أزمة في مصر بسبب نظام الإفراج المسبق عن البضائع

المستوردون يفضّلون اللحظات الأخيرة والأجانب سبقوا المصريين إلى النظام.
السبت 2021/06/12
إجراءات تعطل وصول السلع

دخلت وزارة المالية المصرية في مواجهة حادة مع بعض المستثمرين بسبب تطبيق نظام الإفراج المسبق عن البضائع المستوردة من الخارج بهدف تتبعها قبل أن تصل إلى الموانئ المصرية وسرعة الإفراج عنها لتقليل زمن الإفراج الجمركي الذي يمثل عائقا أمام القاهرة في مؤشر مناخ الأعمال.

القاهرة - ينتظر معظم رجال الأعمال المصريين اللحظات الأخيرة دائما لتنفيذ الإجراءات الحكومية ويتقاذفون الاتهامات حول القرارات التي تنظم حركة الأسواق، على الرغم من أهميتها، والتي تأتي في معظم الأحوال استجابة لمطالبهم.

وكشف نظام الإفراج المسبق عن البضائع المستوردة من الخارج عمق الإشكالية وتداعياتها الاقتصادية الخطيرة عمليا. وأعلنت وزارة المالية مطلع العام الحالي عن تطبيق النظام بدءا من أول يوليو المقبل، ودعت جميع الشركات المستوردة إلى التسجيل في النظام الجديد.

ونظام الإفراج المسبق عن الشحنات يعني تقديم المستورد لمستندات استيراد السلعة قبل وصولها إلى الموانئ المصرية وإنهاء جميع الإجراءات تمهيدا للإفراج عنها فور وصولها إلى الميناء.

محمد عبدالمحسن: النظام الجديد يُلحق ضررا بالغا بجميع المصانع المصرية
محمد عبدالمحسن: النظام الجديد يُلحق ضررا بالغا بجميع المصانع المصرية

وتُلزم المنظومة الجديدة المستوردين والمستخلصين في الجمارك بتبادل بيانات ومستندات الشحنات إلكترونيا والحصول على موافقة مسبقة قبل الشحن، مع قيام النظام الجمركي بمنح الموافقة خلال مدة لا تتجاوز الـ48 ساعة من وقت تقديم الطلب، بحيث تتم حماية الحدود المصرية من أي مواد خطرة مهربة.

ورغم الإشادة التي تلقاها وزير المالية المصري محمد معيط فور إعلانه عن تفاصيل المنظومة قبل ستة أشهر، إلا أن منظمات الأعمال بدأت تطالبه بالتريث في تفعيل النظام الجديد بحجة أنها لم تستعد لمتطلباته.

وأعلن معيط في منتصف فبرير الماضي عن بدء التشغيل التجريبي للنظام مطلع أبريل، تمهيدا للتشغيل الإلزامي له في الأول من يوليو، لكن لم يلتفت المستوردون المصريون جيدا للوقت، بينما حرص المستثمرون الأجانب على التسجيل في النظام الجديد والتجاوب معه.

وكشفت بيانات وزارة المالية أن نحو 4400 مصدر أجنبي سجلوا على المنصة الدولية المؤمنة لتبادل البيانات التي تعمل بتقنية سلاسل الإمداد الشهر الماضي، وفقا للضوابط والإجراءات التي يقرها النظام الجديد، مقابل 250 شركة مصرية، وزاد هذا العدد الأسبوع الماضي إلى نحو 400 شركة.

وتعكس الفجوة الكبيرة بين عدد الشركات المصرية والأجنبية التي التزمت بضوابط النظام الجديد حرص المستثمرين الأجانب على العمل في السوق المصرية، وأهمية منظومة الإفراج المسبق في تقليل زمن الإفراج الجمركي لدرجة تصل إلى خروج البضائع من الميناء إلى مخازن الشركات فور وصولها الموانئ المصرية.

وكشف تقرير التنافسية العالمية الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي التابع للبنك الدولي عن ترتيب متأخر لمصر في مؤشر الانفتاح التجاري، وسجلت المركز 137 من إجمالي 141 دولة في القائمة التي أعدها المنتدى.

وتشمل مؤشرات المنتدى التعريفات التجارية، حيث جاءت مصر في المركز 136 في ذات القائمة، فيما أشار التقرير إلى أن هونغ كونغ هي الأفضل عالميا في نظم التعريفات الجمركية.

وأكد التقرير وجود تحسن نسبي لمصر في مجال الشحن الجوي، وهو ما منحها المركز التاسع عشر ضمن القائمة، وحصلت على نحو 70.3 من مئة درجة، وهي نسبة متقدمة ولا تتناسب مع مستوى التراجع في المؤشرات الخاصة بالنظم الجمركية.

ودشنت وزارة المالية منصة إلكترونية عبر شبكة الإنترنت تحمل اسم “نافذة” عبرها يدشن المستورد حسابا له يحمل البيانات الخاصة به وشركته ثم ترقية الحساب في مرحلة لاحقة بعد حصوله على متطلبات التوقيع الإلكتروني لتفعيل العمل بالنظام وتسجيل بيانات البضائع المستوردة ومنشئها قبل دخولها الموانئ المصرية بنحو 48 ساعة.

Thumbnail

وطالب محمد عبدالمحسن رئيس لجنة الاستيراد والجمارك في جمعية رجال أعمال الإسكندرية، بضرورة تأجيل تطبيق نظام التسجيل المسبق للشحنات حتى يوليو من العام المقبل.

وأوضح لـ”العرب” أن عدد المسجلين على منصة التسجيل الإلكتروني لنظام التسجيل المسبق أقل من واحد في المئة من المتعاملين مع الجمارك، ما يعطل البضائع التي تصل مصر الشهر المقبل، ومن ثم توقف 99 في المئة من التجارة الدولية للبلاد.

وأضاف أن النظام الجديد يُلحق ضررا بالغا بجميع المصانع المصرية، فضلا عن أنه لم يجذب الأجانب حتى الآن، إذ سجل نحو 4 آلاف مصدر أجنبي على المنصة الدولية المؤمنة لتبادل البيانات التي تعمل بتقنية سلاسل “الإمداد”، في الوقت الذي تستورد مصر خامتها من 180 دولة، بما يعادل 30 ألف مورد ومُصنع تقريبا.

ورغم تحذيرات عبدالمحسن، إلا أن هناك إقبالا من الشركات الأجنبية يفوق عدد المستوردين المصريين، الأمر الذي لا يعفي هؤلاء من عدم تقبل فكرة التغيير بسهولة، مع أنها تحل شكواهم المتكررة من تأخر عمليات الإفراج الجمركي وتحملهم غرامات ومصروفات تخزين بالموانئ.

محمد المهندس: نحتاج فترة لاختبار النظام وإزالة التعارض مع الممارسات الجمركية
محمد المهندس: نحتاج فترة لاختبار النظام وإزالة التعارض مع الممارسات الجمركية

وكشفت الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات أن الموانئ المصرية استقبلت العام الماضي نحو 116.8 ألف رسالة من الواردات الصناعية ونحو 50.4 ألف رسالة بغرض المتاجرة.

وتستهدف موازنة مصر للعام المالي 2021-2022 حصيلة جمركية بنحو 2.7 مليار دولار، فيما يعزز النظام الجديد من زيادة هذه الحصيلة بوصفة يقضي على ظاهرة تهريب السلع بالموانئ والتي كانت تتم وفقا لنظم الإفراج التقليدية.

وبحسب نظام الإفراج المسبق لن يسمح بدخول البضائع للموانئ المصرية، إلا إذا كان مٌبلغ عنها مسبقا.

ولا تزال مخاوف تأخر تسجيل المستوردين المصريين في النظام الجديد تلوح في الأفق، حيث يتبقى فقط ثلاثة أسابيع على المدة، وبعدها لن يسمح بدخول بضائع دون تسجيل مسبق، ما يهدد تعامل القاهرة مع التجارة الدولية، لأن آلية الإمداد بالسلع والخامات مهددة بعدم الانتظام.

وكشف محمد المهندس رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات المصرية أهمية تأجيل العمل بالنظام الجديد عدة أشهر، وذلك للتنسيق مع الموردين بالخارج، وشرح طبيعة عمل النظام ومتطلباته وتكاليفه، لاسيما أنه لم تنجح أي شركة في استكمال الإفراج بالنظام الجديد، رغم انقضاء ثلثي الفترة التجريبية، وبالتالي لم يتم القضاء على طول فترة الإفراج الجمركي.

وأشار لـ”العرب” إلى أهمية إتاحة المزيد من الوقت لاستكمال الربط والتنسيق بين منصات “نافذة” و”كارجو إكس”، وهما مخصصتان لتفعيل النظام الجديد، فضلاً عن ضرورة إزالة التعارض بين متطلبات النظام والواقع العملي للممارسات الجمركية.

ورغم إصرار وزارة المالية على تطبيق النظام الذي يحقق حلم تحسن مؤشرات مصر في نظم الإفراج الجمركي دوليا، غير أن الأمر يستلزم ندوات تعريفية مكثفة بالنظام الجديد لطمأنه المستوردين والمصانع التي تستورد مستلزمات إنتاجها.

وتحتاج الفترة المقبلة رقابة شديدة على الأسواق كي لا يستغل التجار تلك الخطوة في رفع الأسعار بدعوى قيود الاستيراد، والتي تضع الحكومة في اختبار جديد وإجبارها على خوض مواجهة حاسمة لمنع حدوث ممارسات احتكارية تضع المستهلكين في مرمى المستوردين.

11