مصر تواجه البناء العشوائي وفساد البلديات بسلاح الرقمنة

مراقبة المخالفات عبر الأقمار الصناعية وخرائط رقمية لتتبع حركة التشييد.
الأربعاء 2020/12/09
متابعة لصيقة لأعمال البناء

لجأت الحكومة المصرية للحلول الرقمية لمواجهة فساد البلديات، الذي تسبب في نشر فوضى البناء العشوائي داخل المدن، ووجود نقاط سكنية خطرة على تخومها، وقضى على أكثر من 400 ألف فدان من الأراضي الزراعية في دلتا النيل.

القاهرة - دشنت مصر أول مركز للبنية المعلوماتية المكانية لرصد مخالفات البناء والتعدي على الأراضي والرقعة الزراعية، ومتابعة المشروعات والاستثمارات الحكومية، باستخدام التكنولوجيا الرقمية التي تتابع حركة البناء والتشييد عبر الأقمار الصناعية.

وأدى تراكم عشوائيات البناء خلال العقود الماضية إلى دخول الحكومة في مواجهة مع المواطنين نتيجة تفشي الفساد في البلديات المحلية، وتعليق نشاط التشييد داخل المدن لنحو ستة أشهر.

وقالت هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، لـ”العرب”، إن المركز يستهدف وضع نظام تخطيط قومي متكامل، وتوجيه استثمارات الدولة وجهود التنمية إلى المناطق ذات الاحتياجات الحقيقية، فضلا عن ترشيد الإنفاق الحكومي، والحفاظ على حقوق الدولة.

ويمكن من خلال المركز الجديد توحيد المواصفات المستخدمة في إنشاء ونشر البيانات المكانية، وحماية الحقوق والامتيازات المعلوماتية المرتبطة بالأماكن، لذا يعتمد المركز على بناء وإتاحة بنية معلوماتية مكانية مُتكاملة باستخدام التقنيات المتطورة في مجال الأقمار الصناعية وتطبيقاتها، واستخدام التصوير الجوي لإنتاج خرائط الأساس الموحدة للدولة.

هالة السعيد: أول مركز للبنية المعلوماتية لنظام يحفظ حقوق الدولة
هالة السعيد: أول مركز للبنية المعلوماتية لنظام يحفظ حقوق الدولة

ويسهم المركز في إعداد خرائط رقمية قادرة على رصد المتغيرات المكانية في منظومة البناء، ومتابعة المشروعات القومية مكانيا والتحليلات القطاعية المختلفة وتوزيع الخدمات.

وتسببت فوضى العشوائيات على مدى عقود في ترهل البنية الأساسية للبلاد نتيجة التوسعات العمرانية غير المدروسة، وظهرت تداعيات المشكلة عندما ضربت عاصفة ما يسمى بـ”التنين” مصر خلال العام الماضي، وأدت إلى غرق القاهرة بالأمطار وبعض التجمعات الجديدة فيها.

ويتكون المركز الجديد من أربع وحدات مركزية، أبرزها وحدة إتاحة التصوير الفضائي باستخدام تكنولوجيا الأقمار الصناعية للجهات الحكومية المتخصصة والتي تحد من تكرار عملية الإنفاق الحكومي.

علاوة على وحدة المتغيرات المكانية التي تهتم بمتغيرات البناء بالدولة ومن خلالها يتم إصدار تقارير عن هذه المتغيرات المكانية بشكل دوري للمحافظات، لحماية الرقعة الزراعية ووقف التعدي على الأراضي، ومتابعة النمو العمراني العشوائي.

ويضم المركز وحدة مختصة بإتاحة بيانات ومعلومات موحدة ودقيقة تساعد متخذ القرار لتوجيه قرارات التنمية نحو الأماكن الأكثر احتياجا، وتعتمد الوحدة على منصة معلومات تحقق التكامل بين بيانات الجهات الحكومية مع خرائط الأساس.

وتشمل الوحدة الرابعة تحليل البيانات المكانية التي تختص بمتابعة تنفيذ المشروعات القومية، والتنسيق مع الجهات المتخصصة لتطوير تحليلات قطاعية ذات صلة بالمحاصيل الزراعية والمياه والطاقة واستغلال الموارد الطبيعية وغيرها.

وقال حسام طه، عضو غرفة التطوير العقاري، إن شركات العقارات طالبت كثيرا بتدشين مركز لرصد مخالفات البناء، فمن أهم مزاياه اتجاه الشركات إلى تسجيل العقارات، ويعزز المركز الوطني للبنية المعلوماتية القضاء على المخالفات.

وأضاف لـ”العرب” أن الفوائد التي تضاف للمركز الجديد، هي منع جرائم غسل الأموال التي تقصد قطاع العقارات، في ظل اعتماده على التعاملات النقدية بمصر.

ومن المقرر استئناف حركة البناء في المدن خلال فترة انتقالية تمتد لنحو 6 أشهر تضع خلالها وزارة الإسكان الإطار الفني والقانوني الجديد لاشتراطات البناء، متضمنا الارتفاعات ونسب البناء والتنسيق الحضاري والتصميمات المُعتمدة.

وأدى تأخر البلاد في مواجهة عشوائيات البناء إلى تصاعد فاتورة الإصلاح، حيث يتطلب تشغيل وصيانة شبكة الصرف الصحي والمياه نحو 255 مليون دولار سنويا، فيما تخصص موازنة العام المالي الحالي نحو 95 مليون دولار.

وأكد محمد سعيد رئيس شعبة البرمجيات بجمعية اتصال لتكنولوجيا المعلومات، أن لجوء مصر إلى الرقمنة لرصد مخالفات البناء خطوة تأخرت كثيرا.

محمد سعيد: سرعة فائقة للتكنولوجيا لتحديد مواقع الفساد
محمد سعيد: سرعة فائقة للتكنولوجيا لتحديد مواقع الفساد

وأوضح لـ“العرب”، أن الرقمنة ساهمت في ازدهار الرقابة بمختلف دول العالم، لأن تكنولوجيا تحديد المواقع من أهم الأدوات المستخدمة عالميا، وانتشرت بسرعة كبيرة السنوات الماضية، لقدرتها الفائقة على كشف مخالفات البناء ومحاربة الفساد.

وقامت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية بتخفيض قيمة مقابل التصالح في مخالفات البناء للنشاط السكني بالمدن الجديدة لتخفيف العبء على المواطنين، وتشجيعهم على التصالح وتحفيزهم على تقنين أوضاعهم وضبط العمران.

ووصلت نسب التخفيض لقيم مقابل التصالح في مخالفات البناء للنشاط السكني بالمدن الجديدة في شرق القاهرة لنحو 15 و20 في المئة، أما في غرب القاهرة فوصلت لنحو 15 في المئة، و20 في المئة بمدن 6 أكتوبر، وأكتوبر الجديدة، وحدائق أكتوبر، ونحو 25 في المئة بمدينة سفنكس الجديدة.

ويرسخ المركز الجديد لدولة القانون ومحاسبة الفاسدين، ويعزز تأسيسه من فاعلية الرقابة اللحظية ومواجهة التعديات التي تتم على أملاك الدولة.

وتعكف القاهرة على تطبيق منظومة جديدة يتم إطلاقها الفترة المقبلة تستهدف حصر الثروة العقارية من خلال إصدار رقم قومي لكل وحدة عقارية، بما يضمن عدم تداول وحدات أي عقار دون شهادة الرقم القومي الخاصة به، الأمر الذي يعزز من حصر الثروة العقارية بشكل دقيق.

وتتمثل أهمية هذه الخطوة في حصر الوحدات العقارية، ويمكن من خلال الرقم القومي الجديد تتبع عمليات انتقال ملكية الوحدات وحركات بيعها، وهي أحد الأساليب التي تضمن متابعة حركة التصرفات المرتبة بالثروة العقارية وتسهم في حفظ الملكيات وتأمين المواطنين من عمليات النصب والاحتيال.

وتسبب غياب الرقابة في تفاقم الأزمات، حيث فقدت مصر على مدار الأربعة عقود الماضية نحو 400 ألف فدان من أجود الأراضي الزراعية، منها 90 ألفا خلال الفترة من عام 2011 حتى العام الحالي في منطقة الدلتا ووادي النيل.

وتبني مصر آمالا كبيرة على الجهاز الجديد في الحفاظ على الرقعة الزراعية التي تآكلت وتسببت في تراجع الإنتاج الزراعي أملا في الاتجاه لسد الفجوة الغذائية قريبا.

11