موضة الفتاة الفوضوية.. تمرد أنيق يجتاح الشوارع

الشعر الأشعث والكحل الملطخ والقميص المجعد عنوان تحرر من القواعد الاجتماعية السائدة.
الاثنين 2025/06/30
طابع بوهيمي

على عكس صورة الفتاة النظيفة التي طغت في السنوات الأخيرة ببشرتها المثالية وشعرها المصفف بعناية، راجت مؤخرا موضة الفتاة الفوضوية التي تُجسد جماليات عالم الروك، وتميزت هذه الموضة بالشعر الأشعث والكحل الملطخ والقميص المجعد وعكست تحديا مدروسا وتحررا من القواعد الاجتماعية السائدة. وسجلت إطلالة الفتاة الفوضوية إقبالا متزايدا غزا الشوارع عالميا ومواقع التواصل الاجتماعي.

باريس - يجمع خبراء الموضة على أن القواعد في عالمهم وضعت ليتم خرقها، خصوصا في ما يتعلق بموضة النساء. وكما أن الحياة تتطور كذلك الموضة وما كان في ما مضى غير مألوف أو مستهجنا بات حالياً من الأمور الرائجة، وهو ما ينطبق على موضة الفتاة الفوضوية التي غزت الشوارع مجسدة الحرية والانطلاق.

والحرية هي الفكرة التي يتحدث عنها جميع المصممين الذين أتوا إلى باريس لتقديم مجموعاتهم من الملابس الجاهزة وتحرير الأجساد والعقول من جميع أشكال القيود والإملاءات.

ويجتاح مظهر الفتاة الفوضوية المناقضة للفتاة النظيفة وسائل التواصل الاجتماعي والشوارع في مختلف أنحاء العالم منذ أشهر، وهي موضةٌ توحي، من خلال الشعر الأشعث والكحل الملطخ والقميص المجعد مثلا، بأنها تُحرِّر من القواعد، لكنها قد لا تكون كذلك فعليا.

وعلى عكس صورة الفتاة النظيفة التي طغت في السنوات الأخيرة، ببشرتها المثالية وشعرها المصفف بعناية وإطلالتها التي تتناسب مع منزلها المرتب، فإن الفتاة الفوضوية تُجسد جماليات عالم الروك، وتبدو أشبه بصورة الفتاة العائدة من حفلة.

ويُسجّل إقبال متزايد على التمثّل بهذه الإطلالة التي اعتمدتها المغنيتان البريطانية تشارلي إكس سي إكس والأميركية بيلي إيليش.

على تيك توك أثار اختبار "فتاة نظيفة أم فتاة فوضوية" لتحديد الفئة التي تنتمي إليها الفتيات، ضجة وتفاعلا واسعين

وحصد وسم “ميسي_غيرل” آلاف المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويعود ذلك جزئيا إلى أغنية “آيم تو ميسي” للمغنية البريطانية لولا يونغ.

وعلى تيك توك أثار اختبار “فتاة نظيفة أم فتاة فوضوية” لتحديد الفئة التي تنتمي إليها الفتيات، ضجة وتفاعلا واسعين.

وتلاحظ الكاتبة الفرنسية المتخصصة في الموضة والفخامة صوفي أبريا لوكالة فرانس برس أن هذا “الإهمال المبالغ فيه للمظهر” ليس أمرا جديدا، إذ سبق أن انتهجته نجمات أخريات قبل عقود، من جوارب كورتني لاف الممزقة في تسعينات القرن العشرين، إلى كحل آيمي واينهاوس المتقطر، مرورا بجزمة المطر التي درجت كايت موس على انتعالها في المهرجانات خلال العقدين الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين.

وتشرح أبريا أن “هذا التوجه يقع في منزلة وسطى بين مظهر الغرانج الناعم في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وأسلوب الـ’إندي سليز’ الذي يجمع بين الروك والبوهيمية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. إلا أن كل اتجاه اليوم يمر عبر مصفاة الخوارزمية ويصبح وسما.”

وظهرت المظاهر الأولى للأزياء البوهيمية في الأحياء الفنية في باريس، وخاصة الحي اللاتيني ومونتمارتر.

كان البوهيميون الأوائل يتجمعون في مجتمعات فنية حضرية وكانت لديهم جمالية مميزة استمرت في التأثير على الموضة لأجيال قادمة.

وعاش البوهيميون في مناطق حضرية في مجتمعات متماسكة عززت أسلوب عيش نابضا بالحياة وإبداعيا وغير تقليدي، ورفضوا المساعي الدنيوية لصالح حياة مخصصة للفن والإبداع والإنجازات الفكرية.

لكنّ مفهوم الفتاة الفوضوية ليس مجرّد موضة جمالية، بل يُجسّد أسلوب حياة يقوم على قبول الذات والواقع كما هو من دون السعي إلى تعديله.

وتوضح صوفي أبريا أنه عبارة عن “جمالية تمجّد اللاكمال، واللامبالاة، والفوضى، والهشاشة العاطفية، وهو بمثابة نقد للإنتاجية المفرطة، ولكن أيضا لمعايير الجمال” التي تجسّدها موضة “الفتاة النظيفة”.

وتضيف أن هذا المفهوم “من خلال جمالية العيوب والفوضى يشكّل نقيضا لفكرة التحكّم. إنه نوع من الإرهاق المُنمّق.”

وهو إرهاق مُدروس بعناية. ففي الواقع غالبا ما يكمن وراء العفوية الظاهرة للموضة توجه مُصمّم بعناية. ومن هنا تكثر دروس التبرّج على طريقة الفتاة الفوضوية أو تنسيق الملابس المناسبة لها.

وتُشير الصحافية الفرنسية المُتخصصة في تأثير الموضة كلير روسيل إلى أن الإخراج القائم على التحكّم المطلق الذي تجسّده إطلالة الفتاة النظيفة أفسَحَ لـ”نوع من الإخراج القائم على الواقع الحقيقي.” وتلاحظ صوفي أبريا “أن الفوضى الظاهرة غالبا ما تكون متعمدة.”

وهذه الفوضى المقصودة التي يُفترض أن تكون مُحرِّرة، لا تبدو في متناول الجميع، ولا تعبّر عن “تحرُّر نسوي كبير، لأن هذا التوجه يتبلور من خلال نساء بيضاوات، نحيفات جدا، ومُفرطات في تبني معايير المغايرة الجنسية، ومشاهير مثل كايت موس.”، بحسب كلير روسيل.

ظهور عفوي

وترى أن هذا التوجه “لا يُراعي التنوع. وبهذا المعنى، فهو ليس نسويا جدا.”

وإذا كان مفهوم الفتاة الفوضوية يجسّد الرغبة في الانعتاق من الأعراف الاجتماعية السائدة، فهو ليس بمنأى عن إمكان أن يتلقفه قطاعا الأزياء والتجميل.

وترى صوفي أبريا أن “المفارقة تكمن في أن حتى العيوب قابلة للتنميق والبيع (…)، وقد أدركت ماركات الأزياء ذلك.”

وكان أسلوب الـ”إندي سليز” حاضرا بقوة في أسبوع الموضة النسائي الأخير في باريس، إذ لوحظ الاستخدام الكثيف للجلود، وعودة السراويل الضيقة، وقمصان الـ”تي شيرت” التي تحمل شعارات، ومنها تلك التي تحمل عبارة “أعشق ديور”، وهي صيغة جديد لتلك التي صممها المدير الفني السابق جون غاليانو.

مع ذلك، تُضفي الفتاة الفوضوية نفحة منعشة في مرحلة تشهد ظهور اتجاهاتٍ رجعيةٍ جدا، على غرار ما يُعرف بموضة “ترايدوايفز” أي “الزوجات التقليديات” اللواتي يقتصر دورهن على أن يكنّ ربات بيوت، أو عودة المحتوى المُؤيد لفقدان الشهية، بحسب كلير روسيل.

وتختتم قائلةً “إذا وجد الناس اتجاها يتيح لهم مواجهة هذه القواعد المحافظة جدا التي تخفي بين طياتها عدائية تجاه النساء، فسيكون ذلك رائعا.”

وتعد صناعة الأزياء من أكثر الصناعات تغيرا وتطورا على مر الزمان، حيث تتغير الموضة باستمرار وتظهر في كل موسم تصاميم جديدة تلبي تطلعات المستهلكين المتغيرة.

وقد شهد الموسم الحالي عودة قوية للأزياء الكلاسيكية، حيث عادت التصاميم البسيطة والأنيقة لتأخذ مكانتها في عروض الأزياء. وهي تصاميم مثل البدل الكلاسيكية والفساتين القطنية البسيطة، وتعكس أسلوبًا أنيقًا وعصريًا في نفس الوقت.

وتتميز صيحات الموضة لهذا الموسم بتفضيل الألوان الزاهية والجريئة، حيث ظهرت تصاميم ملونة مثل الأصفر الزاهي والأزرق الفاتح والأخضر الزمردي. تلك الألوان تضفي على الإطلالات جوًا من الحيوية والبهجة.

كما تعكس الطبعات البوهيمية روحًا حرة وعفوية في الأزياء، وقد انتشرت بقوة في عروض الموضة لهذا الموسم. وتضفي تصاميم الطبعات الزهرية والجيومترية والأزهار الكبيرة على الإطلالات لمسة من الرومانسية والأنوثة.

16