أي خطوات بعد غضب قيس سعيد من العنف في البرلمان

أثار تصاعد وتيرة العنف في البرلمان التونسي حفيظتَيْ الرئيس قيس سعيد ونورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد)، ما دفع الطرفيْن إلى توجيه إنذار شديد اللهجة ضد أطراف (لم يسمياها) تعمل على إرباك مسار الاستقرار في البلاد، وتسعى إلى إسقاط الدولة ومؤسساتها.
تونس – بدا الرئيس التونسي قيس سعيد غاضبا، حين استقبل مساء الاثنين النواب الذين تعرضوا للتعنيف من قبل نواب ائتلاف الكرامة في البرلمان، وحذر سعيّد في تهديد مبطن لأتباع سيف الدين مخلوف (نائب عن كتلة ائتلاف الكرامة) من تنامي موجة العنف.
وقال قيس سعيد إن تونس فوق كل الأحزاب والاعتبارات و”لن نتركها لقمة سائغة لمن يريد إسقاطها من الداخل”.
وأضاف سعيد “سنردّ بأكثر مما يتصوّرون وبأكثر مما يتحمّلون لإنقاذ الدولة التونسية من كلّ اعتداء على أمنها ومن يتوهّم أنّه يُمكن أن يستعين ببعض الخونة والمجرمين فإنّنا نعلم أنّهم يعملون في الخفاء وسيدفعون الثمن في إطار القانون وكلّ واحد منا سيتحمل مسؤوليته كاملة أمام القانون”.
وتابع “لن يجرّني أحد إلى المُستنقع الذي يُريد، فأنا هنا على رأس الدولة وأتحمّل مسؤوليتي كاملة في الحفاظ عليها، أعمل في صمت ولكن أتابع ولن أترك أيّ أحد يتطاول على أمن وطننا وأن يُساوم بقوت التونسيّين وأن يُساوم بحياتهم.. أرفض العُنف في الشارع فكيف أقبل به داخل مؤسسات الدولة مرّة أخرى هذا إنذار وليتحمل كلّ واحد مسؤوليته كاملة”.
وبدوره أدان الاتحاد العام التونسي للشغل اعتداءات كتلة ائتلاف الكرامة “المتخفّية بالحصانة البرلمانية للتغطية على افتضاح وعودها الزائفة ومغالطتها للشعب بما رفعته من شعارات شعبوية كاذبة” كما استنكر في نفس الوقت ”صمت القضاء” رغم الكثير من القضايا التي رفعت ضدّها ومنها القضايا التي رفعها الاتحاد العام التونسي للشغل.
وعبّر الاتحاد في بلاغ أصدره عن تضامنه مع النوّاب ضحايا العنف ويدعوهم إلى عدم التردّد في اللجوء إلى القضاء، وندد في المقابل ”بصمت رئيس مجلس نواب الشعب عن تنامي العنف بشتّى أشكاله داخل قبّة البرلمان ويطالبه بإجراءات واضحة للتصدّي لخطاب الكراهية ودعوات العنف”.
كما حمّل كلّ الداعمين لهذه الكتلة والكتل المتحالفة معها، “ومنها حزب حركة النهضة، مسؤوليّتهم في تشجيع العنف بالتحريض الخفيّ أو بالصمت”. ويؤكّد “تصميمه على محاربة خطاب الإرهاب والتضليل دفاعا عن الدولة المدنية الديمقراطية الاجتماعية وعن الحقوق والحريات ومنها المساواة وحرية المرأة”.
كما يجدّد وقوفه ضدّ محاولات إسقاط البلاد من جديد في دوامة العنف، معتبرا ما يجري في مجلس نوّاب الشعب من تجاذبات وتناحر وعطالة تدفع إليها كتل محدّدة دليلا على تحوّل هذه المؤسّسة الدستورية إلى مصدر لإنتاج الأزمات، ومنها الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتّى الأمنية.
وتأتي هذه التصريحات في وقت شهد فيه مجلس نواب الشعب واقعة الاعتداء بالعنف، الاثنين، على النائب أنور بالشاهد من الكتلة الديمقراطية.
وتتخوف الأوساط التونسية من ارتفاع منسوب العنف داخل مؤسسات الدولة ومن قبل صناع القرار السياسي، ويرى مراقبون أن تصريحات سعيد والطبوبي أيضا لن تعطي خيارات كبيرة لتغيير هذا الواقع السياسي.
وأفاد المحلل السياسي منذر ثابت بـ”أن احتدام العنف اللفظي هو مؤشر على تأزم في مستوى العلاقات بين الفاعلين السياسيين، أفضى إلى انعدام وجود أرضية وشروط للتواصل جراء غياب الواقعية والعقلانية”.

وأضاف ثابت في تصريح لـ”العرب”، “العنف البرلماني مؤشر على عجز الأطراف السياسية خارج مؤسسات الدولة وداخلها، هناك حالة من الضعف بما يؤشر على استمرار التأزم وتواصل التفكك. الحل سياسي بامتياز لأنه قانونيا ليس هناك خيارات والدستور لا يعطي خيارات للخروج من الأزمة”.
وأشار إلى أن “مشروع ميزانية الدولة المعطل يمكن أن يقودنا إلى الالتجاء إلى الفصل 80 من الدستور، ودستوريا الأزمة لا يمكن أن تختزل في البرلمان بل هي أزمة منظومة وأزمة نظام سياسي. لقد آن الأوان لإرساء نظام سياسي جديد، وحركة النهضة مستفيدة من النظام شبه البرلماني الذي يتماشى مع مصالحها”.
وتابع “التصعيد اللفظي في خطاب سعيد والطبوبي هو لتسجيل نقاط سياسية ولن يحل الأزمة، وعلى الرئيس أن يحدد هذه الأطراف ليتحمل كل من يُتهم مسؤوليته كاملة. أعتقد أن الرئيس متردد بالنظر إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد، فضلا عن الأوضاع الإقليمية المتردية والتوتر الليبي”.
وعلى الرغم من اتخاذه أسلوبا غاضبا ومحذّرا، استهزأ نواب ائتلاف الكرامة بتصريح الرئيس، ما يكشف تحدّيا واضحا لرأس السلطة.
وفي مقطع مصور نشره على صفحته الرسمية في الفيسبوك، مساء الاثنين، وصف رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف الخطاب الذي ألقاه قيس سعيد في لقائه بنواب الكتلة الديمقراطية بـ”الخُطبة العصماء” وأعلن أنّه لم يعُد يعترف بقيس سعيد رئيسا للجمهورية واعتبره صاحب حزب مُعارض ”ينحاز إلى أشخاص دون تحقيق”.
وتطرح معركة لي الذراع السياسية مسألة تحديد الجهة التي يخول لها التغيير والإصلاح قبل فوات الأوان، علاوة على الصلاحيات التي يمكن أن يعتمدها الرئيس سعيد في ذلك حفاظا على الأمن والاستقرار في البلاد.
في المقابل يرى خبراء القانون أن سعيّد لا يملك خيارات كثيرة لتجاوز الأزمة. وقالت أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي في تصريح لـ”العرب”، “من الصعب أن يلجأ الرئيس إلى الفصل 80، لأن الدولة الآن لا تعيش خطرا داهما يهدد سلامة الدولة، بل يجب إدارة الخلافات بأساليب سياسية”.
وأضافت القليبي “البرلمان مقيد بدستور ولا يحق لسعيد حله إلا في حالة عجز المجلس عن منح الثقة للحكومة.. يجب ألا نتحدث عن حل البرلمان إذا أردنا البقاء في إطار الدستور”.
وبالعودة إلى الدستور نجد أنه ينص على ثلاثة فصول يمكن للرئيس أن يتدخل فيها أمام البرلمان، وهي الفصل 77 الذي ينص في فقرته الأولى على أنه يجوز لرئيس الجمهورية “حل مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينص عليها الدستور”.
ويشير الفصل 89 إلى إمكانية حل مجلس النواب من قبل رئيس الجمهورية إذا فشل أعضاؤه في منح ثقتهم للحكومة بعد أربعة أشهر. أما الفصل 99 فيسمح للرئيس بحل المجلس والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة إذا لم يتم تشكيل الحكومة خلال فترة محددة أو إذا لم تحصل على ثقة البرلمان.