محاولات جزائرية لإذابة الجليد والتخفيف من حدة التوتر مع إسبانيا

تحاول السلطة الجزائرية الحد من مواقفها المتشنجة مع إسبانيا، في ظل وجود ملفات مهمة تربط البلدين وتتعلق بالمصالح الاقتصادية والهجرة والأمن، وذلك بعد فترة من التوتر وشبه القطيعة بسبب دعم مدريد لمغربية الصحراء.
الجزائر - توجه رئيس الحكومة الجزائرية نذير العرباوي الأحد إلى مدينة إشبيلية الإسبانية، ممثلا لرئيس البلاد عبدالمجيد تبون، للمشاركة في المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، الذي ينطلق اليوم الاثنين وسيختتم الخميس المقبل، في مسعى لإذابة الجليد والتخفيف من حدة التوتر في العلاقات بين البلدين منذ فترة.
وتأتي هذه الزيارة الأولى لمسؤول جزائري رفيع المستوى في ظلّ توتر في العلاقات الجزائرية – الإسبانية خصوصا بعد دعم مدريد لمغربية الصحراء واعترافها بالحكم الذاتي الذي تطرحه الرباط حلاّ واقعيا للنزاع المفتعل.
ويقول مراقبون إن المصالح الاقتصادية تفرض على الجزائر مراجعة سياساتها الخارجية والتغاضي عن التزام إسبانيا بدعمها لسيادة المغرب على صحرائه، خاصة بعد أن باءت كافة محاولاتها لدفع مدريد إلى التراجع عن موقفها بالفشل.
السلطة الجزائرية تحاول عدم اللجوء إلى تجميد علاقتها مع إسبانيا مجددا، رغم غضبها من زيارة بيدرو سانشيز إلى المغرب
وجاء في بيان لمصالح رئيس الحكومة الجزائري أن المشاركين سيعكفون في هذا المؤتمر “على دراسة مختلف المسائل ذات الصلة بمشكلة تمويل التنمية، لاسيما من خلال الوقوف على مدى تنفيذ برنامج عمل أديس أبابا لدعم تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وذلك بهدف صياغة اقتراحات وحلول جماعية لدعم جهود التنمية ورأب الفجوة التمويلية.”
وتعتبر زيارة العرباوي إلى إسبانيا، رغم أنها تندرج في إطار التعاون الدولي متعدد الأطراف، هي الأولى من نوعها لمسؤول جزائري رفيع المستوى منذ 2022، بداية سيطرة التوتر الحاد على العلاقات بين البلدين.
وفي 20 فبراير الماضي التقى وزيرا خارجية البلدين في جوهانسبورغ على هامش الاجتماع الوزاري لمجموعة الـ20، وهو اللقاء الذي وصف بأنه رغبة مشتركة في خفض التوتر واستعادة العلاقات الطبيعية.
وكان رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز أعلن في مارس 2022 دعم بلاده خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب حلا لمشكلة الصحراء، وهو ما وصفته الجزائر بـ”الانقلاب المفاجئ”.
ونقلت صحيفة “الإندبندنتي” في تقرير إثر الزيارة عن مصادر جزائرية قولها إن سانشيز بتصريحاته من جديد في الرباط لم يستجب لمبادرات التقارب التي قامت بها الجزائر. وهو ما يبدو أنه أوقف الانفراجة التي لاحت في الأفق بالنسبة إلى الجزائر.
وتحاول الجزائر ضبط النفس وعدم اللجوء إلى تجميد علاقتها مع إسبانيا مجددا، رغم غضبها الشديد من زيارة سانشيز إلى المغرب، والتي وصفتها الصحافة الإسبانية بأنها بمثابة “صب الزيت على النار” بالنسبة إلى التوتر مع الجزائر.
وردت الجزائر بسحب سفيرها سعيد موسى من مدريد وعلقت اتفاقية الصداقة وحسن الجوار بين البلدين الموقعة سنة 2002، إلى جانب فرض عقوبات اقتصادية من خلال تجميد عمليات التصدير والاستيراد من إسبانيا وإليها، ووقف أي عملية توطين بنكي لإجراء عمليات تجارية معها.
ومع إعلانات حسن نوايا من الطرفين، أعلن عن تأجيل زيارة وزير الخارجية الإسباني التي كانت مقررة في 12 فبراير 2024 إلى الجزائر، قبل 12 ساعة فقط من موعدها، بناء على طلب من الجزائر بسبب “ازدحام الأجندة وعدم حسم بعض الملفات التي كان من المقرر مناقشتها خلال الزيارة.”
وعاد السفير الجزائري رسميا إلى مدريد واستؤنفت العلاقات التجارية بين البلدين في نوفمبر 2024، من خلال تعميم أصدره البنك المركزي الجزائري، يسمح بإعادة فتح عمليات التجارة الخارجية من إسبانيا وإليها.
وفي الفترة الأخيرة بدأت الجزائر الانفتاح من جديد على إسبانيا، بسبب ما اعتقدته تغيرا في الموقف الإسباني بعد خطاب لسانشيز في الأمم المتحدة في اجتماعها السنوي الأخير دعا فيه إلى “حل سياسي مقبول بشكل متبادل في إطار ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن” لقضية الصحراء المغربية، رغم أن تصريحاته تلك تتناسب مع الطرح المغربي الذي يؤكد على التزامه بالمقررات الأممية ولم يخرج عنها مطلقا.
رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز أعلن في مارس 2022 دعم بلاده خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب حلا لمشكلة الصحراء، وهو ما وصفته الجزائر بـ"الانقلاب المفاجئ"
وذكرت صحيفة “إلباييس” الإسبانية أن عودة السفير الجزائري إلى مدريد أملتها أسباب أخرى منها “البحث عن حلول مشتركة للمشاكل المشتركة، من الهجرة غير الشرعية إلى انتشار التنظيمات الجهادية في منطقة الساحل، وطموح الجزائر إلى تنويع اقتصادها،” مضيفة أن استئناف العلاقات إيجابي للشركات الإسبانية وكذلك الجزائرية.
وقبل زيارة سانشيز إلى المغرب كان وزير خارجيته خوسيه مانويل ألباريس قد أغضب الجزائريين بعد أن رفض الحديث عن قضية الصحراء والاقتصار على القضايا التجارية في زيارته التي كانت مقررة إلى الجزائر، لكن الأخيرة ألغت زيارته في آخر لحظة بسبب ذلك.
وشكلت عودة النشاط التجاري بين البلدين آلية ناعمة للتطبيع السياسي والدبلوماسي بين الجزائر وإسبانيا، خاصة بعد عودة السفير الجزائري عبدالفتاح دغموم إلى مدريد، ورسائل الاستلطاف التي وجهها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى القيادة السياسية الجزائرية، بتأكيده على “الطابع الإستراتيجي لعلاقات البلدين، والمصالح المشتركة، وتثمين العلاقات الثنائية بينهما.”
وكانت الجزائر قد أعلنت العام الماضي من جانب واحد تعليق العمل باتفاقية الشراكة الإستراتيجية وحسن الجوار مع إسبانيا، في أعقاب انحياز مدريد للمقاربة المغربية في حل النزاع القائم في الصحراء المغربية، حيث اعتبر حينها الرئيس الجزائري أن “الحكومة الإسبانية تنصلت من مسؤولياتها السياسية والأخلاقية عن الملف بالإعلان عن الانحياز لصالح واحد من طرفي الصراع.”