أفغانستان تنظر إلى السياحة كمحرك لاقتصادها الضعيف

الترحيب بقدوم الزوار الأجانب لا يكفي دون معالجة التحديات الأمنية وتدهور البنية التحتية وغياب الاستثمار.
الاثنين 2025/06/30
سياح تايلانديون أمام ضريح كارتي ساخي في كابول

في بلد أنهكته الحروب والصراعات لعقود طويلة، تبدو فكرة السياحة كأداة تنموية طموحا مفاجئاً للكثيرين في ظل حكم طالبان، غير أن أفغانستان، ورغم التحديات الأمنية والسياسية بدأت توجه أنظارها نحو القطاع كمصدر بديل للدخل ومحرك محتمل لاقتصادها الغارق في المشكلات منذ عقود.

كابول - بدأ السياح باكتشاف أفغانستان، سواءً بالطائرة أو الدراجة النارية أو عربة التخييم، أو حتى بالدراجات الهوائية، حيث يتجه المسافرون المنفردون والمجموعات السياحية تدريجيًا إلى بلدٍ كان حتى وقتٍ قريبٍ غارقًا في الحرب.

وحكومة حركة طالبان المتشددة، التي استولت على السلطة قبل أكثر من ثلاث سنوات، ولكن لم تعترف بها أي دولة أخرى رسميًا بعد، تبدو سعيدةٌ جدًا بالترحيب بهم.

وقال نائب وزير السياحة، قدرة الله جمال، في مقابلةٍ أجرتها معه وكالة أسوشيتد برس هذا الشهر إن “الشعب الأفغاني ودودٌ ومرحّب، ويرغب في استضافة السياح من دولٍ أخرى والتفاعل معهم.”

وأضاف إن “السياحة تجلب العديد من الفوائد للبلد. لقد درسنا هذه الفوائد ونسعى إلى أن تستفيد منها أمتنا على أكمل وجه.”

قدرة الله جمال: درسنا فوائد السياحة ونسعى إلى الاستفادة منها
قدرة الله جمال: درسنا فوائد السياحة ونسعى إلى الاستفادة منها

والسياحة صناعةٌ حيويةٌ تُقدر بمليارات الدولارات للعديد من الدول، ولكن عزلة أفغانستان، والتي تُعزى في المقام الأول إلى القيود التي فرضتها طالبان على النساء والفتيات، قد تركت معظم سكانها البالغ عددهم 41 مليون نسمة غارقين في الفقر.

وفي الوقت الذي تُكافح فيه البلاد لجذب الاستثمار الأجنبي، فإن الإمكانات المربحة للسياحة لم تُفقد الحكومة بعد طموحاها في جذب الأموال.

وقال جمال “نحقق حاليًا إيرادات كبيرة من هذه الصناعة، ونأمل أن تنمو أكثر في المستقبل،” مشيرًا إلى أن الأموال التي ينفقها الزوار يمكن أن تصل إلى طبقات مجتمعية أوسع من إيرادات القطاعات الأخرى.

وأضاف “متفائلون بأن هذا القطاع سيتطور إلى اقتصاد كبير، محققًا فوائد كبيرة. إنه يلعب دورًا مهمًا في تعزيز اقتصادنا الوطني.”

ويُمكن الحصول على تأشيرات السياحة بسرعة وسهولة، وتُسيّر رحلات جوية من مراكز النقل الرئيسية مثل دبي وإسطنبول عدة مرات أسبوعيًا. حتى أن الحكومة أنشأت معهدًا تدريبيًا للرجال الباحثين عن عمل في قطاع الضيافة والسياحة.

وفي حين أن أعداد الزوار لا تزال قليلة جدًا وليست كثيرة، إلا أنها آخذة في الازدياد. وقال جمال إن “ما يقرب من 9 آلاف سائح أجنبي زاروا أفغانستان العام الماضي، بينما زارها ما يقرب من 3 آلاف شخص في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام.”

وأدت أربعة عقود من الصراع شبه المتواصل إلى إبعاد جميع المصطافين تقريبًا عن هذا البلد غير الساحلي ذي الجبال الشاهقة والوديان العميقة وآلاف السنين من التاريخ.

وأذهل استيلاء طالبان على السلطة من حكومة مدعومة من الولايات المتحدة في أغسطس 2021 العالم ودفع آلاف الأفغان إلى الفرار. ولكن مع انتهاء التمرد، انتهى إراقة الدماء الناجمة عن التفجيرات المتكررة والهجمات الانتحارية تقريبًا.

ومع ذلك، لا تزال الهجمات تحدث. فقد قتل مسلحون لجماعة تابعة لداعش تنشط في أفغانستان، ستة أشخاص، بينهم ثلاثة سياح إسبان، في هجوم في مايو 2024 في باميان.

9

آلاف سائح فقط زاروا البلاد في عام 2024، وهو رقم قليل للغاية لا يمكن أن يحقق عوائد مهمة للدولة

وتعد باميان إحدى أهم مناطق الجذب السياحي في البلاد، حيث فجّرت حركة طالبان تماثيل بوذا العملاقة التي يعود تاريخها إلى قرون مضت، والمنحوتة في المنحدرات، عام 2001.

وفي حين لا تزال الدول الغربية تنصح بعدم السفر إلى أفغانستان، فإن انخفاض العنف بعد عقدين من الوجود العسكري بقيادة الولايات المتحدة أمر لا جدال فيه، وهو ما تحرص الحكومة على الإشارة إليه.

وقال جمال “لقد مرت أفغانستان بسنوات من الحرب والمصاعب. والآن، نريد أن يأتي السياح ليشاهدوا التقاليد والعادات الحقيقية للأفغان، وأن يفهموا الحياة الأفغانية وإبداعهم وصمودهم،” مشيرًا إلى وجود “أمن شامل في جميع أنحاء أفغانستان.”

ويتساءل النقاد عن أخلاقيات الأجانب الذين يزورون أفغانستان للترفيه في حين أن حكومتها تمارس تمييزًا شديدًا ضد نصف سكان البلاد.

ويُحظر التعليم بعد المرحلة الابتدائية على الفتيات والنساء، وقليل من المهن متاح لهن. ولا يُسمح للنساء بدخول الحدائق والمتنزهات أو الصالات الرياضية.

وصالونات التجميل ممنوعة. تُملي السلطات على النساء كيفية ارتداء الملابس، وقد فرضت عليهن تغطية وجوههن في الأماكن العامة، وهو قرار لا يزال الكثيرون يتجاهلونه، لاسيما في كابول.

ويقول بعض الزوار إنهم تأملوا في الأخلاقيات، لكنهم في النهاية أرادوا أن يروا الوضع بأنفسهم. وقالت إيلاري غوميز، الفرنسية – البيروفية “بعض الأمور لم تكن تبدو سليمة من الناحية الأخلاقية.”

Thumbnail

وأكدت غوميز لأسوشيتد برس أنها وشريكها البريطاني، جيمس ليديارد، تناقشا لمدة عام تقريبًا بشأن ما إذا كانا سيقودان سيارتهما عبر أفغانستان كجزء من رحلتهما من المملكة المتحدة إلى اليابان في عربة تخييم.

لكن بمجرد وصولهم، قالوا إنهم وجدوا شعبًا ودودًا ومضيافًا ومرحبًا، ومناظر طبيعية خلابة. لم يشعروا بوجودهم بأي شكل من أشكال الدعم لطالبان. وقال ليديارد “بالسفر، تضع المال في أيدي الشعب، لا الحكومة.”

وتُعدّ معاملة النساء حساسة بشكل خاص لدى المسؤولين الحكوميين. ورفض جمال التعليق على الموضوع مكتفيًا بالقول إن الزوار من الرجال والنساء مرحب بهم. وقال “أولئك الذين يحترمون قوانيننا وتقاليدنا قد جاءوا بالفعل، ويمكنهم الاستمرار في القدوم.”

وفي حين أن معظم القيود تُطبق بصرامة على النساء الأفغانيات، إلا أنها أكثر مرونة بكثير بالنسبة للأجانب. فرغم أنه لا يزال يتعين عليهن ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، إلا أن النساء الأجنبيات أكثر عرضة للدخول إلى بعض المناطق المحظورة مثل الحدائق، ونادرًا ما يُطلب منهن تغطية وجوههن في الأماكن العامة.

ويؤكد جمال أن فتح البلاد للزوار الأجانب كان أيضًا وسيلة لبناء الجسور، فهي “وسيلة رائعة لتعزيز التفاعل بين شعوب مختلف البلدان. فهي تُسهم في بناء علاقات دولية، كما أنها مفيدة للتجارة.”

وأضاف “عندما يأتي الأجانب إلى هنا، يتعلم الأفغان الكثير منهم أيضًا. فبالإضافة إلى توسيع التجارة، تُسهم السياحة أيضًا في تعزيز التفاهم المتبادل والتبادل الثقافي، وتُعزز المواهب من خلال تعلم الناس من بعضهم البعض.”

وتابع إن رؤية المسافر الأجنبي للبلاد بأم عينيه “تُعزز التقارب، وتبني الروابط، وتعزز الثقة بين الناس.. سيحترمون ثقافة بعضهم البعض، وستتضاءل الفجوة بين الشعوب.” واستطرد “لذا، فإن هذا ليس مجرد تنمية اقتصادية، بل يُحقق أيضًا فوائد روحية وسياسية.”

10