العنف ضد النساء في مصر يتجاوز حدود أزمة التشريعات

قانون موحد لحماية المرأة يصطدم بأعراف تبيح ضربها.
الأربعاء 2025/06/25
نشر ثقافة الاستغاثة لدى النساء أمر مطلوب

تتجه الحكومة المصرية نحو تشكيل لجان استشارية مستقلة تابعة للمصحات الحكومية، مسؤولة عن إعادة تأهيل النساء ضحايا العنف النفسي والاجتماعي، بعد أن تتم محاسبة الجاني، مع توفير آليات لحمايتهن من أي استهداف وتسهيل سبل الإبلاغ عن وقائع الاعتداء وحماية الشهود، لأنه ليس من السهل على المرأة المصرية أن تلجأ إلى المؤسسة الأمنية أو القضائية لمقاضاة المعتدي سواء كان زوجها أو والدها.

القاهرة - أصبحت المرأة المصرية على مقربة من التمتع بمظلة تشريعية موحدة لمكافحة العنف الجسدي واللفظي ضدها، بعد أن توحدت جهود أكبر المنظمات النسائية في البلاد نحو إعداد مشروع قانون موحد يتضمن نصوصا تُعاقب على أي فعل أو قول يحمل عنفا ضد السيدات والفتيات، من أقارب أو غرباء، بعيدا عن التشتت الحاصل في العقوبات التي تحمي النساء.

ويتضمن مشروع القانون تشكيل لجان استشارية مستقلة تابعة للمصحات الحكومية في عموم البلاد، مسؤولة عن إعادة تأهيل ضحية العنف نفسيا واجتماعيا، عقب محاسبة الجاني، مع توفير آليات لحمايتهن من أي استهداف وتسهيل سُبل الإبلاغ عن وقائع الاعتداء وحماية الشهود، وتصبح الإجراءات تحت حماية حكومية بمؤسسات رسمية.

ولدى مصر قوانين تتضمن عقوبات خاصة بالعنف ضد النساء تصل إلى الحبس، لكنها مشتتة بين مجموعة تشريعات متباينة دون وجود مظلة واحدة تحتمي فيها المرأة وتمنع وجود ثغرات يفلت منها الجناة من العقوبة، فبعض النصوص القانونية تتعارض مع بنود أخرى في تشريعات موجودة بالفعل، ما أضعف مواجهة العنف بالقوانين.

عبير سليمان: مواجهة العنف ضد النساء تتطلب شجاعة منهن أكثر من صرامة التشريعات
عبير سليمان: مواجهة العنف ضد النساء تتطلب شجاعة منهن أكثر من صرامة التشريعات

وهناك شبه اتفاق بين المنظمات النسائية المعنية بوضع القانون الموحد، على أن العبرة في حماية المرأة من العنف ليست في مدى صرامة التشريعات من عدمها، بل ترتبط بمدى كونها شجاعة ومستقلة الرأي وتستطيع اللجوء إلى القضاء للقصاص لنفسها والحصول على حقها من المعتدي بعيدا عن تقاليد وعادات تمنعها من هذا الحق.

وحسب الطبيعة المجتمعية في مصر، ليس من السهل على أي امرأة أن تلجأ إلى الجهات المؤسسة الأمنية أو القضائية لمقاضاة الزوج أو الأب المعتدي، أو حتى الشخص الغريب الذي يتعرض لها بالاعتداء، لأن ذلك من الأمور المعيبة التي توارثتها الأجيال وكرست أن الأعراف تحكم علاقة المرأة والرجل، وليست القوانين.

وإذا كان المعتدي هو الزوج، ولو تسبب في إصابة المرأة بعاهة جسدية، فإن الأعراف المجتمعية الغالبة على الكثير من المناطق أن هذه الحالة عبارة عن “خلاف بين زوجين” تطوّر إلى تشابك بالأيدي، ومن خلال جلسات ودية بين الشريكين وأسرتيهما يتم حل هذا الخلاف، وهنا يصعب على المرأة أن تلجأ إلى القضاء لاتهام زوجها بالاعتداء لأنها ستُعاقب من أسرتها بشكل صارم.

وتتمتع بعض السيدات بشجاعة استثنائية وبإمكانهن خسارة العلاقة الزوجية أو مقاطعة أسرهن لنيل حقوقهن، لكن غالبية السيدات لا تمتلك الشجاعة، لأن مواجهة العنف بالمظلة القانونية رهينة قدرة كل ضحية على الوقوف ضد الأعراف وإمكانية التضحية بالعلاقة الزوجية ونيل لقب مطلقة، وهذا يحتاج إلى شجاعة استثنائية.

وعلى مستوى المجتمع، ثمة أفراد ومؤسسات رسمية تتعامل بنوع من التجاهل لمشكلة العنف ضدّ المرأة، لأن العادة المتوارثة جعلتها أمرا يتغاضى عنه الناس ويتقبلونه أو يحاولون تقبله كواقع، ولا توجد إحصاءات دقيقة ومنتظمة ترصد تطور ظاهرة العنف ضد النساء بصورة دورية ومنهجية لتحليل الأسباب والحلول.

ويصعب على أي امرأة في مجتمع شرقي أن تبدو قوية في مواجهة المعتدي، من الأقارب والغرباء، إلا إذا كانت نشأت على هذه المفاهيم المتحضرة التي تساعدها على التصرف باستقلال وتعقل، بعيدا عن الأعراف البالية، ومستبعد تحقيق ذلك أمام قناعات بأن المرأة تابعة للرجل وربما خادمة له وتتقبل هذا الوضع، كأم وزوجة وفتاة.

الصمت عن العنف لاستمرار العلاقة مع الزوج أو الأسرة لن يوقف الأذى البدني ضد المرأة

وهناك مشكلة أخرى أكثر تعقيدا، ترتبط بأن النسبة الأكبر من النساء في البيئات الريفية والشعبية والمناطق النائية، أكثر عرضة للعنف على أيدي الرجال، يجهلن المعرفة والوعي بالحد الأدنى من حقوقهن القانونية ضد من يتعرض لهن بالعنف، ولا يمكن لهن التحرك للثأر لكرامتهن بلا موافقة الأسرة لتجنب القطيعة الأبدية معها.

كما أن الصمت عن العنف لاستمرار العلاقة مع الزوج أو الأسرة لن يوقف الأذى البدني ضد المرأة، ويكفي أنها تظهر منكسرة ومتقبلة للوضع، لأنها لا تملك البديل المناسب وتخشى من عواقب الاستغاثة، أيّ أن المشكلة معقدة ولها رواسب مرتبطة بالتنشئة والعقلية الأسرية والتقاليد المجتمعية قبل مظلة الحماية القانونية.

وأكثر ما تقوم به المرأة ضحية الاعتداء من الزوج في مصر أن تترك المنزل وتقيم لفترة عند أسرتها إلى حين حل المشكلة بجلسة صُلح ودية ثم تعود إلى منزل الزوجية، ومن النادر أن تنتهي الأزمة بالطلاق باعتبار أن المرأة اعتادت أن تكون منزوعة القرار وتُجبر على التصالح مع المعتدي عليها من الجيران أو أحد سكان المنطقة التي تعيش فيها، إذ ينتهي الأمر بمصالحة عُرفية.

يختلف هذا الواقع في البيئات الحضرية، لأن وعي كثير من النساء بحقوقهن أكبر وأعمق، والتنشئة الأسرية نفسها تُربي الفتاة على أن تكون مستقلة الرأي والقرار، لذلك ترفض النسبة الأكبر منهن الاستسلام للهيمنة الذكورية على سلوكياتهن وحياتهن، وبإمكان المرأة كسر محرمات مجتمعية والتعامل مع الرجل بندية ولو وصلت للطلاق.

وحسب دراسة صدرت قبل عامين للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والمجلس القومي للمرأة (جهة حكومية) في القاهرة بعنوان العنف ضد المرأة “الأبعاد وآليات المواجهة” فإن قرابة 75 في المئة من المصريات يتعرضن للعنف، وجاء العنف في الشارع بالمرتبة الأولى، والعنف المنزلي في المرتبة الثانية، والعنف في أماكن الدراسة، والعمل في مرتبة متأخرة.

وترى منظمات نسائية معنية بحقوق المرأة أن الجزء الأكبر من انتشار العنف ضد السيدات يتعلق بعدم نشر ثقافة الاستغاثة، لأن المجتمع نفسه زرع في أذهان المرأة أن المجاهرة بالاعتداء الذي تعرضت له، من الزوج أو الأب أو ممن تحرش بها جسديا واعتدى عليها لفظيا من الغرباء، من الأمور المعيبة طالما يُمكن حل المشكلة بطرقة تفاوضية، بعيدا عن اللجوء للقضاء.

بعض السيدات يتمتعن بشجاعة استثنائية وبإمكانهن خسارة العلاقة الزوجية أو مقاطعة أسرهن لنيل حقوقهن

ويشكل غياب اهتمام المؤسسات المتخصصة بمواجهة العنف ضد المرأة عن تقديم دورات تدريبية لتأهيل الفتيات للتعامل مع العنف اللفظي والجسدي أحد أبرز أسباب وقوع الاعتداء عليهن، لأن المرأة التي تعيش في بيئة تحكمها العادات تظل أسيرة لتلك الثقافة ولا تدرك كيفية التصرف السليم عندما تتعرض لعنف أو تعي طريقة المواجهة وضمان عدم تكرار هذا الفعل، من قريب أو غريب.

وعانت مصر من ارتفاع معدل ختان الإناث كأحد أبرز وسائل العنف الأسري المسلط على المرأة، وأمام تركيز المؤسسات التوعية من المجتمع المدني والحكومة على نشر ثقافة استغاثة الفتاة ضد الختان ورفع عقوبته إلى السجن المؤبد، انخفضت حوادث الختان بعد أن تمت توعية الفتيات بكيفية حماية أجسادهن والإبلاغ السري عن أسرهن.

أكدت عبير سليمان الباحثة المصرية المتخصصة في شؤون المرأة أن مواجهة العنف ضد النساء يتطلب شجاعة منهن أكثر من صرامة التشريعات، ومطلوب التعامل مع أيّ اعتداء على المرأة على أنه يحمل انتهاكا لحقوق الإنسان وجريمة تستوجب العقاب القاسي، والتغطية عليها يحمل اتهاما لكل طرف تساهل معها، كنوع من ترهيب المجتمع نفسه بأن المرأة ليست مستباحة لهذا الحد.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن القوانين وحدها لا تغير السلوكيات، فهناك تشريعات تعاقب على السرقات لا تزال موجودة، بالتالي مطلوب تغيير نظرة المجتمع نفسه لمكانة المرأة وحقوقها، وتنشئة الأجيال الجديدة على تلك المفاهيم الإنسانية بعيدا عن ثقافة تتعاطى مع النساء مثل كائنات بحاجة لوصاية ذكورية.

وهذا لا يعني عدم جدوى التشريعات لأن ترهيب الأسرة والمجتمع بالعقوبات عامل مهم للحد من الظاهرة، والأهم وجود حملات إعلامية مكثفة بالعقوبة وإظهار أن الدولة بجميع مؤسساتها تقف خلف المرأة المعتدى عليها، مع مراعاة أن يتضمن التشريع الجديد كل ما يرتبط بالعنف ضد الأنثى، مثل الختان والإجبار على الزواج وزواج الأطفال والحرمان من التعليم والتحرش والتأديب والهجر الزوجي وبيت الطاعة.

وأشارت عبير سليمان إلى أن استمرار إدانة أي امرأة تلجأ إلى القانون وإطلاق استغاثة لحماية نفسها من العنف، لن يحل المشكلة بالتشريعات وحدها، كما أن التعاطي مع الفتاوى الدينية التي تبيح ضرب المرأة سوف يطيل أمد المشكلة، لأنها تقدم مبررات واهية للمجتمع على حق الرجل في تأديب الزوجة أو الابنة بالضرب، ومن المهم محاكمة أصحاب تلك الفتاوى بتهمة التحريض على العنف.

وأمام ارتفاع منسوب الخوف عند الكثير من السيدات إذا لجأن إلى القضاء، هناك من يقترح مشاركة منظمات المجتمع المدني والمؤسسات النسائية لحل تلك المشكلة بالتعاون مع الجهات القضائية، ويكون بلاغ المنظمة أو الجمعية بتعرض امرأة للعنف في أي مكان بلاغ من المرأة نفسها، فهناك سيدات يخشين الوقوف في المحاكم والمجاهرة بالتمرد على التقاليد.

وبعيدا عن جدوى التشريع الجديد ونصوصه الصارمة، فإن الحكومة ومجلس النواب والمؤسسات النسوية عليها التعامل بواقعية وعدم استسهال إصدار القوانين دون وضع آلية للتنفيذ والمحاسبة، ولن يتحقق ذلك دون نشر ثقافة الاستغاثة بين عموم النساء وإظهار صرامة الدولة بدعم المرأة التي تبادر بكسر حاجز الصمت وطلب الحماية.

16