رئيس حركة النهضة وخصومه يلجأون إلى الإعلام لحسم الخلافات الداخلية

تحوّلت القنوات التونسية ليلة الأحد/الاثنين إلى ساحة يُصفي فيها قياديو حركة النهضة الإسلامية خصوماتهم، وذلك بعد خروج رئيسها راشد الغنوشي في حوار مع التلفزيون الرسمي وجّه فيه أكثر من رسالة للمناهضين له داخل الحركة وخارجها، وتزامن ذلك مع خروج مماثل للقيادي البارز ووزير الصحة السابق عبداللطيف المكي في حوار مع قناة خاصة.
تونس- يعكس خروج رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي والقيادي البارز في الحركة عبداللطيف المكي في حوارين تلفزيونيين مساء الأحد، رغبة ملحة تحدو كليهما في نقل معركتهما الداخلية الدائرة بشأن التمديد للغنوشي في رئاسة الحركة من عدمه إلى الإعلام.
ووجه الغنوشي خلال حوار له مع التلفزيون الرسمي العديد من الرسائل في علاقة بالصراع داخل الحزب وخارجه وكذلك في سياق علاقته برئيس الجمهورية قيس سعيّد، حيث بات رئيس النهضة الذي يرأس أيضا البرلمان التونسي في نفس الوقت يبحث عن مشروعية في الشارع خاصة في ظل الحديث عن فرضية ترشحه لرئاسة تونس في الانتخابات المُقبلة.
ولكن الغنوشي نفى ذلك قائلا “لا أفكر حاليا في الترشح لا للرئاسة ولا لرئاسة حركة النهضة مرة أخرى”، موضحا أنه “تألّم” بسبب احتماء المناهضين له داخل حزبه بالإعلام في مواجهته.
وتزامن حوار الغنوشي مع ظهور إعلامي آخر في قناة خاصة (التاسعة) مع القيادي البارز في النهضة ووزير الصحة السابق عبداللطيف المكي الذي لم يتوان هو الآخر في تمرير رسائل للغنوشي، حيث أكد أنه لا يستبعد الاستقالة من الحزب.
ويأتي هذا الظهور المتزامن لقياديي النهضة في وقت كانت فيه الحركة الإسلامية أكثر الأحزاب انتقادا للإعلام وأدائه، وهو ما يثير الكثير من نقاط الاستفهام وفقا لمراقبين خاصة أن حلفاء النهضة اليوم، ولاسيما ائتلاف الكرامة، يحاولون السيطرة على الإعلام.
وقال المكي خلال حوار مع قناة “التاسعة” الخاصة، إن “استقالتي من النهضة ليست مستحيلة (..) وهي أبغض الحلال”، موضحا “ليس صحيحا أن الشيخ راشد الغنوشي أنقذنا من السجون ومن السيناريو المصري (..) بل هو نقطة ضعف النهضة”.
وتأتي هذه التصريحات في وقت يبدو فيه الصراع داخل الحركة الإسلامية قد بلغ نقطة اللاعودة، وأن الغنوشي بصدد ربح الوقت لمواجهة تحركات “مجموعة المئة” التي تعارض بشدّة ترشحه لرئاسة الحزب مجددا.
ورد الغنوشي بطريقته على رسائل مجموعة المئة، حيث أكد أنه “يؤلمني استقواء البعض بالإعلام ويجب أن يعود النقاش إلى بيت النهضة”، وزاد بقوله “منخرطو النهضة مصدر شرعيتها لا الإعلام”.
ويثير هذا الرد تساؤلات عما إذا كان الغنوشي والموالون له ينوون معاقبة القيادات الغاضبة خاصة أنها تزامنت مع استمرار تشبث ‘الصقور’ بالغنوشي وببقائه، وذلك في سلسلة تصريحات أدلى بها رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني الذي كان قد قدم مبادرة يائسة تستهدف استرضاء الجميع والإبقاء على الغنوشي رئيسا للحزب لسنتين على الأقل.
وعن إمكانية معاقبة المناهضين للتمديد للغنوشي، قال القيادي في الحركة وعضو “مجموعة المئة” زبير الشهودي “إن هذا الكلام فارغ (..) النهضة لها مؤسساتها وسلطاتها على غرار مجلس الشورى وهي جهة تقديرية وهناك هيئات أخرى تأديبية، يعني من يتحدث عن عقوبات هو كلام ليس له أي معنى”.
وأضاف الشهودي في تصريح لـ”العرب” أن “خروجه (الغنوشي) للإعلام يؤكد أنه لم يقدر على استيعاب الخلافات داخل النهضة”، موضحا أن “مجموعة المئة ستفكر في الأيام المقبلة في رد (..) أعتقد أنه سيكون هناك رد مضموني في الأيام المقبلة”، في إشارة إلى تصريحات الغنوشي ومواصلة المماطلة في علاقة بعقد مؤتمر الحزب الحادي عشر.
ورجحت مصادر أن الغنوشي هو من طلب اللقاء على التلفزيون الرسمي بعد إبلاغه بأن للقيادي البارز عبداللطيف المكي مرورا إعلاميا مساء الأحد في قناة أخرى خاصة.
وفي هذا الصدد، قالت المحللة السياسية فاطمة كراي إن “النهضة باتت مثل كل الأحزاب لديها انشقاقات وخلافات خاصة عندما يغيب العدو الوهمي والهدف الموحد فإن الخلافات تهز هذا الحزب (..) أيضا المرحلة التي قاد فيها الغنوشي الحزب وصلت إلى نهايتها حيث لم يعد مقبولا في حزب يدّعي أنه ديمقراطي، وهو لا يوجد ديمقراطية في هذه الأحزاب خاصة عندما يتمركز القرار بيد شخص واحد، أن تبقى القيادة والقرار لشخص، لذلك من البديهي أن نرى هذه الخلافات في العلن وفي الإعلام”.
وأضافت كراي في تصريح لـ”العرب” أن “الغنوشي ربما هو من طلب الحوار على التلفزيون الرسمي وذلك في سياق ردة فعل، وعلى عجل، بعد أن تم إبلاغه بمرور شخص آخر (المكي) في قناة تلفزيونية أخرى وهو يتمسك برأيه لذلك جاء على عجل وقام بهذا الحوار”، موضحة أن “إجاباته لم تكن مستجيبة للأسئلة باعتبار أن خروجه كان يستهدف التواصل لإبلاغ ما يمكن قوله”.
وفي سياق آخر، سعى الغنوشي وفقا لمراقبين من خلال هذا الحوار إلى البحث عن مشروعية في الشارع أو تحسين صورته خاصة وأنه طرح العديد من المبادرات التي تؤشر على استمرار التنازع على الصلاحيات مع الرئيس قيس سعيد.
وقال الغنوشي “لا بد من بعث مبادرات تقسيم الأراضي الدولية على الشباب ومنح قروض للاستثمار، المطلوب في تونس توزيع الأراضي على الشبان وهذا يستحق إرادة سياسية”، مضيفا أن “البلاد مازالت في حاجة إلى التوافق وتعميق وتجذير العيش المشترك (..) طرحنَا قبل الثورة ولازلنا نَطرح مشروع مصالحة وطنية شاملة لا تقصي أحدا وهذا مُمكن لتمضي تونس متخففة من الأحقاد”.
وكان سعيّد قد طرح في وقت سابق مبادرة من أجل المصالحة الجزائية مع رجال الأعمال، لكن الغنوشي أوضح أن المصالحة الوطنية أشمل مما اقترحه الرئيس التونسي.
وفي هذا الإطار علّقت كراي أن “الغنوشي يحاول أن يتماهى مع قيس سعيّد الذي مكنه الشباب من الصعود إلى الرئاسة (..) ولكن السيد الغنوشي ينسى أنه هو من ساهم طيلة 10 سنوات في أن يبرز صوت وشخص سعيّد (..) لماذا لم يقدم الغنوشي ما تحدث عنه البارحة (الأحد) للشعب التونسي منذ 2011.. ليس هناك سؤال عن ذلك ومن يحاسب؟”.
وتابعت المحللة السياسية “الغنوشي قام بحملة انتخابية سابقة لأوانها (..) إنه يريد أن يعلمنا أنه لن يتخلى عن رئاسة حركة النهضة لأنه هو من سيستطيع التعامل مع ‘الغول’ إذا قدم وهي فكرة هلامية (..) لقد أراد أن يقول إنه لا يريد الترشح لكن قد يُناشد وبدأت المناشدات.. الغنوشي على خطى بن علي وبورقيبة”.
ويرى مراقبون أن أزمة النهضة الداخلية ستظل تراوح مكانها إلى غاية الإعلان عن إرجاء مؤتمر الحزب الحادي عشر، وذلك في وقت يبدو الغنوشي، الذي لا يملك قاعدة شعبية تؤهله للوصول إلى كرسي قرطاج، قد بات يفكر في الأمر بطريقة جدية.