الطبوبي يعود إلى المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص لتجاوز أزمة اتحاد الشغل التونسي

المنظمة النقابية تعبر عن استعدادها لكل السيناريوهات المحتملة أثناء المفاوضات.
الأحد 2025/06/15
مراوحة بين التفاوض والإضرابات

عاد نورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، مجددا إلى التفاوض الاجتماعي مع السلطة في تونس بشأن القطاع الخاص بعد فترات راوح فيها بين التصعيد والهدنة، أملا في استرجاع دور سياسي مفقود، والتغطية على مشاكل "المطبخ الداخلي" للمنظمة النقابية.

تونس - يلوّح الاتحاد التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) بورقة العودة إلى المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص، وهو ما يعتبره المراقبون توجها جديدا للتغطية على أزمته الداخلية وتجاوز خلافاته.

وتقول أوساط سياسية إن السلطة لم تقص اتحاد الشغل بعد إجراءات الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021، بل إن المنظمة النقابية أقصت نفسها بنفسها، فخصص “مسار 25 يوليو” مربعا خاصا لتحركات الاتحاد بالاقتصار على الدور النقابي دون التفكير في ممارسة دور سياسي دأبت قيادات المنظمة عليه بعد 2011.

وترى تلك الأوساط أن المنظمة النقابية، ومن ورائها نورالدين الطبوبي، فشلت بعد التصعيد عدة مرات ضد السلطة، في تصدير أزمتها الداخلية إلى الخارج وخصوصا نحو سلطة ما بعد 25 يوليو 2021.

وأكّد نورالدين الطبوبي انفتاح وزير الشؤون الاجتماعية ورئيس اتحاد الصناعة والتجارة على استكمال المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص والتي من المنتظر أن تستأنف الأسبوع المقبل.

نبيل الرابحي: يبدو أن اتحاد الشغل تخلص من خطاب المكابرة
نبيل الرابحي: يبدو أن اتحاد الشغل تخلص من خطاب المكابرة

وعبّر الطبوبي في كلمة لدى إشرافه على ندوة للإطارات النقابية بمقر الاتحاد الجهوي للشغل في سوسة عن استعداد الاتحاد لكل السيناريوهات المحتملة أثناء المفاوضات الاجتماعية التي تهم القطاعات الثلاثة ”كلّفهم ذلك ما كلفهم”، معتبرا أن “هذا استحقاق لاسيما في ظل تدهور المقدرة الشرائية التي باتت لا تطاق.”

ووصف الطبوبي هذه المفاوضات بالاستثنائية باعتبار تزامنها مع تسارع الأحداث خاصة الاجتماعية والاقتصادية.

وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي بأنه “بعد فشل اتحاد الشغل في تصدير أزمته الداخلية نحو الحكومة، تبيّن اليوم أنه فاتح ذراعيه وأن خطاب المكابرة والتخوين قد انتهى.”

وقال في تصريح لـ”العرب”، “ربما يريد الطبوبي طي صفحة الماضي والمضي قدما للمشاركة مع الحكومة في الإصلاحات الاجتماعية وإرساء أسس الدولة الديمقراطية الاجتماعية.”

ولفت الرابحي إلى أن “الاتحاد هو من أقصى نفسه بنفسه، وأراد التصعيد مع الحكومة في عدة فترات، لكن المهم أنه الآن تخلص من خطاب المكابرة، والصراعات الداخلية يمكن حلها بين النقابيين المنتمين إلى المنظمة.”

وتصاعدت الأزمة داخل الاتحاد العام التونسي للشغل، ووصلت إلى حد المطالبة بإقالة أمينه العام نورالدين الطبوبي، مع تحذيرات من احتمال انقسامه ما يعتبر من أكبر الأزمات التي شهدتها المنظمة العمالية الأبرز في تونس.

وفي نهاية شهر مايو الماضي فشل اجتماع الهيئة الإدارية (أعلى سلطة في الاتحاد)، الذي استمر 3 أيام بمدينة الحمامات (شرق)، في تحديد موعد للمؤتمر القادم للاتحاد.

وإثر ذلك عاودت الهيئة الإدارية الانعقاد واعتمدت مقترح عقد المؤتمر العادي للاتحاد أيام 25 و26 و27 مارس 2026 والشروع من الآن في الإعداد لذلك، وفق ما أورده موقع “الشعب نيوز” الناطق باسم الاتحاد العام التونسي للشغل.

محمد صالح الجنادي: الاتحاد استغل الضعف السياسي للحكومات السابقة
محمد صالح الجنادي: الاتحاد استغل الضعف السياسي للحكومات السابقة

وكان من المقرر عقد المؤتمر في موعده العادي عام 2027، قبل نشوب الخلافات النقابية.

وأكد الناشط السياسي محمد صالح الجنادي في تصريح لـ”العرب” أنه “يفترض أن تكون هناك مفاوضات قبل تنفيذ الإضرابات الأخيرة، وما أثار الأزمة الداخلية لاتحاد الشغل هو الإضرابات وخلق نوع من التوتر داخل المنظمة النقابية.” وأوضح أن “الاتحاد استغل الضعف السياسي لأحزاب وحكومات ما بعد 2011.”

ويرى متابعون للشأن التونسي أنه كان بالإمكان منذ البداية التخفيف من وطأة الأخطاء المرتكبة داخل اتحاد الشغل، وخصوصا أن تعترف القيادة بوجود أزمة حقيقية، مع العمل على تجاوزها بخطاب واضح المضامين.

وكثيرا ما استخدمت المنظمة النقابية ورقة الإضراب العام في إطار الضغوط الممارسة على السلطة حيث أقرت المنظمة العمالية الأبرز في تونس الإضراب العام خلال فترات عديدة وفي مواجهة مختلف الحكومات.

وسلك الصدام بين اتحاد الشغل والسلطة السياسية القائمة في بعض الأحيان منعطفا خطيرا، لكن قيس سعيد كان واضحا في موقفه الرافض لاستنساخ التجربة السابقة عندما كانت المنظمة النقابية شريكا في رسم السياسات واتخاذ القرارات، إذ يرى في ذلك مساسا بشرعية مسار 25 يوليو.

وفي الكثير من المناسبات فشل اتحاد الشغل في تجييش الشارع في المواجهة مع الرئيس سعيد، لاسيما وأن الرئيس يحظى بتأييد فئات واسعة من التونسيين الذين يحمّلون المنظمة النقابية مسؤولية بعض الأزمات التي عاشتها البلاد خلال العشرية السابقة، فيما يذهب البعض إلى حد المطالبة بوضع حد لما يصفه بـ”تغول” الاتحاد.

وحاول الاتحاد العام التونسي للشغل مرارا الظهور في صورة الطرف المستهدف من السلطة في المشهد التونسي خلال الفترة الأخيرة، بعدما تأكّد من عدم الحصول على دور “سياسي” في توجهات الرئيس قيس سعيد ومسار الخامس والعشرين من يوليو 2021.

وأصبحت الأمانة العامة للمنظمة النقابية بقيادة نورالدين الطبوبي تستغل كل الفرص السانحة لكسب تعاطف شعبي في الشارع، بهدف التقليص من وطأة إجراءات الرئيس سعيّد التي عجّلت بفقدانها صلاحيات سياسية، كانت قد منحتها لها الحكومات المتعاقبة في إطار محاصصات حزبية بعد ثورة يناير 2011.

2