاتفاقيات والشراكات التي أبرمتها الدولة الليبية تستند إلى مبادئ القانون الدولي وتخدم المصالح طويلة الأمد للشعب الليبي.”

يذكر أن حكومة الوحدة الوطنية الليبية أعربت أيضا في بيان لها بتاريخ 19 يونيو الجاري عن قلقها البالغ إزاء التصريحات اليونانية التي نشرت في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي بتاريخ 12 يونيو، بشأن طرح مناقصات للتنقيب عن الهيدروكربون في المناطق المتنازع عليها مع ليبيا جنوب جزيرة كريت.

وأكد البيان أن هذه الخطوات تمثل “انتهاكا صريحا للحقوق السيادية الليبية”، وأن ليبيا تسجل تحفظها الكامل وتعترض على أي أعمال استكشافية أو تنقيبية في تلك المناطق دون اتفاق قانوني مسبق.

كما طالب بيان حكومة الوحدة الوطنية اليونان بالانخراط في حوار ومفاوضات بناءة تستند إلى قواعد القانون الدولي، مع مراعاة مصالح جميع الأطراف، من أجل التوصل إلى حلول عادلة ومنصفة.

1