القضاء المصري يسقط ولاية الأب على تعليم الأطفال

يضع الحكم الذي أصدره القضاء المصري بحق الأم في الولاية على أطفالها حدا لأساليب الابتزاز التي يستعملها بعض الآباء كورقة ضغط ضد الأمهات للتنازل على حقوقهن المادية في حال الانفصال، كما يحد الحكم من الخلافات والمشاحنات القائمة بين الزوجين بخصوص تعليم أبنائهما.
وضع القضاء المصري حدا لخلافات الأزواج المنفصلين حول الولاية التعليمية للأبناء بعدما أصدرت محكمة القضاء الإداري حكما هو الأول من نوعه يقضي بحق الأم في الولاية على أطفالها باعتبارها الأكثر رعاية وعطفا وخوفا عليهم إلى حين بلوغهم سن الخامسة عشرة.
بهذا الحكم يتم إغلاق ساحات المعارك التي كانت تقع بين المطلقين حول الإشراف على تعليم أطفالهم، حيث اعتاد بعض الآباء استخدام ورقة الولاية على الصغار للضغط على الزوجات لإرغامهن للتنازل عن غالبية المستحقات المالية بعد الانفصال.
وتطرق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لأزمة الولاية التعليمية خلال احتفالية عيد الأم، وقال إن قانون الأحوال الشخصية سوف يصدر بشكل متوازن تراعى فيه مصلحة كل الأطراف وسوف ينصف المرأة، وكان ذلك تعقيبا على مطالب الأمهات حول حقهن في الولاية على أطفالهن.
واستوقفت إحدى النساء الرئيس السيسي خلال جولة ميدانية، وطالبته بالتدخل لإنصاف المرأة ودعم حقها في الولاية حتى لا تكون هي وأولادها تحت رحمة الأب، ووعدها بدراسة الأمر، ما يعني أن صراع الأزواج المنفصلين وصل إلى رأس السلطة وصار ملفا أساسيا على جدول الحكومة المصرية.
وتزامن إسقاط القضاء لولاية الأب بعد الطلاق مع تصاعد الغضب النسائي بمصر ضد قانون الأحوال الشخصية الذي انتهت منه الحكومة وقدمته إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره أخيرا، وينص على حق الأب في الولاية إلى حين فصل المحاكم في كل واقعة على حدة، وقد يستغرق الأمر عدة سنوات.
وتتلخص أزمة الولاية التعليمية بمصر في أن الأب يتحكم في كل ما يخص الأبناء على مستوى دراستهم، وقد يحرمهم من التعليم أو يتقدم بأوراقهم إلى مدارس بعيدة عن مقر سكن الأم، وأحيانا يلحقهم بمؤسسات تعليمية في أماكن نائية، رغم أن الأم هي الحاضن والمسؤولة عن الرعاية.
ويقضي القانون المعمول به بعدم أحقية الأم، سواء أكانت متزوجة أو مطلقة، في التقديم لأولادها بالمدارس أو نقلهم لمستوى تعليمي أفضل أو الحصول على وثائق رسمية من مؤسسة حكومية، والأب وحده صاحب هذا الحق، مع أنه لا يعيش معهم ولا يعرف شيئا عنهم وأحيانا لا يعنيه أمر تعليمهم.

أسماء عبده: إنصاف الأم المطلقة يتطلب المزيد من الإجراءات
وتكمن المعضلة في وجود مئات الآلاف من الأمهات انتهت حياتهن الزوجية في السنوات الأولى، ولديهن أطفال لم يلتحقوا بمؤسسة تعليمية بعد، وعند بلوغهم سن المدرسة تضطر الأم إلى اللجوء إلى الأب وهي مكسورة وذليلة، ليوافق على إلحاقهم بالتعليم في مكان لائق وآدمي وقريب منها، والكثير من المطلقات تتم مساومتهن نظير الاستجابة، والمشكلة أعمق عندما يسافر الأب أو لا تعرف الأم طريقة للوصول إليه.
وقالت المحكمة في مبررات إنصافها لأن تكون المرأة صاحبة الولاية التعليمية، إن مصلحة المحضون (الطفل) أن يبقى عند أمه، فهي أكثر رحمة وشفقة وعطفا وحنانا وكونها أكثر تفرغا من الأب لرعاية الأطفال، وخاصة البنات اللاتي يحتجن إلى تعلم أمور النساء ولا يفصحن في بعض أمورهن إلا لأمهاتهن، وبالتالي فالأم أحق بالحضانة ومستلزماتها بشؤون التعليم ما لم يطعن في عقلها أو أخلاقها وعفتها طعنا مثبتا.
ودعم القاضي موقفه بتأكيده على أن بعض الآباء يتناحرون بعد الانفصال عن زوجاتهم بشأن اختيار النظام التعليمي للصغار، إما نكاية في الحاضنة أو إشعارها بالذل والهوان لإرغامها على التنازل عما يكون لها من حق، فيتصارع الأبوان على سحب الملفات الدراسية للصغار، إما لنقلهم إلى مدارس بعيدة عن أعين الحاضنة لتعجيزها أو إلحاقهم بمدارس أقل مستوى وجودة، ما يؤثر على نفسية الطفل ويعرضه لخطر التشتت.
وأكد أحمد مصيلحي وهو محام متخصص في القضايا الأسرية أن الميزة الأهم في الحكم هو سريان تطبيقه على كل الحالات المماثلة، ما يعني أن الولاية التعليمية سوف تنتقل تلقائيا إلى الأم بمجرد توثيق الطلاق في السجلات الرسمية، ولن تكون بحاجة إلى السير في إجراءات تقاضي تستغرق سنوات.
وأضاف لـ”العرب” أن القضاء المصري أقر قاعدة تاريخية ترتبط بكون بقاء الصغير مع حاضنته للقيام بتربيته ورعايته وعلى رأس تلك الرعاية تتصدر شؤونه التعليمية، حيث يتحقق له الصفاء النفسي ويجنبه تكرار مشاهد استخدامه كأداة للانتقام والمكائد بين الآباء والأمهات المنفصلين.
وتعج محاكم الأسرة في مصر بقضايا من هذا النوع أمام وجود قرابة 225 ألف حالة طلاق تقع سنويا، وهناك ملايين الأطفال شبوا بعد علاقات زوجية انتهت بالانفصال، ويعيش هؤلاء الصغار في أجواء اجتماعية بالغة الصعوبة جراء النزاعات التي تحدث بين الآباء والأمهات حول الولاية.
وترفض الكثير من المدارس الخاصة في مصر قبول أبناء المطلقات، لإبعاد نفسها عن الخلافات التي تقع بين الأب والأم، وأول سؤال تتعرض له الحاضنة عند التقديم لأولادها بأي مدرسة: أين الأب؟ وإذا أجابت بأنها مطلقة، يُطلب منها ما يثبت حقها في الولاية، لكنها لا تمتلك الوثائق التي تدعم موقفها.
وقالت شيماء محمد لـ”العرب” وهي أم مطلقة لطفلين كانا مرسمين بمدرسة في القاهرة، إنها فوجئت بسحب زوجها السابق أوراق ابنيها وتسجيلهما في مدرسة تبعد عنها بعشرات الكيلومترات، لافتة إلى أن تحكّم الأب في مصير الأولاد بعد الانفصال يضر بهم لتداعياته على حياتهم واستقرارهم التعليمي، وعندما تلجأ الأم إلى القضاء للحصول على حكم يسمح لها بالولاية قد تنتهي مرحلة هامة من مراحل تعليم الصغار الأولى قبل البت في القضية.
ويرى متخصصون في القضايا الأسرية أن حكم القضاء بحق الأم في الولاية التعليمية على أولادها، من شأنه أن يجبر مجلس النواب على إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية المقدم من الحكومة، بحيث يتم تغيير المادة الخاصة بالولاية، من الأب إلى المطلقة، بشكل يحقق مطالب المنظمات النسائية.
تزامن إسقاط القضاء لولاية الأب بعد الطلاق مع تصاعد الغضب النسائي ضد قانون الأحوال الشخصية الذي ينص على حق الأب في الولاية إلى حين فصل المحاكم في كل واقعة على حدة
وأوضحت أسماء عبده وهي استشارية في العلاقات الأسرية أن الأهم من انتقال الولاية على الأبناء إلى المطلقة إخراج الأطفال من دائرة الانتقام والابتزاز التي تتمسك بعض العائلات بوضعهم فيها، باعتبارهم الحلقة الأضعف التي يمكن من خلالها تحقيق مكاسب وممارسة ضغوطات على الأمهات.
وأشارت لـ”العرب” إلى أن إنصاف الأم المطلقة يتطلب المزيد من الإجراءات بإلزام أي مدرسة أن تقبل أولادها لتختفي ظاهرة التمييز والعنصرية تجاه أبناء المطلقات في مصر، ووضع عقوبات صارمة على أي مؤسسة تعليمية ترفضهم حتى لا يكبروا وبداخلهم عداء للمجتمع ويعيشون حياتهم موصومين.
وصار لزاما على وزارة التربية والتعليم أن تستجيب لتنفيذ حكم ولاية الأم المطلقة على أولادها بمجرد حصولها على وثيقة الطلاق، وإلغاء كل قرارات صدرت في الماضي بعكس ذلك، لأن محكمة القضاء الإداري قالت صراحة، إن قرارها نهائيا وباتا ولا يجوز الطعن فيه، ولا يحق لأي جهة رفض تطبيقه.