إقالة وزير الداخلية التونسي تعكر صفو الأجواء بين رئاسة الجمهورية والحكومة

أثارت إقالة رئيس الحكومة التونسية لوزير الداخلية، جدلا واسعا بالبلاد من حيث التوقيت والدلالات، لكونها تأتي في وقت تترقب فيه الأوساط التونسية تنظيم حوار وطني للإنقاذ، فضلا عن كونها تمهّد لإجراء تعديل وزاري أوسع قد يشمل باقي وزارات السيادة التي يتمّ تعيين وزرائها بالتشاور مع الرئيس قيس سعيّد.
تونس – تطرح إقالة وزير الداخلية توفيق شرف الدين، توتر العلاقة مجددا بين رأسيْ السلطة في تونس، وسط ترقب لرد الرئيس قيس سعيّد على المسألة، والذي قد ينعكس على مخرجات الحوار الوطني المرتقب.
ويرى مراقبون أن الإقالة قد تعكر صفو الأجواء من جديد (بين الرئاسة والحكومة)، في وقت تسعى فيه مختلف الأطراف إلى التهدئة والجلوس على طاولة الحوار، بحثا عن حلول للخروج من الأزمات المتفاقمة بالبلاد.
وكشف رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، مساء الثلاثاء، أنّه لم يتلقّ إلى الآن وثيقة مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها الاتحاد العام التونسي للشغل، مع العلم أنّ رئاستي الجمهورية والبرلمان قد تسلّمتا نص المبادرة من المنظمة النقابية الأولى بالبلاد.
وأوضح المشيشي في حوار مع صحيفة محلية “تحدثنا فيها ولكني لم أتلّقاها بشكل رسمي، ويوم أتلقاها سيكون لكل حادث حديث”.
وشدّد المشيشي على أنّ “التعديل الوزاري لوحده والحوار لوحده”، متابعا ”التعديل يخضع للتقييم وأنا بصدد القيام بذلك بشكل يومي وإذا استوجب التقييم التعديل فهذا سيتم بغض النظر عن كل المسارات الأخرى”.
وتابع “ما فهمته من الحوار الوطني أنّ جوهره اقتصادي واجتماعي أما تأثيره على تقييم رئيس الحكومة لوزرائه فلا وجود لذلك أبدا.. ولا علاقة له بالمسار الحكومي”.
وترى أوساط سياسية وحقوقية، أن خبر الإقالة لم يكن مفاجئا، بل يجب الحديث عن مرحلة ما بعد الإقالة، في علاقة بمستجدات الواقع السياسي بالبلاد. ويذهب الكثير إلى كون المعطى السياسي الجديد سيضفي جملة من التغييرات على المشهد مستقبلا.
ويبدو أن الإقالة الممهّدة لتعديل وزاري أشمل، جاءت بمثابة خطوة استباقية من رئيس الحكومة، لمخرجات الحوار الوطني والنتائج التي ستترتب عنه. ويمثل التغيير الحكومي وتعديل القانون الانتخابي، وسيناريو الذهاب إلى انتخابات مبكرة أهم الخطوط العريضة للحوار الذي طال انتظاره.
وأفاد المحلل السياسي باسل الترجمان، أن “الإقالة هي نتيجة لجملة من التراكمات بين رأسي السلطة، والأمر كان متوقعا منذ أيام من خلال نشاط بعض الصفحات المأجورة التي دعت إلى الإقالة”.
وتابع في تصريح لـ”العرب” أن “المشيشي أمام خيارين أحلاهما مرّ، إما أن يجري تعديلا وزاريا للمحسوبين أو القريبين من الرئيس سعيّد ويحوّل حكومته من تكنوقراط إلى حكومة متحزبة، وهكذا سيصبح رئيس الحكومة الذي لا يملك أي نائب أسيرا لهذا الحزام الذي سيسيّره كما يشاء، والتاريخ أثبت وجود رؤساء حكومات لهم حزام سياسي وتم ابتزازهم”.
أما المعطى الثاني فيتمثل في “إجراء المشيشي لتعديل وزاري يبقي فيه على ما تبقى من حبال الود مع الرئيس”، حسب تعبيره.
وزاد بالقول “لا علاقة للحوار الوطني بالتعديل الوزاري، هذا أمر شكلي، بل إن المشيشي يعي جيدا أن أولى مخرجات الحوار الوطني هو التغيير الحكومي وتعديل القانون الانتخابي، وهو يعتبر الحوار بداية نهاية الحكومة”.
وبخصوص ما يفكر فيه سعيّد بعد هذه المعطيات الجديدة التي من شأنها أن تعكّر صفو التواصل بين مؤسستي الرئاسة والحكومة، يرى ترجمان أنه من الصعب التنبؤ بما يخفيه سعيد للحوار . لافتا إلى أن “الحوار الوطني مبني على حسابات الفشل والنجاح الذي تعيشه تونس بعد سبع سنوات من تنظيم آخر حوار وطني في سنة 2013”.
واستطرد “ليس المهم أن نتحدث الآن عن الإقالة بل يجب الحديث عما بعد الإقالة، وعلينا أن ننتظر طرق التصرف السياسي للحكومة والرئاسة”.
وبقطع النظر عن الأسباب التي تقف وراء قرار الإقالة، فإن مشاكل التنسيق والتواصل أصبحت مكشوفة بين سعيّد والمشيشي أكثر من أي وقت مضى، خصوصا وأن تعيين وزير الداخلية على غرار باقي وزارات السيادة يتم فيها التنسيق بين مؤسستي الرئاسة والحكومة.
ودستوريا يعيّن رئيس الجمهورية وزراء الدفاع الوطني والشؤون الخارجية، ويتم التشاور مع رئيس الحكومة لتعيين ممثلي باقي وزارات السيادة على غرار الداخلية والعدل والمالية.
وترى أطراف أن ردود أفعال الرئيس سعيّد ستأخذ بعين الاعتبار مختلف الحيثيات، وتتوقع أن تكون مخرجات الحوار بناء عمّا سبقه، لكن هذه المتغيرات تأتي في توقيت صعب تسعى فيه مختلف الأطراف لإنجاح الحوار رغم تواصل المناكفات والصراعات.
ولاحظ النائب بالبرلمان حاتم المليكي في تصريح لـ”العرب”، أنه “توجد صعوية في التنسيق بين الطرفين، وإذا استمر التوتر هكذا فسينعكس على مشاركة الطرفين في الحوار الوطني”.
وسبق أن دعت أحزاب سياسية مؤيدة لحكومة التكنوقراط -من بينها حزب قلب تونس – إلى إحداث تعديلات في الفريق الحكومي، وجاءت إقالة وزير الداخلية كاستجابة للضغوط التي تقف وراءها الترويكا الحاكمة في البلد (قلب تونس – حركة النهضة – ائتلاف الكرامة).
وأبدت أحزاب رفضها تعيين المحامي السابق توفيق شرف الدين وزيرا للداخلية في حكومة المشيشي خلال تشكيلها في أواخر أغسطس الفائت، واعتبرت أنه من المقربين من الرئيس قيس سعيّد وساعده في حملته الانتخابية.
وقال المليكي “مطلب الإقالة عبّر عنه الحزام السياسي منذ البداية، واستجابة رئيس الحكومة الآن ستكون لها تداعيات على عمل الحكومة والرئاسة. ومن الواضح اليوم وجود شرخ كبير بين السلطتين، وليس هذا الخيار الذي انتهجه المشيشي في البداية”.
وستصعب المستجدات السياسية في تونس في مثل هذا التوقيت بالذات شروط نجاح الحوار المرتقب، خاصة أن الإقالة تتزامن مع أزمة اقتصادية واجتماعية حادة.
وبرأي المليكي فإن “الجانب السياسي للحوار سيكون معقّدا، وستكون هناك معركة قوية لأن كل طرف له توجهاته”.
وتعليقا على تداعيات الصراع على صعيد اقتصادي، يستنتج المليكي أنه “إذا لم يتوفر عامل الجدية في البحث عن مقترحات وحلول، فإن الأمور ستهرب من أيادي صناع القرار لتنتج أزمة اجتماعية وهو ما يعمق صعوبة الأوضاع”.
وتعيش تونس منذ أشهر أزمة سياسية غير معلنة بين الرئيس ورئيس الحكومة بسبب التحالفات السياسية، لكن الإقالة ستجعل على الأرجح الصراع معلنا بين الجانبين، وقد تؤدي إلى محاولات لإسقاط الحكومة.