تونس تلتحق أخيرا بموجة التمويلات الخضراء

السلطات التونسية تبدو مصرة على التحول سريعا إلى استخدام الطاقات المتجددة عبر تسهيل التمويل أمام الشركات المحلية لبناء مشروعات الطاقة الشمسية أو الرياح.
الأربعاء 2019/09/18
رحلة منسجمة مع البيئة

استقبلت الشكوك خطط تونس الرامية إلى تنشيط سوق تداول السندات الخضراء بهدف تشجيع الشركات التي تتّبع نُظما من شأنها الحفاظ على البيئة، للحصول على تمويلات من خلال سوق المال، حيث يؤكد خبراء أن هذا الاتجاه قد تكون له تداعيات سلبية على اقتصاد البلاد الهش أصلا.

تونس- تسعى السلطات التونسية إلى تنشيط سوق السندات باعتباره أحد البدائل التمويلية المهمّة أمام الشركات، من خلال إدراج أنواع جديدة لهذه الآلية، التي يقتصر دورها في السوق المحلية على سندات الخزانة العامة.

ومع زيادة زخم السندات الخضراء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بدأت تونس تفكر جدّيا على ما يبدو في وضع أسس لهذه الآلية التمويلية والتي يتصاعد التداول عليها في مختلف الأسواق العالمية للشركات، التي تحافظ على البيئة.

وفي تجسيد لذلك، تحتضن تونس الجمعة المقبل أول اجتماع في هذا الشأن يضم خبراء ومحللين واقتصاديين تونسيين ووفدا من البنك الدولي لبحث كيفية إدراج هذا النوع من التمويلات في السوق المحلية.

وقالت هيئة السوق المالية التونسية في بيان أمس، تلقت “العرب” نسخة منه، إن “الورشة ستتبادل الأفكار بشأن إعداد دليل لإصدار السندات الخضراء في تونس خاصة وأن هذه السندات باتت أداة تمويل عالمية منذ عشر سنوات”.

وأشارت إلى أن المناقشات حول الموضوع ستكون بالشراكة مع خبراء من البنك الدولي ووفد يمثل الحكومة الكندية وآخر يمثل أكزيم بنك المجري.

ويبدو أن تونس، ورغم اقتصادها الضعيف، مصرة على التحول سريعا إلى استخدام الطاقات المتجددة عبر تسهيل التمويل أمام الشركات المحلية لبناء مشروعات الطاقة الشمسية أو الرياح.

أنيس القاسمي: بورصة تونس ليست جاهزة فنيا لتداول السندات الخضراء
أنيس القاسمي: بورصة تونس ليست جاهزة فنيا لتداول السندات الخضراء

لكن البعض من المتابعين يرون أنه لا يزال من المبكر الجزم بنجاح هذا التمويل نظرا لوضعية اقتصاد البلاد، الذي لا يزال لم يخرج من عنق زجاجة الأزمة حتى الآن.

وقال الخبير الاقتصادي أنيس القاسمي في تصريحات لـ”العرب” إن “سوق الأوراق المالية ليست جاهزة تماما من الناحية الفنية لتداول السندات الخضراء، باعتبارها ورقة مالية جديدة قد لا تجذب شرائح أخرى من المتعاملين”.

وأوضح أن الدخول في هذه المغامرة يحتاج إلى تأسيس أرضية صلبة لسوق المال من خلال إنشاء سوق ثانوية بالبورصة لتشجيع الشركات على التعامل بهذا النوع من التمويل. وكان جلول عياد وزير المالية السابق قد انتقد في وقت سابق البورصة التونسية لأنها لم تقم بإصلاحات هيكلية حتى تستطيع جذب استثمارات جديدة.

ووفق البيانات لا يتجاوز رأس مال البورصة حاليا 22 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 70 بالمئة لبورصة الدار البيضاء. وحتى الآن، تكتفي سوق الأوراق المالية بقبول إدراج البعض من شركات القطاع العام الناجحة لتعزيز وضعية البورصة.

وأكد عياد أيضا أن “هذا النوع من الاستثمار يحتاج إلى تمويل متوسط وطويل الأمد، وهو ما يتطلب وجود سوق لرؤوس الأموال، بما في ذلك سوق السندات”. وقال “وحتى تكون تونس قادرة على تطوير سوق السندات لا بد من إنشاء سوق ثانوية لسندات الخزينة”.

وأصبح سوق السندات الخضراء أحد الحلول العملية المهمة لمواجهة المشكلات البيئة، والتي وضعت المستثمرين وخبراء التنمية وصناع السياسات والعلماء، أمام هدف مشترك وطريقة فعالة للعمل معا، وإن اختلفت الغايات.

وأطلق مصطلح السندات الخضراء للمرة الأولى إبان الأزمة العالمية الدولية في 2008 على إصدارات السندات التي ترتبط بالاستثمارات الصديقة للبيئة. ويعتبر البنك الدولي أول مؤسسة مالية في العالم تصدر هذا النوع من التمويل، لتؤسس لطريقة مبتكرة في ذلك الوقت لربط خطوط التمويل مع المستثمرين لإطلاق مشاريع صديقة للبيئة.

وتشير التقديرات إلى أن البنك الدولي جمع خلال العقد الماضي، حوالي 13 مليار دولار عبر ما يقارب 150 سندا أخضر بعشرين عملة مختلفة لمستثمرين وصناديق استثمار حول العالم.

الدخول في هذه المغامرة يحتاج إلى تأسيس أرضية صلبة لسوق المال من خلال إنشاء سوق ثانوية بالبورصة لتشجيع الشركات على التعامل بهذا النوع من التمويل

وهناك تجارب عربية ناجحة في هذا المضمار ولعل تداول السندات الخضراء في أسواق الإمارات والمغرب ومصر أكبر دليل على جدوى هذا الاتجاه كونه يأتي في سياق توجه عالمي. ولذلك وجدت الحكومة نفسها مجبرة على تحفيز قطاع الطاقة البديلة من خلال اعتماد التمويل الأخضر للضغط على تكاليف إنتاج الكهرباء وما يسببه من خلل في التوازنات المالية.

ودخلت تونس الشهر الماضي مرحلة توليد الطاقة الشمسية بتدشين أولى مراحل تشغيل محطة توزر للطاقة الشمسية في تحول نوعي في سياسات الدولة، الساعية لتسريع وتيرة برامج الطاقة النظيفة لتقليص فاتورة دعم الطاقة التي تلتهم ثلث موازنة الدولة سنويا.

وكانت تونس قد أعلنت خلال السنوات الثلاث الأخيرة عن حزمة مشاريع صديقة للبيئة وشجعت المستثمرين على الدخول في هذا المجال ومعاضدة جهودها لإنجاح برنامجها. ووفق البيانات الرسمية، فإن حجم الإنتاج من الطاقة البديلة في تونس لا يزيد حاليا عن نحو 4 بالمئة من حاجيات البلاد، أي ما يعادل 148 ميغاواط فقط.

وتستهدف تونس إنتاج قرابة 16 غيغاواط من الطاقة البديلة لمواجهة النقص المتوقع في الكهرباء باستثمارات تقدر بنحو 7 مليارات دولار، مما سيمكن الدولة من توفير قرابة 13 مليار دولار من قيمة الفاتورة الاستهلاكية الإجمالية للبلاد.

10