استهداف بوليساريو للسمارة تصعيد بلا أفق يعزز الموقف المغربي

هذا التصعيد يعكس حقيقة واضحة مفادها أن جبهة بوليساريو باتت معزولة سياسيا ولا تجد في التصعيد العسكري سوى محاولة لإظهار وجودها.
الاثنين 2025/06/30
هجوم يعكس تخبطا وعزلة

الرباط- شهدت منطقة السمارة الواقعة في الصحراء المغربية يوم الجمعة هجوما جديدا من قبل جبهة بوليساريو، في تصعيد عسكري يثير قلقا إقليميا ودوليا. ورغم الخطورة الأمنية لهذا الاستهداف، فإن قراءة أبعاده تكشف أن هذه الخطوة تأتي في توقيت غير ملائم للجبهة الانفصالية وتخدم فعليا مواقف المغرب السياسية والدبلوماسية وتضع بوليساريو وداعميها وفي مقدمتهم الجزائر، في مأزق داخلي وخارجي.

ويأتي هجوم بوليساريو على منطقة مثل السمارة التي تخضع بشكل كامل للسيادة المغربية، وتتواجد بها مراكز مدنية وأمنية مهمّة، كإشارة إلى محاولة الجبهة تعويض تراجعها السياسي والدبلوماسي. فبينما تواصل الرباط تحقيق مكاسب واسعة على صعيد الاعتراف الدولي بخطة الحكم الذاتي التي تقدمها، تذهب بوليساريو إلى التصعيد العسكري في محاولة غير مدروسة تظهر انعدام الحلول السياسية.

هشام معتضد: المغرب يظهر قدرة واضحة على التحكم في إيقاع الردود
هشام معتضد: المغرب يظهر قدرة واضحة على التحكم في إيقاع الردود

ويرى محللون أن هذا التصعيد يعكس حقيقة واضحة مفادها أن جبهة بوليساريو باتت معزولة سياسيا ولا تجد في التصعيد العسكري سوى محاولة لإظهار وجودها، رغم أن ذلك لا يقود إلا إلى المزيد من إضعافها أمام المجتمع الدولي.

وسقطت أربع مقذوفات الجمعة، في مناطق غير مأهولة على مشارف مدينة السمارة، دون أن تسفر عن خسائر بشرية أو مادية، حيث تبنت جبهة بوليساريو الانفصالية هذه العملية في بيان صادر عنها، وصفت فيه القصف بأنه استهداف لما زعمت أنها “قواعد عسكرية للعدو”. وهذا ثالث هجوم تتعرض له مدينة السمارة بمثل هذه المقذوفات المتفجرة، حيث كانت الأولى في أكتوبر 2023 والثانية في مايو 2024، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين.

وأكد هشام معتضد، الأكاديمي والخبير في الشؤون الإستراتيجية، أن المغرب يظهر قدرة واضحة على التحكم في إيقاع الردود، بما يعكس نضجا في مقاربة إدارة التهديدات منخفضة الحدة. فالخيار المغربي يقوم على امتصاص الصدمات دون الانجرار إلى مواجهات مفتوحة كما تريد ذلك الجزائر عبر ذراعها بوليساريو، مع الإبقاء على عنصر التفوق المعنوي والدبلوماسي، وهذا النهج يكشف عن عقلانية إستراتيجية تتجنب فخاخ الاستنزاف الميداني.

وبحسب تصريح معتضد لـ”العرب”، فإن سياسة المغرب بهذا الخصوص تمثل مقاربة تجمع بين الحزم الهادئ واليقظة الدائمة، حيث تعي الرباط أن أي تحرك انفعالي قد يمنح خصومها فرصة للعب ورقة المظلومية أمام المنتظم الدولي لذلك تحرص على إبقاء خصومها في موقف المتهم أو المعتدي.

ومباشرة بعد الهجوم غير الموفّق أجرت بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو)، مساء الجمعة، زيارة ميدانية إلى مواقع سقوط المقذوفات الأربع التي استهدفت محيط مدينة السمارة قرب ثكنة المينورسو، وذلك برفقة أفراد من القوات المسلحة الملكية، بهدف إعداد تقرير تفصيلي يُرفع إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يتضمن توثيق حالة خرق لاتفاق وقف إطلاق النار من طرف جبهة البوليساريو الانفصالية، وتحديد طبيعة المقذوفات المستخدمة ومواقع انفجارها.

وأكد معتضد أن تكرار المحاولات الاستفزازية من طرف بوليساريو ضد المغرب سيُدخل المنطقة في دائرة جديدة من الحسابات العسكرية، لكنه لن يؤدي بالضرورة إلى انفجار شامل، موضحا أن السيناريو الأقرب هو تعزيز القدرات الدفاعية للمغرب في المناطق القريبة من خطوط التماس، وتطوير آليات رصد مبكر مع تنفيذ عمليات تطويق محدودة للحد من قدرة الجبهة على المناورة، مع احتمال لجوء المغرب إلى تكتيك الضربات الموضعية كرسائل تحذيرية محسوبة، دون السقوط في خيار الحرب المفتوحة.

pp

وحذر خبراء في القانون الدولي من رفض الجزائر تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني، وخاصة في ما يتعلق بإدارة مخيمات تندوف، وعدم امتثالها لتوصيات مجلس حقوق الإنسان، وهو ما قد يجرها نحو اتهامات مباشرة بدعم الإرهاب، ويضعها في مواجهة مفتوحة مع المجتمع الدولي.

وتزامن سقوط المقذوفات مع تقديم السيناتور الجمهوري الأميركي جو ويلسون، إلى جانب النائب الديمقراطي جيمي بانيتا، مشروع قانون في الكونغرس يهدف إلى تصنيف الجبهة تنظيما إرهابيا أجنبيا، مستندا إلى معطيات متزايدة حول تورطها في أعمال تهدد الأمن الإقليمي، حيث يصر جو ويلسون على وجود روابط للبوليساريو مع حزب الله وإيران، وسيتطرق في مناقشة مقترحه أمام الكونغرس إلى الهجمات التي تستهدف المصالح الأجنبية في الصحراء من قبل الحركة الانفصالية.

وكان النائب جو ويلسون قد أعلن عن مقترحه في منشور على منصة إكس، واصفا بوليساريو بأنها “ميليشيا ماركسية مدعومة من إيران وحزب الله وروسيا”، وقال إنها تمثل موطئ قدم إستراتيجي لطهران في أفريقيا وتهدد استقرار المملكة المغربية، حليف الولايات المتحدة منذ 248 عاما.

1