المجاملات والشللية تصيبان الكوميديا التونسية في مقتل

سيتكومات وسلسلات خاوية من نص متماسك أساسه كوميديا الموقف، و"شلة" البرنامج الواحد تعوّض نجوم الكوميديا.
الخميس 2020/07/16
استسهال النجاح يقود إلى الفشل

شهد الموسم الرمضاني المنقضي في تونس، شحا غير مسبوق على مستوى الأعمال الكوميدية، حيث لم تتجاوز مجتمعة عدد أصابع اليد الواحدة رغم تعدّد القنوات التي جاوزت عشر فضائيات بين العمومية والخاصة، كما عرفت جميعها ضعفا فادحا على مستوى النص، علاوة على هشاشة الكاستينغ الذي اعتمد في غالبيته على المحاباة والشللية، ممّا أضعف المنتج بشكل عام.

تونس – أربعة أعمال كوميدية فقط هي حصيلة الموسم الدرامي الرمضاني المنقضي بتونس، توزّعت بين سيتكومين؛ “حجر صحي” و”دنيا أخرى 4”، واثنين آخرين ضمن ما يُصطلح على تسميته بالأنيميشن وفق تقنية ثلاثية الأبعاد وهما “تونس 2050” و”ولاد بحر”.

أعمال لم ترتق في مجملها إلى تطلعات الجمهور التونسي الذي لم يجد فيها ما يسلّي عنه في زمن الحجر الصحي الجماعي الذي فُرض على البلد إثر تفشي فايروس كورونا في رمضان المنقضي، وما يتطلّبه الوضع من بحث وابتكار في مضامين ضحك جديدة تتواءم والمزاج العام المشوب بالغموض والإحباط، حينها.

لم تتمكّن جل الأعمال المقدّمة على قلّتها من القطع مع ما تعوّد المشاهد التونسي متابعته في برامج “التوك شو” التي تسعى، أو بالأحرى تدّعي، تقديم مادة مرحة على مدار العام في أكثر من قناة خاصة، فتسقط في الإسفاف والابتذال.

وهو ما انسحب على الكوميديا المقدّمة في رمضان المنقضي والتي استمرأ صناعها نجاح بعض هذه البرامج، ولو بنسب متفاوتة، ليعيدوا استنساخها بشكل مبتذل في سيتكومات وسلسلات تحريك خاوية من نص متماسك أساسه كوميديا الموقف، لا التهريج وافتعال الضحك المجاني.

صناعة الضحك في تونس باتت مع انتشار برامج "التوك شو"، تحكمها الشللية التي أحالت المنتج إلى بضاعة مستهلكة

وجاءت جل النصوص، إن لم نقل كلّها، إعادات لبعض التغريدات الفيسبوكية التي أبدع المواطن التونسي تدوينها على الموقع الاجتماعي الأكثر متابعة بالبلد، كنوع من التعبير الساخط الممزوج بالسخرية إلى ما آلت إليه أوضاع تونس من هشاشة اقتصادية غير مسبوقة، فأعاد صناع الكوميديا إنتاجها في شكل سيتكوم أو مسلسل تحريك أبطاله نجوم برامج “التوك شو” أمثال بسام الحمراوي وكريم الغربي وسامية الطرابلسي في “دنيا أخرى 4”، أو سعدي الزيداني وسفيان الداهش ووليد الزين في “حجر صحي”.

أما سلسلة “ولاد بحر” التي بثّته قناة “نسمة” الخاصة، فلا يمكن تصنيفه بأي شكل من الأشكال في خانة المسلسلات الكوميدية، فرغم اعتماده على طاقم عمل سبق له النجاح في سيتكوم “نسيبتي العزيزة” بمواسمه الثمانية على غرار خالد بوزيد وسفيان الداهش ولطيفة القفصي، إلّا أن نصه الذي كتبه كل من خليل وعيشة مكاوي أتى إسقاطا لواقع عالم الأرض على سكان البحر من الأسماك دون أي جديد يُذكر.

ومن هناك كانت المحاباة والمجاملة العنوان الأبرز لكوميديا رمضان 2020 بتونس، فغابت أسماء كوميدية كانت لسنوات مضت فاعلة في المشهد الدرامي التونسي، على غرار كمال التواتي ولطفي العبدلي وتوفيق الغربي وريم الزريبي وأمال البكوش والقائمة تطول، لتعوّضها “شلة” البرنامج الواحد الذي ظهر بشكل مفضوح في سيتكوم “تونس 2050” الذي ضمّ في جزئه الخامس وسيم الحريصي الشهير بميقالو، وشقيقه سليم، علاوة على جل الفاعلين سواء في البرامج الإذاعية أو التلفزيونية لمقدّمي البرامج أمين قارة وجعفر القاسمي المشاركين أيضا في السلسلة.

وهذه الشللية لم تقتصر على الأعمال الكوميدية فقط في رمضان تونس المنقضي، بل شمل أيضا المسلسلات الاجتماعية كما هو الحال مع مسلسل “نوبة” في جزئه الثاني، الذي ضمّ في كتابة السيناريو كلّا من عبدالحميد بوشناق وهالة عياد وياسمين ديماسي وعزيز الجبالي وجهاد الشارني في تتمّة للفريق الذي كتب الجزء الأول من المسلسل في رمضان 2019.

السقوط في الابتذال
السقوط في الابتذال

وإن كان هذا التواصل مبرّرا في “نوبة” بوشناق، على اعتبار تمكّن طاقمه من آليات كتابة السيناريو التي أشاد بها الجمهور والنقاد على حد سواء، فإنّ التمطيط أصاب بعض مفاصل الجزء الثاني من المسلسل، ممّا أربك سير الأحداث كما ضاع الخيط الرابط بينها مع تعدّد الشخصيات المركّبة والمُربكة للمُشاهد الذي وجد نفسه أمام كتابة مسرحية مُبهمة أكثر منها دراما تلفزيونية شعبية تُلامس واقعه وإن بشيء من الحنين إلى الماضي.

و”شلّة” البرنامج الواحد والقناة الواحدة لم تغب بدورها عن طاقم عمل المسلسل التاريخي “قلب الذيب” الذي أخرجه بسام الحمراوي في أولى تجاربه التلفزيونية، حيث أباح لنفسه الاعتماد على ممثلين هواة على غرار أمين ليمام وخاصة خولة السليماني التي أتى دورها غير متّسق بالشخصية وبيئتها، فبدت امرأة من أربعينات القرن الماضي بملامح فتاة من الألفية الثالثة! ولم يقتصر دور سليماني في المسلسل على التمثيل فقط، بل تجاوزه إلى الإنتاج فكان العمل هزيلا من حيث الديكور والملابس والكاستينغ الذي تحكّم فيه مرة أخرى منطق الصداقات والمجاملات، ليمثّل العمل سقطة للدراما التونسية في الموسم الرمضاني المنقضي، إلى جانب مسلسل “27” ليسري بوعصيدة الذي تولّى بنفسه إخراج وإنتاج وكتابة سيناريو العمل والتمثيل فيه أيضا.

وهذه الشللية المرضية ليست بجديدة على الدراما التونسية وبخاصة الكوميديا منها، فنجم كوميديا الثمانينات وحتى بداية الألفية الجديدة، لمين النهدي، اكتوى بنارها في سلسلة “الزميل” التي جمعته بنجليه محمد علي ووليد وابن أخيه رياض إلى جانب مجموعة من أصدقاء لمين النهدي المقرّبين، فسقط نجم الكوميديا التونسية من عليائه عبر نص ضعيف شارك في كتابته مع كمال المولهي إضافة إلى إخراج باهت لعبدالقادر الجربي الذي منح بدوره دور البطولة النسائية لابنته منال.

16