المدن المصرية الجديدة تنعش الاستثمار في سلاسل التجزئة الأجنبية

بدأت المدن الجديدة في مصر تنعش الاستثمار في سلاسل التجزئة، حيث كشف عدد من السلاسل العالمية عن ضخ رؤوس أموال في نطاق هذه المدن التي تتميز بنسق كبير من العمران الذكي، ما يزيد أهميتها الاقتصادية ويحفز الكثير من المتاجر العالمية على افتتاح فروع بها، وهو ما يمثل رواجا متبادلا بين الجانبين.
القاهرة - باتت المدن المليونية الجديدة قبلة للعديد من سلاسل التجارة العالمية، وشجعتها على قنص المزيد من الفرص، حيث أعلنت مجموعة سبينيس عن افتتاح ثلاثة فروع لها في العاصمة الإدارية الجديدة في شرق القاهرة، ومدينة العلمين الجديدة على ساحل البحر المتوسط.
وأعلنت مجموعة ماجد الفطيم الإماراتية عن توسعات استثمارية في مدينة المنصورة الجديدة، شمال القاهرة، علاوة على خططها الواعدة في العاصمة الإدارية والعلمين أيضا، والتوسعات التي تستهدفها متاجر “كارفور” و”هايبر”.
وانضمت إلى القائمة مجموعة “لولو” الهندية، حيث أعلنت عن افتتاح أربعة مراكز تسويق لها في مصر باستثمارات تصل إلى نحو 500 مليون دولار.
وتتواكب تلك الفورة مع خطط الحكومة المصرية التي تستهدف تدشين 30 مدينة ذكية بنسق معماري يتوافق مع تكنولوجيا الجيل الرابع للمدن والذي يعتمد التكنولوجيا أسلوبا في عمليات التشييد والبناء.
ويحفز انتشار سلاسل التجزئة العالمية في مصر وضع قطاع التجارة الداخلية المترهل، والذي تبلغ مساهمته نحو 13.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ورصدت بيانات مجلس الوزراء زيادة في حجم الاستثمارات في قطاع تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 283 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية، من مستويات 530 مليون دولار إلى نحو ملياري دولار.
وأمعنت القاهرة في تحفيز المستثمرين الأجانب للدخول في هذا القطاع الحيوي عبر استنساخ التجربة الفرنسية لإصلاح منظومة تجارتها الداخلية.
ووافقت الحكومة على اتفاق ثلاثي الأطراف بينها ومجموعة “سيماريس” الفرنسية، والوكالة الفرنسية للتنمية، من أجل هيكلة منظومة التجارة الداخلية وتقديم المساعدة الفنية لتطوير أسواق الجملة في قطاع المواد الغذائية.
ولفت أشرف حسني عضو شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية للقاهرة، إلى أن انتشار سلاسل التجزئة في المدن الجديدة يُحدث رواجا في الأسواق المصرية، وتترتب عليه منافسة حقيقية مع منافذ البيع الحكومية والخاصة، إذ يكون النجاح في النهاية لمن يقدم سلعة بجودة مرتفعة وخدمة متميزة وسعر أرخص.
وأضاف لـ”العرب” أن “الاستثمار في سلاسل التجزئة بمصر من القطاعات الواعدة، فالسوق المصرية تتميز بمعدلات استهلاك مرتفعة للغاية، فضلا عن سرعة دوران رأس المال الاستثمار في هذا القطاع”.
وتظهر التحديات التي تواجه الاستثمار في سلاسل التجزئة في المناطق العمرانية الجديدة في البداية، لأن الطلب عليها لن يكون مرتفعا، نظرا لعدم تكدس تلك المدن بالسكان، وبالتالي انخفاض معدلات الشراء، إلى جانب ارتفاع تكاليف الإنشاء.
وتعتمد استراتيجية سلاسل التجارة الكبرى في المدن الجديدة على الاستثمار طويل الأجل، بما يعني التضحية أولا مقابل الحصول على ولاء ورضا الزبائن.
وتخطط القاهرة لتدشين 60 منطقة لوجستية بحلول عام 2030 الأمر الذي يجعل منها منطقة مفتوحة أمام الاستثمارات الأجنبية لاقتناص هذه الفرص.

وتسبب عدم كفاءة إدارة منظومة التجارة الداخلية بالبلاد في زيادة حلقات تداول السلع بشكل كبير، الأمر الذي يفضي في كل مرحلة إلى زيادة سعرية ويكرس لوضع احتكاري في المناطق المحرومة نتيجة عدم وصول الإمدادات اللوجستية إليها بشكل منتظم.
تعزز هذه الخطوة توجهات القاهرة الرامية إلى تأسيس أول بورصة سلعية، والتي لن ترى النور من دون وجود منظومة لوجستية متكاملة تضمن إتاحة المعلومات حول حركة السلع في الأسواق بشكل لحظي يضمن شفافية عمل بورصة السلع.
علاوة على أنها تسهم في تعزيز آليات العرض والطلب التي تضمن مستويات سعرية تعكس المستويات الحقيقية للمنتجات، وهي من النقاط المهمة التي تحفز سلاسل التجزئة الأجنبية على الاستثمار في مصر.
استعانت القاهرة مؤخرا بشركة “أجيليتي” الكويتية لإصلاح تشوهات قطاع تجارتها الداخلية، والذي تسبب في خلل آليات السوق وضمان أسعار عادلة للمنتجات نتيجة غياب منظومة فاعلة تضمن حرية تداول السلع.
وتحتاج القاهرة إلى استثمارات كبيرة في قطاع تجارة الجملة والتجزئة تزامنا مع الفورة الكبيرة في الزيادة السكانية التي تجاوزت حاجز الـ100 مليون نسمة، بخلاف 10 ملايين مصري يقيمون في الخارج.
وترمي خطط التطوير إلى وصول عدد منافذ بيع السلع التابعة لسلاسل الجملة الكبيرة إلى نحو 1895 منفذا خلال السنوات العشر المقبلة.
وأكد الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية أنه أعد دراسة وافية باحتياجات مصر من الاستثمارات والمناطق اللوجستية وقدمها إلى وزارة التموين والتجارة الداخلية، بهدف تطوير التجارة في البلاد.
واقترحت رؤية الاتحاد عمل مزايدات على مراحل، بحيث يتم طرح المناطق الجغرافية التي تريد مصر تطويرها على الشركات العالمية أسوة بما يحدث في مزايدات قطاع البترول.
وكشفت دراسات الاتحاد عن حاجة جميع محافظات مصر (27 محافظة) إلى مراكز لوجستية نتيجة إهمال هذا القطاع على مدى سنوات وحاجته للتطوير.
وتتطلب هذه الفورة مواجهة حلقات عميقة من البيروقراطية التي تواجه المستثمرين، والعمل على سرعة إنهاء عمليات التراخيص لضمان نجاح المنظومة، فضلا عن حفز الاستثمار في هذا القطاع توافقا مع التوسعات العمرانية الجديدة والتي شملت جميع محافظات مصر، بما يعني توفير بيئة مناسبة لتجارة التجزئة.
وقال عبدالله الغزالي عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، إن انتشار سلاسل التجزئة بالمدن الجديدة، خاصة من جانب المستثمرين العرب البارعين في هذا المجال، يؤكد جاذبية السوق المصرية للاستثمارات في هذا القطاع الذي سيظل قبلة للمستثمرين.
وأوضح لـ”العرب” أن “توسع تلك السلاسل وامتدادها مع الزحف العمراني سوف يُحدث رواجا في السوق المصرية من ناحية زيادة المبيعات، وكذلك نشاط حركة التصنيع في مختلف القطاعات”.
وتعي سلاسل التجزئة الأجنبية بخبراتها قيمة التضحية من أجل الاستحواذ على حصة سوقية تمكنها من تحقيق عائد استثماري سخي، لذلك تقود دائما زمام المخاطرة وتبادر إلى المناطق العمرانية الجديدة وهي واثقة من النجاح.
وتزايد إقبال المصريين على السلاسل الكبيرة لما تقدمه من أسعار تفضيلية جيدة والحوافر الكثيرة المتمثلة في العروض الحقيقية والجذابة التي تعلن عنها بشكل مستمر، وهو ما خلق نوعا من الثقة فيها.
تتسم المدن الذكية الجديدة بمستوى عال من الإنفاق بحسب الشرائح الاجتماعية التي تقطنها، ما يضمن للسلاسل طلبا دائما على منتجاتها ودورانا سريعا لرأس المال.