هيئة الانتخابات مسرح آخر للصراع بين قيس سعيد والمعارضة

ترفض الهيئة المستقلة للانتخابات أن تكون جزءا من المناكفة السياسية بين الرئيس قيس سعيد والأحزاب المعارضة، وتعتبر أن إشرافها على الاستفتاء الشعبي في يوليو القادم هو جزء من مهامها، وأن لا مبرر لها كي تقاطع مؤسسة رئاسة الجمهورية كما تطالب بذلك المعارضة.
تونس - ردت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس على تحركات من المعارضة تستهدف تحويلها إلى ورقة بيدها في مواجهة الرئيس قيس سعيد من خلال الضغط عليها على مختلف الأصعدة من أجل رفض تنظيم الاستفتاء الشعبي المرتقب في الخامس والعشرين من يوليو وفقا لخارطة الطريق التي حددها قيس سعيد في ديسمبر الماضي.
وأكدت الهيئة على لسان نائب رئيسها فاروق بوعسكر أنها ليست في قطيعة مع رئاسة الجمهورية، وذلك وسط تصاعد الحديث عن الاستفتاء المرتقب خاصة بعد انتهاء المرحلة الأولى من خارطة الطريق بانتهاء مهلة الاستشارة الإلكترونية التي شارك فيها زهاء 500 ألف تونسي.
وقال بوعسكر في تصريح لـ”العرب” إن “الهيئة جاهزة لإجراء الاستفتاء في تاريخه المعلن عنه، التواصل مع رئاسة الجمهورية والحكومة لم ينقطع بعد الخامس والعشرين من يوليو لأنه حتى بصرف النظر عن الاستفتاء المذكور لدينا شهريا تقريبا انتخابات بلدية نجريها”.

فاروق بوعسكر: الهيئة جاهزة لإجراء الاستفتاء، ولسنا معنيين بالمناكفات
وأوضح أن “هيئة الانتخابات بعد الخامس والعشرين من يوليو نظمت 15 انتخابات بلدية وهي من ترسل مشاريع أوامر دعوة الناخبين والرئيس يتولى نشرها، وهناك تنسيق مع الحكومة بخصوص الاعتمادات المالية والتأمين مع وزارة الدفاع ومع وزارة التربية بخصوص مكاتب الاقتراع”.
وبدا كلام بوعسكر وكأنه رد على تحريض أطراف سياسية من قوى المعارضة الهيئة على عدم الإشراف على تنظيم الاستفتاء الشعبي على الإصلاحات السياسية والدستورية التي ستصوغها لجنة لم يكشف بعد الرئيس سعيد النقاب عن أعضائها.
وقبل يومين حث الحزب الدستوري الحر المعارض بزعامة عبير موسي الهيئة على عدم القيام بأي إجراءات لتنظيم استفتاء أو انتخابات خارج القانون والمعايير الدولية وعدم صرفها للمال العام دون وجه حق.
وجاء في بلاغ نشره الحزب أن ”قيام الهيئة بأية إجراءات، سيعرض أعضاءها للتتبعات الجزائية، والطعن في شرعية أي عملية انتخابية غير قانونية”.
ودعا الحزب الهيئة إلى مراسلة رئيس الدولة، لإعلامه بتعذر إجراء الاستفتاء ومطالبته بوثيقة كتابية منشورة للعموم تتضمن قرارا بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة تعتمد كسند قانوني للانطلاق في تنظيم الانتخابات التشريعية.
والدستوري الحر من الأحزاب التي دخلت في مواجهة شاملة في وقت سابق مع حزب حركة النهضة الإسلامية، وأيد في البداية الإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو عندما أطاح بالبرلمان الذي يسيطر عليه الإسلاميون والحكومة المدعومة منهم، لكنه ركز مؤخرا خطابه على التنديد بأي تحرك لقيس سعيد.
وفي تحرك مثير للجدل قالت موسي مؤخرا إن حزبها قرر سحب الشرعية مما تصفه برئيس سلطة تصريف الأعمال، في إشارة إلى الرئيس سعيد.
وقال المحلل السياسي باسل الترجمان إن “الهيئة ردت على أطراف سياسية تحاول الزج بها في مجال المناكفة السياسية لأن الهيئة قادرة على القيام بدورها في تنظيم استفتاء، وهذا أمر تقني، عمل الهيئة عمل تقني لولا بعض الانحرافات من قبل بعض مسؤوليها خاصة في الانتخابات الأخيرة، حيث واجه بعضهم اتهامات بالتعامل مع أطراف حزبية على حساب أطراف أخرى”.
وأوضح الترجمان في تصريح لـ”العرب” أن “دعوات الأحزاب إلى عدم تنظيم الاستفتاء لا قيمة لها، هذا التنظيم يخضع لآليات محددة وتتم أساسا بعد دعوة رئيس الجمهورية”، لافتا إلى أن هذه الدعوات نابعة من خسارة هذه الأحزاب لمواقعها.
وقال إن “كل الأحزاب دون استثناء خسرت مواقعها في الشارع، فهي تعيش قطيعة مع الشارع، والدليل أن كل ما تقوم به من تحركات وتظاهرات يعكس قطيعة مع الشارع، هذا لا يستطيع أن ينكره أحد، الورقة السياسية التي كانت بيدها للمماحكة في المشهد قد خسرتها”.
ووجدت هيئة الانتخابات -التي مثلت في أغلب الأوقات مسرحاً آخر للتجاذبات السياسية في تونس ما بعد ثورة الرابع عشر من يناير 2011- نفسها بين مطرقة أحزاب سياسية تدعو إلى حلها على غرار المجلس الأعلى للقضاء، وتقول بأنها هيئة مخترقة خاصة من طرف حركة النهضة الإسلامية، وبين سندان أحزاب أخرى تضغط عليها لعدم الاستجابة لقرارات رئيس الجمهورية.
ويعتبر بوعسكر في تصريحه لـ”العرب” أن “الهيئة تعمل بصفة عادية وطبيعية ولم نلاحظ أي خطاب رسمي في ما يخص حل الهيئة، نحن مؤسسة من مؤسسات الدولة ونتبع مواقف الدولة الرسمية، والمؤشرات تدل على أن هناك تعاونا وتواصلا مع مؤسسات الدولة، وحتى في علاقة بالمواعيد الانتخابية القادمة راسلنا وزارة المالية للتحضير للمواعيد الانتخابية المعلن عنها وإجابة الوزارة كانت إيجابية، فقد قبلت بتمويل الهيئة”.

باسل الترجمان: دعوات الأحزاب إلى عدم تنظيم الاستفتاء لا قيمة لها
وشدد على أن “ما يُقال من مواقف سياسية شيء والمواقف الرسمية شيء آخر، هناك مواقف سياسية مبالغ فيها تدعو إلى حل الهيئة، وهي دعوات غير مسؤولة. في المقابل هيئة الانتخابات تقوم بعملها في إطار القانون وهناك محكمة إدارية تراقب عملها، ويبدو لي أن الأحزاب السياسية بصدد تسجيل مواقف سياسية أكثر منها مواقف قانونية، الهيئة غير معنية بذلك، نحن نشتغل وفق القانون ومن حق الأحزاب التعبير عن آرائها وبياناتها”.
وفي فبراير الماضي أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن الشروع في وضع القائمات الأولية للناخبين بمقراتها الفرعية أو بمقرات المعتمديات بالنسبة إلى الناخبين المسجلين في الداخل وبمقرات البعثات الدبلوماسية في الخارج بالنسبة إلى الناخبين المسجلين في الخارج، مؤكدة أنها جاهزة للإشراف على الانتخابات من الناحية اللوجستية والتقنية والفنية، وأوضحت أنها سبق وأن نظمت مواعيد انتخابية بعد 2011.
وفي منتصف ديسمبر الماضي أعلن الرئيس سعيّد عن جملة من القرارات تتمثل في الإبقاء على المجلس النيابي معلقا أو مجمدا إلى تاريخ السابع عشر من ديسمبر 2022 موعد تنظيم انتخابات نيابية مبكرة وفقا لقانون الانتخابات الذي سيتم تنقيحه.
كما أعلن أنه مع مطلع يناير سينطلق تنظيم استشارة وطنية إلكترونية إلى غاية العشرين من مارس (وقد انتهت ولم تكن المشاركة في مستوى ما كان متوقعا)، وستتولى لجنة تتكون من خبراء تأليف مختلف المقترحات التي سيعبر عنها التونسيون حتى نهاية يونيو القادم، على أن ينظم الاستفتاء في الخامس والعشرين من يوليو 2022، وهو يوم عيد الجمهورية.