منح الأمهات حق تسمية أبنائهن يضع حدا لسطوة الرجال

يرسخ الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا بالإسكندرية، شمال القاهرة، والقاضي بأحقية الأمهات في تسمية أبنائهن، المزيد من الحقوق لصالح المرأة المصرية، كما يضع حدا لسياسة الإذلال التي تعامل بها الأم في حال رفض زوجها تسمية ولده. وسيصبح بإمكان الأم بموجب هذا الحكم إصدار شهادة ميلاد ابنها دون شرط حضور الأب طالما بإمكانها الاستظهار بعقد الزواج الرسمي.
قبل ثلاث سنوات، تزوجت المصرية أسماء (ع) بطريقة تقليدية، ولم تمر أسابيع قليلة حتى صارت خلافاتها مع زوجها عادة شبه يومية لغياب التفاهم بين الطرفين، وتصاعدت وتيرة الصدام عقب إنجاب طفلها الأول لعدم قدرة الزوج على توفير الحد الأدنى من النفقات اليومية.
تدخل الأهل والأقارب بين الزوجين لتجنب وصول العلاقة حد الانفصال إلى أن حملت مرة ثانية بعد عام واحد من إنجاب طفلها الأول، وبدأ الزوج في افتعال أزمات كثيرة بدعوى عدم قدرته على الإنفاق حتى أعادها إلى أهلها واعدا إياها بهجرها.
اصطدمت الزوجة يوم ولادة ابنها الثاني برفض الأب الحضور معها إلى المستشفى وأبلغ والدها بأنه لن يقوم بتسمية الولد حتى تتنازل عن كامل مستحقاتها، وقال إنه حسم أمره بالطلاق، وعندما ذهبت الأم لاستخراج شهادة الميلاد قوبل طلبها بالرفض، لعدم حضور الأب شخصيا.
وقالت أسماء لـ“العرب” إنها فوجئت بحرمان الأم من تسمية ابنها أو استخراج شهادة ميلاد له دون وجود الأب أو أقاربه من الدرجة الأولى والثانية، حتى لو كان بحوزتها عقد الزواج، ورغم تدخل الأهل في الأزمة قرر الزوج الإمعان في إذلالها وأسرتها لأيام، ووافق بعد إملاء شروطه.
جاء الحكم التاريخي الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا بالإسكندرية شمال القاهرة، قبل أيام، ليضع حدا لإذلال السيدات بعدما قضت بأحقية الأمهات في تسمية أبنائهن، وقال القاضي “إن الخلافات الزوجية أثناء الحمل لا تسلب الزوجة حقها في إصدار شهادة ميلاد ابنها دون شرط حضور الأب طالما تقدم عقد الزواج الرسمي”.

انتصار السعيد: حكم القضاء ينتصر للأطفال ولا يجعلهم الحلقة الأضعف
كانت الأم التي تحركت في مسار مقاضاة زوجها أكثر شجاعة من عشرات الآلاف من الزوجات اللاتي اعتدن الرضوخ لشروط وإملاءات الأزواج نظير موافقتهم على استخراج شهادات ميلاد الأبناء خلال فترة الخلافات الزوجية بعدما ساومها زوجها على تنازلها عن كامل مستحقاتها، من النفقة والحضانة وسكن الزوجية، مقابل تسمية ابنها.
وأصبح حكم القضاء واجب النفاذ، ولا يحكم لأي جهة حكومية الطعن عليه أو التنصل من تنفيذه، ما يعني أن المحكمة الإدارية أقرت قاعدة قانونية ومظلة تشريعية تحتمي بها أغلب النساء اللاتي لا يستطعن استخراج شهادات ميلاد الأبناء حال رفض الآباء ذلك بدعوى أنهم الأحق وفق القانون، بتسمية الطفل.
وأشارت المحكمة إلى أن استخراج شهادة ميلاد الطفل ليست حكرا على والده إذا كان حاضرا، بل تشاركه الأم شريطة إثبات العلاقة الزوجية، ولا يصح إهانة الزوجة من زوجها وأهله أو مساومتها لحصول ابنها على الحد الأدنى من حقوقه، بأن يكون له اسم يميزه وأوراق ثبوتية تحفظ له مكانته وتضمن مستحقاته.
وفق إحصائيات محاكم الأسرة، فإن هناك ما يقرب من 17 ألف حالة إثبات نسب يتم النظر فيها في مصر أقامتها أمهات يطالبن فيها باستخراج شهادات ميلاد لأولادهن، حيث أنجبن وقت الخلافات الزوجية ورفض أزواجهن الذهاب للجهات الصحية المسؤولة عن وثائق الميلاد لتسمية الأبناء، كنوع من الضغط على الأمهات وتركيعهن للتنازل عن المستحقات.
ويسقط قيد الطفل في السجلات الرسمية بعد مرور أربعة عشر يوما من تاريخ ولادته، وإن لم يتدارك الأب هذا التأخير ويرفض تسميته تكون الأم مضطرة لرفع دعوى إثبات نسب أمام القضاء، والمعضلة أن صدور الأحكام يأخذ وقتا طويلا، بما يحرم الطفل من تلقي اللقاحات المطلوبة خلال الأشهر الأولى ويسقط حقه في أن تكون له أوراق رسمية.
وأخفقت مريم (م)، على مدار ستة أشهر، في استخراج شهادة ميلاد ابنها الذي أنجبته وهي في بيت أسرتها بعد قيام زوجها بضربها وإهانتها بشكل مستمر، ولجأت إلى أصدقائه للضغط عليه ليقبل تسمية طفلها، لكنه في كل مرة يرسل لها عبر الوسطاء، بأنه سوف يذهب لمكتب الصحة لاستخراج شهادة الميلاد عندما تحصل على ميراثها من والدها.
وأكدت الأم لـ“العرب” أنها لا تجرؤ على مطالبة أبيها بميراثها منه وهو على قيد الحياة لمجرد إرضاء زوجها، لأنه بذلك قد تخسر أسرتها مدى الحياة، في حين أن حياتها الزوجية مهددة في أي وقت بالانهيار، وحينها تخسر كل شيء، لافتة إلى أن طفلها ما زال بلا أوراق ثبوتية، لذلك يحصل على اللقاحات المطلوبة من إحدى العيادات الخاصة بمبالغ كبيرة.
ويرى مؤيدون لحق الأم في تسمية ابنها وإثباته في السجلات الرسمية للحكومة أن احتكار الأب وأهله لاستخراج شهادة ميلاد الطفل كان أكبر ورقة ضغط على الزوجة، بأن يتم مساومتها بولدها لتستجيب لكل الشروط التي تُملى عليها، وقد تخسر كل شيء، وتتنازل وترضخ لمطالب تعجيزية حفاظا على حقوق الابن خلال السنوات الأولى من الطفولة.
استمرار وجود أبناء دون شهادات ميلاد بسبب الخلافات لا يصح، لتناقض ذلك مع المواثيق الدولية التي تحفظ حقوق الأطفال
يعتقد هؤلاء أن الحكم التاريخي بأحقية الأمهات في تسمية أولادهن، ما زال يصطدم بجملة من العراقيل بينها إمكانية استمرار تعنت الجهات المسؤولة عن استخراج شهادات الميلاد بدعوى أنه لم تصلها تعليمات رسمية تلزمها بالتعامل مع الزوجة في حال غياب الأب، لأن المحكمة ليس من دورها مخاطبة المؤسسات الصحية بمضمون الحكم.
المعضلة الثانية، ترتبط بتراجع منسوب الوعي لدى السيدات في المناطق الشعبية والريفية والنائية في مصر، وغالبا لا تعرف الأمهات ولا عائلاتهن أن هناك حكما ينتصر لهن ويمنحهن الحق في استخراج شهادات ميلاد الأبناء دون حضور الأب، في ظل سيطرة الروتين على عمل بعض الجهات الحكومية واستمرارها في العمل وفقا للتعليمات السابقة.
ويتحجج الكثير من مسؤولي مكاتب الصحة بأن حرمان الأم من حق تسمية الابن وتوثيقه في السجلات الرسمية له مبرراته، فقد يكون الطفل من أب آخر، وجاء بعلاقة غير شرعية ويتم إلصاقه في الزوج المكتوب اسمه بعقد الزواج، وهو اتهام مسبق بتعميم الخيانة على كل الأمهات بشكل يكرس النظرة الدونية للمرأة ويجعلها متهمة في نظر المجتمع طوال الوقت.
وقالت انتصار السعيد الباحثة في القضايا الأسرية، مديرة المركز المصري لحقوق المرأة، إن تسمية الأم لابنها بعد سنوات طويلة من التمييز والعنصرية ضدها، ينهي عقودا من محاولة الرجل تركيع الزوجة ومساومتها على أمومتها لتكون ضعيفة ومنكسرة ومطيعة حتى لو كانت تعيش حياة أسرية يصعب على أي امرأة تحملها.
وأضافت لـ”العرب” أن حكم القضاء ينتصر للأطفال ولا يجعلهم الحلقة الأضعف في صراع الأزواج والرجل الذي يرفض انتساب الابن له بإمكانه رفع دعوى إنكار نسب، لا أن تجاهد الأم في المحاكم لتثبت النسب ولا يصح استمرار وجود أبناء دون شهادات ميلاد بسبب الخلافات لتناقض ذلك مع المواثيق الدولية التي تحفظ حقوق الأطفال.