مشروع قانون أساسي جديد لتنظيم الهياكل الرياضية في تونس

ملاءمة المبادئ الوطنية مع المعايير الدولية وتعزيز استقلالية النوادي أبرز ملامح القانون الجديد.
الأحد 2025/06/22
تطوير الرياضة يبدأ بمراجعة قوانينها

تعمل السلطات التونسية على تعديل القانون المنظم للهياكل الرياضية الجاري به العمل منذ ثلاثين عاما، وتغييره بقانون جديد يهدف إلى ملاءمة المبادئ الوطنية للمعايير الدولية ويكرس استقلالية النوادي والجامعات الرياضية، فضلا عن إحداث نقلة نوعية في تنظيم وتسيير المرافق الرياضية بالبلاد.

تونس - طرح قصور التشريعات المتعلقة بقطاع الرياضة في تونس، بالموازاة مع تطور الأنشطة الرياضية في العالم من الناحيتين القانونية والتنظيمية، تساؤلات في الشارع الرياضي بشأن السبل الكفيلة لتنظيم الهياكل الرياضية.

ويرى متابعون للشأن الرياضي في تونس أن مشروع القانون الأساسي الجديد المنظم للهياكل الرياضية خطوة مهمة نحو تعديل ترسانة التشريعات المتعلقة بالقطاع الحيوي، في ظل العمل بالقانون القديم لأكثر من ثلاثة عقود.

وقانون الهياكل الرياضية في تونس هو القانون الأساسي عدد 11 لسنة 1995 المؤرخ في 6 فبراير 1995 والمتعلق بالهياكل الرياضية، ويهدف هذا القانون إلى تنظيم وتطوير الأنشطة الرياضية في تونس، وتحديد الهياكل المسؤولة عن هذا التنظيم، وضمان ممارسة رياضية شفافة ونزيهة.

وأشرفت رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري، الأسبوع الماضي، على مجلس وزاري بقصر الحكومة في القصبة خُصّص للنظر في مشروع قانون أساسي جديد يتعلق بالهياكل الرياضية، يهدف إلى إحداث نقلة نوعية في تنظيم وتسيير المرافق الرياضية في تونس.

 وشددت على ضرورة بلورة رؤية جديدة للقطاع الرياضي ترتكز على المبادئ الوطنية والمعايير الدولية، بما يساهم في إرساء مستقبل مختلف للرياضة التونسية، انسجاماً مع توجّهات الرئيس التونسي قيس سعيّد.

وأوضحت الزعفراني أن الرياضة لم تعد فقط أداة للتربية والصحة والاندماج الاجتماعي، بل أصبحت رافعة اقتصادية حقيقية تفتح آفاقاً جديدة أمام الشباب وتخلق فرص شغل، خاصة لحاملي الشهائد العليا، وهو ما يستدعي تجاوز الترسانة القانونية الحالية التي لم تعد تواكب متطلبات القطاع وتطوراته.

وشددت رئيسة الحكومة التونسية على أن مشروع القانون الجديد سيمثل نقطة تحول جوهرية في المشهد الرياضي الوطني، ويفتح الباب أمام تحديث باقي التشريعات ذات الصلة، بما يضمن تسييراً شفافاً وفعّالاً للهياكل الرياضية ويُكرّس مبادئ الحوكمة والنجاعة والعدالة.

أنيس بن ميم: يجب الانفتاح على الرياضة وتشجيع الاستثمار فيها
أنيس بن ميم: يجب الانفتاح على الرياضة وتشجيع الاستثمار فيها

وقدم وزير الشباب والرياضة الصادق المورالي ملامح المشروع، مشيراً إلى أنه سيُلغي ويُعوّض القانون الأساسي عدد 11 لسنة 1995 المتعلق بالهياكل الرياضية، الذي لم يعد متناسباً مع واقع الرياضة في تونس.

وقد تم العمل في هذا المشروع على عدة نقاط أبرزها ملاءمة المبادئ الوطنية مع المعايير الدولية، والاستئناس بالتجارب المقارنة في عدد من الدول، وضمان الشفافية وحوكمة التسيير، وتعزيز استقلالية ودمقرطة النوادي والجامعات الرياضية.

ويرتكز مشروع القانون الجديد على مبادئ أساسية ويتضمن مبادئ إصلاحية محورية، على غرار دمقرطة الهياكل الرياضية عبر اعتماد الانتخابات والاقتراع، وتكريس الشفافية من خلال تطوير النشر والإعلام حول التسيير، وحوكمة التسيير المالي والإداري بما يضمن نزاهة المسابقات والنتائج، وإرساء إدارة احترافية للنوادي بقطع مع الأنماط التسييرية الحالية، وابتكار طرق تمويل جديدة للهياكل الرياضية، وضمان استمرارية المرفق العام الرياضي عبر رقابة دقيقة وفعالة.

وقال أستاذ القانون الرياضي أنيس بن ميم إن “قانون الهياكل الرياضية منتظر في تونس منذ سنوات لأن القانون الحالي قديم ويتم استخدامه منذ أكثر من ثلاثة عقود، وبالتالي وجب تغيير القوانين المنظمة للرياضة في تونس حتى تتلاءم مع الواقع.”

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “هناك قوانين منظمة للهياكل الرياضية وأخرى خاصة بالاتحادات الوطنية للرياضات المختلفة من ضمنها اللوائح التأديبية والعقوبات المالية للنوادي.” ودعا أستاذ القانون الرياضي إلى “ضرورة الانفتاح أكثر على الرياضة وتشجيع مجالات الاستثمار فيها.”

ويقول خبراء في مجال القانون الرياضي إن واقع الاحتراف في كرة القدم التونسية خصوصا يستدعى عدم مواصلة العمل بقانون 1995 الذي أفرز عدة نقاط سلبية، في وقت تتطور فيه الرياضة قاريا ودوليا.

وأكد أستاذ القانون الرياضي طارق العلايمي أن “هناك قوانين تهم الدولة وأخرى تهم الجامعة وهناك إمكانية لتعديلها لأن النص متغيّر،” لافتا إلى أن “الاتحاد التونسي لكرة القدم يعدل القوانين بصفة سنوية.” وقال في تصريح لـ”العرب” إن “هناك عقوبات وخطايا مالية وأيضا عقوبة منع دخول الجماهير، وهذا ما يعكس تدرجا في إصدار العقوبات.”

ويقول أصحاب المبادرة التشريعية إن هذه الهياكل الرياضية تأخذ شكل جمعية رياضية وتتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية المالية وأهلية التقاضي، والأحكام التي تضمنها مقترح القانون ينضم كيفية التسيير وكيفية التقاضي، وسيكون هناك نقاش مع إمكانية إضافة نقاط أو التخلي عن نقاط أخرى.

وفي ما يتعلق بالفصل 14 المتعلق بمن يمكنه الترشح لرئاسة أو عضوية المكاتب التنفيذية للهياكل الرياضية، أفاد النائب بالبرلمان وعضو لجنة المالية ماهر الكتاري أن الشرط الأول هو أن يكون حاملا للجنسية التونسية باستثناء الأجانب المقيمين بتونس الذين بإمكانهم الترشح لعضوية هيئة مديرة لناد رياضي.

ويتطرق المقترح إلى الشركات الرياضية المحترفة حيث ينص على أن تأخذ صفة شركة خفية الاسم حيث أنها تخضع لرقابة خبراء محاسبين، ويتم نشر تقاريرها المالية وبالتالي تكون متاحة أمام العموم.

طارق العلايمي: هناك إمكانية لتعديل القوانين لأن النص متغيّر
طارق العلايمي: هناك إمكانية لتعديل القوانين لأن النص متغيّر

وأوضح النائب في تصريح لإذاعة محلية، أنه يمكن للشركة أن تكون مختصة في فرع رياضي وحيد أو في أكثر من فرع، والجمعية التي تتعاقد مع شركة (تتكفل باستقدام المدربين وعقود رعاية وغيرها) لا يمكنها أن تحصل على التمويل العمومي مستقبلا، بما من شأنه تخفيف التمويل العمومي.

وأبرز أن تأهيل اللاعبين المتعاقدين يكون من طرف النادي الرياضي حصريا، وهو الذي له القرار وليس المستثمر أو الشركات، والعائدات تعود موفى السنة المحاسبية بعنوان تكوين الشبان إلى النادي الرياضي وجوبا.

وفي أبريل الماضي، أكد الرئيس التونسي قيس سعيّد في لقاء بوزير الشباب والرياضة، في قصر قرطاج، على ضرورة أن يكون مشروع قانون الهياكل الرياضية متّسقا مع المرحلة التي تعيشها تونس وهي مرحلة البناء والتشييد ومرحلة الحرب ضدّ الفساد الذي نخر كلّ القطاعات.

وأوضح سعيّد وفق بلاغ لرئاسة الجمهورية أنّ القانون الحالي أنتج منظومة هجينة فلا هي هواية ولا هي احتراف واضح المعالم وقد أدّت إلى أوضاع آن الأوان أن تنتهي. وتابع ”الفرق التي تعتبر صغرى يجب أن تجد حظّها كاملا في الهياكل الرياضية،” مشددا على “ضرورة وضع حدّ للسمسرة والسوق السوداء التي تُعربد فيها شبكات المُفسدين.”

بدوره، أشار هيثم الرباعي المدير العام للرياضة بوزارة الشباب والرياضة إلى أن “الوزارة تحرص على تسريع إصدار قانون الهياكل الرياضية، بعد عرضه على المجلس الوزاري المضيق في مرحلة سابقة حيث سيساهم هذا القانون بعد صدوره في تقديم الحلول لمختلف الإشكاليات التي تعيشها الرياضة وكرة القدم التونسية من خلال التشريعات والأوامر التي ستساعد على حسن تنظيم المشهد الرياضي.”

وبيّن الرباعي أن "التشخيص الحالي لواقع الاحتراف في كرة القدم التونسية يقر بعدم إمكانية المواصلة على هذا المنوال باعتبار أن تجربة الاحتراف التي انطلقت منذ سنة 1995 أفرزت نقاطا إيجابية فيما نواجه في المقابل عديد الظواهر السلبية ولعل أبرزها الأزمات المالية التي تتخبط فيها أغلب الأندية."

17