رفض إثبات الزواج العرفي قضائيا يربك حسابات أسر مصرية

يذهب المتخصصون في العلاقات الزوجية في مصر إلى أن حكم القضاء المصري برفض الاعتراف بالزواج العرفي يمثل انتكاسة للعديد من الشباب والفتيات كأكثر فئة تقبل على هذا النوع من الزواج. وغالبا ما تكون حجة الفتاة التي تقرر أن تتزوج سرا أن الأسرة هي التي دفعتها إلى هذا المسار المرفوض من الأغلبية المجتمعية، لوجود وصاية عائلية ودينية تحرمها من الاحتكاك بالشباب بشكل علني.
القاهرة - أعاد قضاء الأسرة في مصر الجدل المجتمعي حول الزواج السري بعد أن قضت محكمة ببطلانه، لأنه يفتقد للشروط المرتبطة بالمجاهرة والمحددات المناسبة للزواج وعدم وضع الشريكين في ريبة من أمرهما أو يكونا طوال الوقت محل شك من المحيطين بهما، ما قد يضع أصحاب زيجات سرية في مأزق بالغ.
وبرّرت المحكمة رفضها الاعتراف بعقد الزواج أو إثبات العلاقة بشكل رسمي من خلال عقد شرعي أن الشريكين خالفا المعايير القانونية المتفق عليها في عقود الزواج التي يجب أن تكون من خلال مأذون شرعي، وسن الفتاة والشاب مناسبا لصحيح القانون ببلوغهما سن الرشد، ووجود علانية ودون إخفاء للعلاقة.
وذهبت تفاصيل الحكم القضائي إلى أن اكتفاء الرجل والمرأة في زواجهما بصيغتي الإيجاب والقبول ينافي المقصد الأسمى منه، مثل حصول السكينة بين الزوجين ونشر المودة بينهما، ولذلك تم رفض الدعوى وعدم القبول بصحة العلاقة باعتبارها لم تتأسس بشكل صحيح وسليم وجاءت منافية لأصول الشرع والقانون.
ومن شأن إسقاط الدعم القضائي عن الزواج العرفي أن يُربك حسابات أسر مصرية تلجأ إليه لأسباب لا تسمح بإشهار الزواج على نطاق واسع، ويتم استسهال اللجوء إلى محكمة الأسرة لتأكيد صحة العلاقة طالما أن الزوج نفسه اعترف بها، وأقر بأن تلك المرأة هي زوجته، لكن صارت هناك قاعدة قانونية تمنع ذلك.
ويتناغم حكم المحكمة مع الرأي الديني الصادر عن مؤسستي الأزهر ودار الإفتاء المصرية، حيث حرّمتا الزواج السري بشكل قاطع، وهناك رأي أزهري صادر عن هيئة كبار العلماء بأن المتزوجين سريا يمارسون علاقات محرمة ترتقي إلى “الزنا”، لكن محكمة الأسرة لم تستخدم هذا التوصيف وأقرت فقط برفض إثبات العلاقة.
حكم المحكمة يتناغم مع الرأي الديني الصادر عن مؤسستي الأزهر ودار الإفتاء المصرية، حيث حرّمتا الزواج السري بشكل قاطع
وحسب الأسباب التي استندت عليها محكمة الأسرة، فإن المبرر الأبرز لرفض إثبات العلاقة كان بسبب سن الفتاة وأنها تزوجت عرفيا ولم تبلغ السن القانونية المقدرة بثمانية عشر عاما، ما عدّته المحكمة زواجا لقاصر أو طفلة، وهي مخالفة قانونية واضحة، لأن الكثير من الأسر تزوج بناتها الصغار عرفيا، ثم تطلب إثبات العلاقة.
وفسّر متابعون حكم القضاء بأنه يأتي في سياق مساعي الدولة لمواجهة زواج القاصرات من منطلق أنه لا يزال ظاهرة تسيء للمجتمع وتضر بصحة الفتاة وتجعلها تحمل لقب مطلقة وهي صغيرة، وقد تتعرض لخطر الموت بسبب الولادة المبكرة وضياع حقوقها في المستقبل إذا انتهت العلاقة بالانفصال دون توثيق الزواج.
والجزء الأكبر من المشكلة يرتبط بعدم الاعتراف بعقود الزواج السري وما يترتب عليها، ما دفع البعض للتساؤل حول مصير أبناء هذا الزواج، فهل سيؤثر عدم الاعتراف بالعلاقة على نسبهم للأب، أم أن الزواج برمته باطل ولا يحق للأبناء أن ينتسبوا لآبائهم، وما مصير زوجين قررا الاستمرار في العلاقة ورفضا الوصاية القضائية على حياتهما؟
وسيكون رفض القضاء الاعتراف بالزواج العرفي مهما كانت مبرراته نقطة تحول فارقة في حياة الكثير من المتزوجين سرا، أو الأسر التي تفكر في تزويج بناتها بشكل غير رسمي، بعد أن كان يتم استسهال الزواج بعيدا عن أعين الناس ثم اللجوء إلى المحكمة برفقة الزوج للإقرار بصحة العلاقة وتوثيقها عبر حكم قضائي، وهي ثغرة تم إغلاقها.
وعوّلت الحكومة المصرية كثيرا على الرؤى الدينية الرافضة للزواج السري الذي يُهدر حقوق النساء، لكن دون جدوى، لأن الفتاوى اعتمدت كلها على خطاب التحريم فقط، ولم تنجح في تحقيق تقدم في خفض وتيرة الزواج السري، لأن الكثير من الذين يقبلون على تلك العلاقات معروف عنهم التحرر من القيود والأعراف والعادات.
ويعتقد متخصصون في العلاقات الزوجية أن حكم القضاء المصري برفض الاعتراف بالزواج العرفي يمثل انتكاسة للعديد من الشباب والفتيات كأكثر فئة تقبل على الزواج العرفي، وهم الذين اعتادوا رفض وصاية المجتمع والدين عليهم، ويرفضون أن يتدخل أحد في علاقاتهم وخططهم المستقبلية ومشاعرهم ويتخذون قراراتهم بانفراد.
تفاصيل الحكم القضائي ذهبت إلى أن اكتفاء الرجل والمرأة في زواجهما بصيغتي الإيجاب والقبول ينافي المقصد الأسمى منه وهو السكينة
ويمكن توثيق تلك الحقيقة بالأرقام التي تضمنتها الإحصائية الرسمية الصادرة عن جهاز الإحصاء الحكومي في مصر مؤخرا، بأن عدد الفتيات اللاتي تزوجن عرفيا وتقدمن لتوثيق العلاقة ولم يسبق لهن الزواج خلال العام الماضي فقط بلغ 95 ألف فتاة وغالبيتهن في أعمار تتراوح بين 18 و24 عاما.
وغالبا ما تكون حجة الفتاة التي تقرر أن تتزوج سرا أن الأسرة هي التي دفعتها إلى هذا المسار المرفوض من الأغلبية المجتمعية، لوجود وصاية عائلية ودينية تحرمها من الاحتكاك بالشباب بشكل علني أو القبول بالزواج من حبيبها أو زيادة الأعباء المالية جراء الغلاء حتى أصبح الشاب الذي ترغبه عاجزا عن توفير متطلبات الزواج منها، لذلك قد تتزوجه بلا علم أحد.
ونفس المبررات عند الشاب الذين يضطرون إلى الزواج سرا من فتيات يرتبطن بهم عاطفيا، ولا يستطيعون الجهر بذلك لأسباب عائلية، وهناك أسباب أخرى عند بعض الرجال المتزوجين ويلجأون للزواج من امرأة ثانية لغرض عاطفي أو جنسي، بأن هذا حل وسط لعدم الانفصال عن الزوجة الأولى وهدم كيان الأسرة.
وثمة شريحة من المتزوجين سرا يسلكون هذا الطريق لإجبار العائلتين على القبول بالأمر الواقع في اختيار العلاقة التي تريحهما بقطع النظر عن تقبل المجتمع والدين لها من عدمه، أي أن الكثير من تلك الزيجات السرية سببها أخطاء الأسرة وعادات وتقاليد المجتمع، ولو كانت هناك مرونة لكان الزواج السري نادرا.
وأكد استشاري العلاقات الأسرية وتقويم السلوك في القاهرة علاء الغندور أن رفض القضاء الاعتراف بالزواج العرفي خطوة إيجابية خاصة لو كانت الفتاة تزوجت وهي طفلة، لأن تلك الثغرة في حاجة إلى أن يتم غلقها بصرامة من جانب القضاء الأسري لأن بعض العائلات كانت تعول على توثيق العلاقة بعد وصول الفتاة السن القانونية.
وأضاف لـ”العرب” أن مشكلة بعض من يتزوجون سرا أنهم يقنعون أنفسهم بأنهم ضحايا عادات أسرية وتقاليد مجتمعية، مقابل اقتناع فئة أخرى بأن الحل في تحريم تلك العلاقات وبطلانها شرعا، وشريحة ثالثة مقتنعة بأن ما تفعله لا يخص الدين ولا القانون، ومطلوب أن تكون هناك معالجة قانونية تناسب واقع الزواج عموما في المجتمع.
ومهم أن تبدأ المواجهة الحقيقية من خلال المجتمع نفسه، لأنه شريك في الخلل الذي أصاب تفكير الشباب وأخلاقهم ودفعهم إلى التمرد على الزواج الرسمي بوضع حواجز وعراقيل أمام عواطفهم المكبوتة، وفرض سلوكيات وعادات مرفوضة بالنسبة إليهم جعلتهم يتمردون على كل شيء، المهم أن يتزوجوا كما يريدون ويستريحون.
ويقود ذلك إلى أن مواجهة الزواج العرفي بالرفض القضائي والديني للعلاقة لن يحل الأزمة، لأن الأسر في حاجة إلى خطاب توعوي وسطي يناسب ثقافتها، وخطاب آخر إلى الشباب والفتيات المؤمنين بمزايا هذا الزواج، وثالث للحكومة كي تقر قوانين مرنة لأن الأجيال المتحررة يصعب أن تتقبل أيّ خطاب يحمل ترهيبا وتهديدا وتحديا لرغباتها العاطفية مهما كانت النتيجة.