تحريم عمليات التجميل على المتزوجات يثير قلق المصريات

أصبحت عمليات التجميل ضرورية بالنسبة إلى معظم النساء لمجاراة نسق المجتمع العصري الذي يعطي أهمية كبيرة للمظهر الخارجي، غير أن تحريم دار الإفتاء المصرية لعمليات التجميل على المتزوجات يحيطهن بحواجز المحظورات الدينية التي ترسخ الانطباعات السلبية عن سلوك من يقمن بعمليات التجميل وأخلاقهن، وتختصرهن في أجسادهن لا في كيانهن الإنساني.
استقبلت شيماء عيسى، وهي زوجة مصرية في العقد الثالث من عمرها، الفتوى الصادرة عن دار الإفتاء قبل أيام بتحريم عمليات التجميل للمتزوجات بامتعاض وريبة وتذمر، لأن دخول رأي الدين في تحديد الإطار الخاص بأجساد النساء يحمل انتهاكا للخصوصية واعتداء صارخا على حقها في الجمال والتزين لشريك حياتها لتبدو في أبهى صورة مهما تقدمت في السن.
ما أثار غضب الزوجة التي اعتادت الذهاب على فترات متباعدة إلى عيادات التجميل، أن زوجها يميل إلى تقديس الالتزام بالفتاوى الصادرة عن المؤسسة الدينية، وفوجئت في نفس وقت صدور الفتوى بأنه يطلعها على نصها، ويطالبها بعدم التردد مرة أخرى على المراكز الطبية المعنية بتقويم الجسد.
صحيح أن شيماء زوجة محجبة وملتزمة بالمفهوم الشعبي، لكنها طوال حياتها تتعامل مع جسدها بعيدا عن الرضوخ للفتاوى الدينية التي تتحكم في مقاييس جمالها، لكن المعضلة في شريك حياتها الذي يتعامل مع الفتوى الرسمية باعتبارها مقدسة، وتخشى الذهاب سرا إلى عيادات التجميل كالعادة ويعرف بأي طريقة وتصل العلاقة الزوجية معه إلى طريق مسدود باعتبارها عاصية.
جاء في نص الفتوى التي أصدرها أحمد ممدوح الأمين العام لدار الإفتاء المصرية “يجوز التجميل لعلاج العيوب الخلقية فقط، أما المرأة التي ترغب في إجراء عمليات تجميل في العموم، مثل تكبير الصدر أو غيرها من الجراحات حتى لو كان بطلب الزوج فهذا محرم، لأنه كشف عن العورة، حيث ترغب في تكبير صدرها لتبدو أجمل وأكثر إثارة”.
وقالت الزوجة لـ”العرب” إن الفتاوى الدينية الخاصة بأجساد النساء، والمتزوجات بصفة خاصة، لم يدرك أصحابها بعد أن التجميل صار ضرورة للمرأة العصرية، ليس بغرض التغيير أو الإثارة، بل لتكون أكثر راحة نفسيا في علاقتها الزوجية وإرضاء شريك حياتها.
تقديس الفتاوى
يعكس موقف شريك حياة هذه الزوجة أن نجاح الفتاوى في تغيير قناعات الأزواج تجاه عمليات التجميل للزوجات يرتبط بالمساحة التي يمنحونها لرأي الدين في تحديد مسار حياتهم الشخصية، فكلما كان الزوج عقلانيا ومنفتحا لن يبالي بتدخل رجال الفتوى في علاقته بشريكة الحياة، والعكس مع الشريحة التي تقدس الفتاوى دون تفكير.
الكثير من الأزواج المصريين يستسهلون اللجوء إلى المؤسسة الدينية لأخذ رأيها في حياتهم الأسرية لتجنب الوقوع في المحرمات
معروف أن العنف النفسي والمعنوي ضد النساء والمتزوجات منهن تحديدا بسبب الفتاوى التي تنطوي على أبعاد جنسية، يكون مضاعفا كلما ارتفعت معدلات الأمية، لأن التعامل مع الفتوى بعقلانية يرتبط بمستوى تعليم أرباب الأسر وتحضرهم، وهي ميزة تفتقر لها شريحة مهمة في المجتمع المصري لارتفاع معدل الأمية.
وتتمثل مشكلة الكثير من الأزواج المصريين في أنهم يستسهلون اللجوء إلى المؤسسة الدينية لأخذ رأيها في رسم حياتهم الأسرية وتجنب الوقوع في ما يوصف بـ”الشبهات” أو “المحرمات” حتى لو كان الاستفسار على صلة بأمور بديهية يفترض أن يمارسها شركاء العلاقة بكل أريحية وفق ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، لكن فتح المجال للفتوى المرتبطة بالجنس والجسد والجمال ضاعف من تدخلات الفتاوى.
واعتادت جهات الفتوى نفسها أن ترد على تساؤلات الأزواج علانية من دون مراعاة لخصوصية حياة المستفتي، ويفرض الرأي الديني نفسه على الجميع والالتزام بنصه دون نقاش أو جدال، ما يوسع دائرة الرضوخ لمثل هذه الفتاوى ولو كانت سببا في تعكير صور العلاقة الأسرية واستخدام البعض لها ذريعة للوصاية على الشريك.
الهوس الجنسي

ويرى معارضون لمثل هذه النوعية من الفتاوى أنها تعكس حالة الهوس الجنسي عند بعض رجال الدين الذين يركزون على جسد المرأة واختزالها في وعاء جنسي دون النظر في أبعاد وتداعيات آرائهم على حياتها الخاصة، الزوجية والعائلية، باعتبار أن المجتمع يتعامل مع الآراء الدينية كفتاوى واجبة النفاذ ولو كانت شاذة وغريبة.
وأقرب مثال على ذلك أن صاحب فتوى تحريم عمليات التجميل بداعي أنها قد تكون مدخلا لتصبح الزوجة مثيرة وأكثر جمالا، لا يدرك أن المرأة يفترض وفق تعاليم الإسلام أن تظهر في أبهى صورة أمام زوجها، باعتبار أن ذلك يزيد المحبة والمشاعر الحميمة بين الطرفين، ويجعل كليهما يشعر بالاكتفاء من الجمال.
كما أن وصول المرأة إلى قمة جمالها وإثارتها أمام زوجها ليس من المحرمات، وفق آراء بعض رجال الدين المعتدلين، لأنها بذلك تبحث عن إرضائه وجذب انتباهه، وتشعر بالراحة النفسية عندما تكون جميلة، وتكتسب المزيد من الثقة بالنفس، ويترتب على ذلك تحسن في علاقتها بشريك حياتها، وتتوقف نغمة مقارنتها بنساء أخريات أكثر جمالا وأناقة.
وتعيش الكثير من الزوجات الأزمة نفسها، وهي أن شركاء حياتهن قد يقارنوهن بملكات الجمال ونجمات الفن ومذيعات البرامج وغيرهن، ما يجعل المرأة تشعر بالحرج وتكون ناقمة على مظهرها، وتضطر إلى إجراء جراحات تجميل أو محاولة تقويم جسدها وفق القدرات المالية المتاحة لتنال رضاء الزوج ويكف عن السخرية منها، وهنا تكون المعضلة في الرجل المتدين الذي تأسره هذه النوعية من الفتاوى.
وأكدت هالة منصور الأكاديمية والباحثة في العلاقات الاجتماعية والعائلية أن معضلة الزوجات الباحثات عن المزيد من الجمال سوف تكون مع الرجال المهووسين بفكرة الحلال والحرام، والمشكلة الأكبر عند الشرائح التي تربت على التقاليد، فكلما حاولت التحرر النسبي من الرأي الديني تضعف أمام أي فتوى لها علاقة بالكيان الأسري.
وأضافت لـ”العرب” أن التحريم المطلق لعمليات التجميل قد يتسبب في أزمات عائلية المجتمع في غنى عنها، ويجب أن تكون الإجابة على الاستفسارات الخاصة بطلب رأي الدين في مسائل بعينها بالتواصل مع المستفتي ومعرفة ظروفه وحياته وخصوصيات علاقته مع شريك الحياة كي لا يتم تعميم الفتوى على أسر لها سلوكيات وطباع مختلفة لكنها متدينة.
وتذهب بعض الآراء إلى أن فتوى تحريم عمليات التجميل صارت منقذة لبعض الزوجات اللاتي يذهبن إلى عيادات تقويم الجسد وهن مجبرات على ذلك تلبية لرغبة أزواجهن، وأصبح بإمكانهن التحجج بأن هذا السلوك محرم من المؤسسة الدينية، لكن العبرة في مدى قناعة الرجل بهذه الفتوى من عدمه قد يعتبرها تدخلا في حياته الشخصية ولا يعيرها اهتماما.
وبغض النظر عن سلبية أو إيجابية التحريض الديني ضد إقدام الزوجات على جراحات التجميل تظل المرأة المتضررة الوحيدة من هذا الرأي، ويطاردها شبح الزوجة الثانية، ودائما ما تخضع لتهديدات إذا لم تمتثل لرغبة الزوج في تحسين شكلها، وتعيش في صراع مع النفس، وهل ترضي زوجها وتغضب الله كما جاء بالفتوى، أم تتمرد على التجميل عموما؟
بعيدا عن الصراع النفسي لبعض الزوجات، صار حتميا على علماء المؤسسة الدينية أن يقتنعوا بأن المرأة التي تقدم على زيادة جمالها وإثارتها ولو بإجراء عملية لتكبير الصدر لتكون أكثر جاذبية ليست دائما زوجة منحرفة يستهويها الإغراء وإعجاب الناس بجسدها بقدر ما تكون أكثر التزاما وتدينا من بعض الشيوخ وتريد فقط إرضاء شريكها ولو على حساب نفسها.