"ريش" يتربّع على عرش أيام قرطاج السينمائية

الفيلم المصري يحصد أربعة تتويجات.. السينما الأفريقية تستعيد بريقها وتونس بلا ذهب.
الاثنين 2021/11/08
أربع جوائز لـ"ريش" المصري من بينها التانيت الذهبي لأفضل روائي طويل

حصد فيلم “ريش” للمخرج المصري عمر الزهيري أربع جوائز في مهرجان أيام قرطاج السينمائية في دورتها الثانية والثلاثين التي اختتمت مساء السبت، من بينها جائزة التانيت الذهبي لأفضل فيلم روائي طويل، فيما لم تتمكّن تونس البلد المضيف من حصد أي تانيت ذهبي في مسابقاته الأربع الكبرى.

تونس - فاز الفيلم المصري "ريش" للمخرج عمر الزهيري بجائزة التانيت الذهبي لمسابقة الأفلام الروائية الطويلة الخاصة بالدورة الثانية والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية، التي أسدل الستار على فعالياتها مساء السبت بمسرح الأوبرا بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي بالعاصمة تونس.

كما نال الفيلم ذاته جائزة التانيت الذهبي للعمل الأول، أو "جائزة الطاهر شريعة" مؤسّس المهرجان في العام 1966، إضافة إلى جائزتي أفضل سيناريو وأفضل ممثلة التي حصلت عليها بطلة العمل دميانة نصار.

وكان الفيلم فاز قبل أشهر قليلة بجائزة مسابقة أسبوع النقاد الدولي في مهرجان كان السينمائي وأيضا جائزة أفضل فيلم عربي في الدورة الخامسة من مهرجان الجونة السينمائي.

و”ريش” هو أول فيلم روائي طويل للمخرج الزهيري، واشترك في تأليفه مع السيناريست أحمد عامر، وهو من بطولة سامي بسيوني ودميانة نصار ومحمد عبدالهادي.

ويمزج الفيلم بين الواقع والفانتازيا، إذ يتناول قصة أب يقرّر إقامة عيد ميلاد ابنه الأكبر فيحضر ساحرا لتقديم بعض الفقرات المسلية للأطفال، وفي إحدى الفقرات يدخل الأب في صندوق خشبي ليتحوّل إلى دجاجة ومع محاولة الساحر إعادته مرة أخرى تفشل الخدعة ويبقى الأب في هيئة دجاجة.

وتستمرّ مفارقات الفيلم لتلقي بظلال من النقد الساخر على مشكلات اجتماعية واقتصادية وكذلك أوضاع المرأة المعيلة، مبرزا دور الأم التي كرّست جسدها وعمرها لزوجها وأطفالها قبل أن تجد نفسها فجأة وقد أصبحت تقوم بدور الأب والأم في آن معا بعد حادثة السحر الخاطئة التي تعرّض لها زوجها وحوّلته إلى دجاجة. ومع الوقت باتت الزوجة التي تكافح من أجل حياتها وحياة أطفالها امرأة مستقلّة وقويّة.

تألق السينما الأفريقية

المهرجان يٌعيد البريق إلى السينما الأفريقية بتتويجها بذهبيتي الأفلام الروائية والوثائقية القصيرة

أما في بقية جوائز مسابقة الأفلام الروائية الطويلة للأيام، فقد فاز بالتانيت الفضي فيلم “النار التي لا تروّض” من ليسوتو، فيما ذهبت جائزة التانيت البرونزي للفيلم التونسي “عصيان” إخراج الجيلاني السعدي.

ونوّهت لجنة التحكيم مناصفة بفيلمي “فرططو الذهب” للمخرج التونسي عبدالحميد بوشناق و”أميرة” للمخرج المصري محمد دياب.

وفاز بجائزة أفضل ممثل عمر عبدي عن دوره في فيلم “زوجة حفار القبور” من الصومال، فيما ذهبت جائزة أفضل موسيقى للفيلم المغربي “علّي صوتك” إخراج نبيل عيوش، وتحصّل فيلم “النار التي لا تروّض” للمخرج ليمونغ جيريميا موساس من ليسوتو على جائزتي أحسن صورة وأفضل مونتاج وتركيب.

وفي مسابقة الأفلام الروائية القصيرة نال جائزة التانيت الذهبي فيلم “الحياة في القرن” للمخرج الصومالي مو هراري، وفاز فيلم “كيف تحوّلت جدتي إلى كرسي” للمخرج نيكولا فتو من لبنان بالتانيت الفضي، فيما فاز فيلم “في بلاد العم سام” للمخرج التونسي سليم بالهيبة بالتانيت البرونزي.

وتكوّنت لجنة تحكيم جائزتي الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة من أنزو بورشيللي من إيطاليا وأوجي فورتونا من أنغولا وطارق الشناوي من مصر وداود أولاد سيد من المغرب وجيسيكا فابيولا جينوس من هايتي وسفيان بن فرحات من تونس وأحمد بهرامي من إيران.

وفي مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، حاز فيلم “فلسطين الصغرى” للمخرج الفلسطيني عبدالله الخطيب على جائزة التانيت الذهبي، فيما ذهبت جائزة التانيت الفضي إلى فيلم “آخر ملجأ” للمخرج المالي سماساكو أوصمان، أما التانيت البرونزي فنالها فيلم “كما أريد” للمخرجة الفلسطينية سماهر القاضي.

وفي مسابقة الأفلام الوثائقية القصيرة، حاز فيلم “الرعاة” لمخرجه تيبوهو أدكان من جنوب أفريقيا على جائزة التانيت الذهبي، فيما آلت جائزة التانيت الفضي لفيلم “ثم يحرقون البحر” لمخرجه مجد الرميحي من قطر، كما حاز فيلم “لا ترتاح كثيرا” لمخرجته اليمنية شيماء التميمي على التانيت البرونزي.

وتكوّنت لجنة تحكيم جائزتي الأفلام الوثائقية الطويلة والقصيرة من صوفي سالابو من فرنسا وكلويي عائشة بورو من بوركينا فاسو وحمزة العوني من تونس ونجاتي سونميز من تركيا ونجوى الغانم من الإمارات.

وبدا جليا خلال دورة هذا العام استعادة السينما الأفريقية (جنوب الصحراء) لبريقها بحصولها على التانيت الذهبي في مسابقتي الأفلام الروائية القصيرة والوثائقية القصيرة أيضا.

وحصل فيلم “من تحرقن الليل” للمخرجة سارة مسفر من السعودية على جائزة أفضل فيلم للسينما الواعدة، فيما فاز فيلم “فلسطين الصغرى” للمخرج الفلسطيني عبدالله الخطيب بجائزة “تي.في 5 موند”، كما حصل فيلم “كما أريد” للمخرجة سماهر القاضي من فلسطين على جائزة حقوق الإنسان، وهي جائزة محدثة أتت تكريما لروح المناضلة الحقوقية الراحلة لينا بن مهني (1983 – 2020).

المخرج الفلسطيني عبدالله الخطيب يتوج بجائزتي الأفلام الوثائقية الطويلة و«تي.في 5 موند» عن فيلمه "فلسطين الصغرى"
المخرج الفلسطيني عبدالله الخطيب يتوج بجائزتي الأفلام الوثائقية الطويلة و«تي.في 5 موند» عن فيلمه "فلسطين الصغرى"

وكعادة أيام قرطاج السينمائية تمّ قبل يوم من الاختتام الفعلي للمهرجان توزيع جائزة الاتحاد العام التونسي للشغل لأفضل ميكساج، وتحصّل عليها صابر القبلاوي عن عمله في الميكساج (مزج الصوت) في فيلم “على خطاوي الحرف” للمخرج التونسي محمد صالح العرقي، وتكوّنت لجنة تحكيمها من المخرجة كوثر الحمري والجامعي والممثل الأسعد الجموسي ومهندس ميكساج الصوت سامي الغربي وكلهم من تونس.

كما فاز بجائزة الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية (فيبريسي) فيلم “هذه ليست جنازة، هذه قيامة” إخراج ليموهانج جريمايا موسيس من ليسوتو، مكرّرا فوزه بالجائزة ذاتها التي تحصّل عليها في الدورة العاشرة لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في مارس الماضي. وتكوّنت لجنة التحكيم من ثلاث ناقدات سينمائيات هنّ الفرنسية نادية مفلح، والأوكرانية إيلينا روباشيفيسكا والتونسية سميرة الدامي.

وذهبت جائزة الجامعة الأفريقية للنقد السينمائي إلى فيلم “حلم” (آرجو) للمخرج الجزائري عمر بلقاسمي، والتي تكوّنت لجنة تحكيمها من الصحافي والناقد السينمائي الكنغولي جورج نزوزي سلامبياكو، والصحافي والناقد السينمائي النيجيري فرانكلين تشوكونوتسو أوغوبود والصحافية والناقدة والمخرجة السينمائية التونسية نرجس طرشاني.

وأقيم حفل ختام المهرجان بمدينة الثقافة في تونس العاصمة بحضور عدد كبير من منتجي ومخرجي ونجوم السينما العربية والأفريقية مع احتفاء كبير بعودة الجوائز للمهرجان، بعدما ألغيت في العام الماضي بسبب جائحة فايروس كورونا.

وفي كلمة ألقاها خلال حفل الختام، قال المدير العام للمهرجان المخرج السينمائي التونسي رضا الباهي “نجح المهرجان هذا العام في إعادة الروح إلى قاعات السينما التي أغلقت أبوابها أمام عشاقها بسبب الجائحة لمدة سنة ونصف السنة، حيث عاد جمهور الفن السابع ليستنشق جمال الحياة”.

حضور تونسي شاحب

"عصيان" التونسي يكتفي ببرونزية الأفلام الروائية الطويلة
"عصيان" التونسي يكتفي ببرونزية الأفلام الروائية الطويلة

لم تتمكّن السينما التونسية خلال هذه الدورة من حصد أي تانيت ذهبي، بعدما اكتفت بثلاث جوائز فقط، هي: جائزة التانيت البرونزي للفيلم الروائي الطويل “عصيان” للمخرج الجيلاني السعدي، وتنويه خاص لفيلم “فرططو الذهب” للمخرج عبدالحميد بوشناق، بالإضافة إلى حصول الفيلم الروائي القصير “في بلاد العم سالم” للمخرج سليم بلهيبة على جائزة التانيت البرونزي لمسابقة الأفلام الروائية القصيرة.

وبالتالي لم تتمكّن تونس من إضافة تانيت عاشر لسجلها في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة خاصة، والذي فازت به في دورتين متتاليتين، عبر فيلم “فتوى” لمحمود بن محمود في العام 2018، تلاه فيلم “نورا تحلم” لهند بوجمعة في العام 2019، قبل أن تحجب المسابقات في دورة 2020 بسبب تفشي وباء كورونا الذي اجتاح العالم.

وسبق لتونس أن توّجت بالذهب في العام 1976 عبر فيلم “السفراء” لمحمد الناصر القطاري، و”عزيزة” لعبداللطيف بن عمار في العام 1980، و”ريح السد” للنوري بوزيد في العام 1986، قبل أن يضيف ذهبية ثانية لسجله في العام 2006 عن فيلمه “آخر فيلم”، كما تحصل فريد بوغدير على أرفع جوائز المهرجان في عام 1990 عن فيلمه “عصفور سطح” أو “حلفاوين”.

وفي العام 1994 تمكنت المخرجة التونسية الراحلة مفيدة التلاتلي من أن تكون أول مخرجة في العالم العربي وأفريقيا تتوّج بالتانيت الذهبي لقرطاج السينمائي عبر فيلمها “صمت القصور”، لتلتحق بها بعد أكثر من عقدين كوثر بن هنية التي تحصلت في العام 2016 على التانيت الذهبي للأيام، وذلك عن فيلمها الوثائقي – الروائي الطويل “زينب تكره الثلج”.

وفي العام 2018 توّجت تونس بتانيتها الذهبي الثامن عبر فيلم “فتوى” لمحمود بن محمود، لتنال في العام الموالي تانيتها التاسع عبر فيلم “نورا تحلم” لهند بوجمعة التي باتت التونسية الثالثة التي تتوّج بذهبية الأيام.

وانطلق المهرجان في الثلاثين من أكتوبر الماضي واستمر حتى السادس من نوفمبر الجاري، وشارك في مسابقته الرسمية أربعة وخمسون فيلما روائيا ووثائقيا.

أيام قرطاج والفرنكفونية

بالتوازي مع عروض الأفلام احتضنت مدينة الثقافة بالعاصمة تونس خلال أيام المهرجان العديد من الندوات الفكرية، لعل أبرزها ندوة “الفرنكفونية وأيام قرطاج السينمائية” باعتبار الأيام مهرجانا أفريقيا وعربيا يستقبل الأفلام الفرنكفونية بكثافة، وأيضا على اعتبار أن تونس بلد عضو في المنظمة الدولية للفرنكفونية.

وبخصوص علاقة الفرنكفونية بالسينما العربية والأفريقية أشار الصحافي والناقد السينمائي والباحث في الجامعة السنغالية بابا ديوب إلى أن الفرنكفونية ليست هيمنة لغة على لغات أخرى وإنما قدرتها على توفير مناخ تتجاور فيه اللغات وتتعايش، وأن الأفلام الأفريقية تنجز باللغات الوطنية وتقدّم الثقافات المحلية، وهو “ما يجعلنا أمام سينماءات أفريقية مدعومة من الفرنكفونية، وهو دعم نشتم منه رائحة السياسة، لكنه في صالح السينما”.

وأشارت الجامعية التونسية والباحثة في الشأن السينمائي آمنة مرابط إلى أنه بات من الضروري اليوم تحديد مفهوم دقيق للفرنكفونية وأيضا للأفلام السينمائية التي تقدّم نفسها أنها فرنكفونية، وأضافت أن هذه المهمة قد تنهض بها الجامعة والبحث العلمي، وذلك بالرجوع إلى نظرة الفرنكفونية للمجتمعات الأفريقية والعربية وخصوصا المنضوية تحت لواء المنظمة.

وبيّنت الجامعية التونسية أنه في ظل غياب استراتيجيات وطنية للسينما في مستوى الدعم والتوزيع، فإن الفاعل السينمائي التونسي أو الأفريقي يجد نفسه مضطرا للبحث عن الدعم في أروقة الفرنكفونية وغيرها من الجهات المانحة.

وأشارت مرابط إلى أن “تونس مثلا رغم محاولاتها المستميتة في دعم السينما منذ الاستقلال إلى اليوم، إلاّ أن السينمائي التونسي يجد في المساعدة الفرنكفونية ملاذا خاصة في التوزيع العالمي لفيلمه”.

وأكّدت الخبيرة التونسية أن السينمائي التونسي والأفريقي عموما قد يُقايض حرية التعبير مقابل التوزيع والمشاركة في كبرى التظاهرات.

فيلم "ريش" توج بجائزة أفضل فيلم روائي طويل وجائزتي العمل الأول وأفضل سيناريو، إضافة إلى جائزة أفضل ممثلة

أما الباحثة بجامعة سترازبورغ باتريسيا كايي فتحدّثت عن المواجهة الخفية بين الفرنكفونية والثقافة الإنجليزية التي تحاول الهيمنة على الفضاء الثقافي الأفريقي، مشيرة إلى أن الفرنكفونية اختارت خلال دعمها للسينما الأفريقية والعربية سينما المؤلف التي تبرز قضايا الشعوب وتدافع عن القيم الإنسانية والحريات.

وأوضحت الجامعية الفرنسية أن السينما الأفريقية والعربية المدعومة من مؤسّسات المنظمة الدولية للفرنكفونية تجد لها مسارب للتوزيع، مقدّمة في هذا الخصوص بعض المؤشرات التي تخصّ السينما المغاربية ورواجها بفرنسا بين 1999 و2019.

وذكرت أن ثمانية وعشرين ألف مُشاهدة تحصّلت عليها السينما التونسية خلال تلك الفترة، فيما تحصلت نظيرتها المغربية على خمس وثلاثين ألف مُشاهدة، واثني وثلاثين مُشاهدة للسينما الجزائرية.

ولم تخف كايي أن الأفلام التي تدعمها الفرنكفونية غالبا ما تكون وفق شروط محدّدة تحدّ أحيانا من حرية المبدع السينمائي كأن تلزمه بقضية بعينها أو تمشّ درامي بعينه.

واحتضنت الأيام أيضا ندوة فكرية دولية ناقشت مستقبل السينما في ظل تزايد المنصات الرقمية العالمية التي تروّج للسينما وتحضر كبديل للطرق الكلاسيكية في الإشهار والترويج والتوزيع.

ومثّلت الندوة فرصة لطرح قضية المنصات في علاقتها بالطرق القديمة في الإنتاج والتوزيع السينمائي، والتي تفرّعت عنها العديد من الأسئلة لعل أبرزها: أي استفادة قد تحصل لجميع المتقاطعين مع هذه العملية؟

وضمّت الندوة عددا من النقاد والفاعلين السينمائيين من مختلف الاختصاصات على غرار فرنسوا جوست الخبير السينمائي الفرنسي ومؤسّس مركز الدراسات حول الصورة، والصادق أنور الصباح المنتج والموزّع السينمائي اللبناني، وسيد فؤاد مدير مهرجان الأقصر السينمائي المصري ويحيى مقراش صاحب المنصة التونسية “آر تيف”.

15