مشروع "معاش الطفل" وسيلة الحكومة المصرية لمحاصرة التسرب المدرسي

أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي في مصر مشروع "معاش الطفل"، لمحاصرة ظاهرة التسرب المدرسي وتحجيم دائرة الأمية. ويستهدف المشروع، الصغار من مجهولي النسب وأبناء دور الأيتام والمطلقة والعائلة دون دخل ثابت وأبناء السجناء. وأصبح يتم صرف إعانة شهرية لكل طالب لا تسمح ظروفه الأسرية بدخول المدرسة. ويصل أعداد الأطفال الذين تم رفع عبء تعليمهم عن الأسرة نحو عشرة ملايين، كان أغلبهم لا يلتحق بالمدرسة، لأسباب اقتصادية.
القاهرة – عدّلت الحكومة المصرية من تعاملها مع الأسر التي تضطر لحرمان أولادها من التعليم، وتدفعهم إلى التسرب تحت ضغوط نفسية واقتصادية واجتماعية، وقررت أن تتحمل فاتورة تعليم شريحة كبيرة من الأطفال الذين دفعتهم الظروف القاسية للتسرب من التعليم لتحجيم دائرة الأمية.
ويُوجه الدعم المالي الجديد لمساعدة الصغار على استكمال تعليمهم، حيث أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي مشروع “معاش الطفل” قبل أيام، بحيث يتم صرف إعانة شهرية لكل ابن أو ابنة لا تسمح ظروفها الأسرية دخول المدرسة.
ويستهدف المشروع الصغار من مجهولي النسب وأبناء دور الأيتام والمطلقة والعائلة دون دخل ثابت وأبناء السجناء، مع تحمل الحكومة مصاريف تعليم أولاد البسطاء الذين يتلقى آباؤهم وأمهاتهم دعما نقديا من الدولة، مثل المندرجين بقوائم مشروع “تكافل وكرامة” الاجتماعي، ومن ليس لهم مصدر للرزق أو انقطعوا عن العمل.
ويصل أعداد الأطفال الذين تم رفع عبء تعليمهم عن الأسرة نحو عشرة ملايين، وهؤلاء كان أغلبهم لا يلتحق بالمدرسة أمام الظروف الاقتصادية الصعبة، ومع إعادة الكثير من الأسر ترتيب أولوياتها بما يتناسب مع الدخل الشهري، مقارنة بارتفاع الأسعار، تحول التعليم إلى قرار استثنائي وليس هدفا أساسيا.
ووفق آخر إحصاء حكومي، بلغ عدد المتسربين من التعليم في مصر عام 2018، نحو مليون ومئتي ألف طالب وطالبة، منهم نحو 321 ألفا يفترض أن يكونوا مدرجين بقوائم المرحلة الابتدائية، و451 ألفا في المرحلة الإعدادية و349 ألفا في الثانوية العامة (البكالوريا) والمدارس الفنية.
وترى الحكومة أن تحمل نفقات التعليم للملايين من الأطفال سوف تكون تبعاته الاقتصادية على الدولة أقل بكثير من ترك هؤلاء يتسربون ويشكلون قنبلة موقوتة في وجه المجتمع مستقبلا، حيث ترتفع نسبة الأمية لأرقام قياسية، وتزيد معدلات الزواج المبكر بشكل تصعب السيطرة عليه مهما بلغت العقوبات المخصصة لمكافحته.
اتساع دائرة التسرب يؤسس لكيانات أسرية لا تؤمن بالتعليم كهدف مقدس ويترتب على ذلك اكتساب ثقافات هدامة
وتقدم الإعانات الشهرية لأسرة الطفل بناء على جديتها في تعليمه، وليس لغرض آخر مثل توجيه الأموال لمخصصات أخرى، كما أن الصغار لن يتأثروا بالظروف التي نشأوا في محيطها، مثل قرار انفصال الأب والأم.
ويأتي الدافع الاقتصادي على رأس الأسباب التي تؤدي إلى تسرب الأولاد من المدارس، وهو ما تطرقت إليه الحكومة، بعد دراسات مستفيضة استعانت خلالها بفرق بحث ميدانية التقت العديد من الأسر، ورفعت تقاريرها إلى الحكومة للبحث عن حل واقعي.
ويريد هذا التوجه مخاطبة الشريحة التي تحرم أولادها من التعليم بلغة المال، باعتباره المتحكم الأول في قرارات غالبية الأسر، فكثير منها لا تعلّم صغارها ليلتحقوا بالعمل في حرفة تناسب أعمارهم.
وتعتبر الشروط التي حددتها وزارة التضامن الاجتماعي ميزة حصول الطفل على معاش شهري يساعده على توفير مستلزمات الدراسة، ويكفي تقديم ما يثبت أن هذا الصغير ليس لديه مصدر دخل ثابت، وبعدها يحصل مباشرة على القيمة المادية التي تصل إلى مئتي جنيه شهريا (12 دولارا)، وهو مبلغ معقول إذا ما قورن بتكلفة التعليم في المدارس الحكومية.
وقال رضا حجازي نائب وزير التربية والتعليم، لـ”العرب”، إن الحكومة لا ترغب في وجود طفل واحد متسرب من الدراسة، لأن كل صغير لم يتعلم سوف يؤسس أسرة ويكون مسؤولا عن أبناء ويجهل أبجديات التربية سوف يورث الأمية لأولاده.
وأشار إلى أن قاعدة المستفيدين اتسعت لإغراء الأسر على إلحاق الأبناء داخل المؤسسة التعليمية، وهم لا يرهقون أنفسهم لتوفير المصروفات، ويكفي عدد الأميين الذين يصعب إقناعهم بخطط التطوير والتنمية، لأن عقولهم توقفت عند مرحلة بعينها.
ويبدو أن القائمين على ملف عودة المتسربين إلى التعليم، غيروا نهج التعاطي مع الأسر البسيطة كليّا، فقد كان الاعتماد على فرض عقوبات على الأهالي الذين يمنعون أولادهم من التعلم، بالتلويح بحرمانهم من الدعم وتقليص الخدمات المجانية لهم.
لكن ذلك لم يحقق الغرض، فجاءت فكرة عدم معاقبة الطفل على ظروف أسرته أو قراراتها الخاطئة التي قادت الأب والأم للسجن أو الطلاق أو الاستسلام لتبعات الفقر.
وقال ياسين محمد، وهو حارس عقار بالقاهرة، إنه يجهل مشروع وزارة التضامن، ولم يستفد من تسهيلات الحكومة بتحمل تكلفة أبناء الأسر، مع أن لديه أربعة أبناء لم يتعلموا، ومفترض أنهم في مراحل دراسية من الصف الأول حتى الرابع الابتدائي.
وأضاف أن الكثير من الأسر غير المقتدرة ماديا تستسهل تسريب أولادها من المدارس أمام صعوبات الحياة، ولو كانت تعرف أنها لن تتحمل تكلفة تعليمهم لتغيرت نظرتها.
وبعد أن علم بأبعاد المشروع الجديد، قرر السير في إجراءات حصول أولاده على معاشات شهرية تضمن لهم تحصيل القراءة والكتابة على الأقل، ما يعكس أن تقديم الدولة مساعدات مادية لن ينهي الأزمة، لأنها ثقافية أكثر منها اقتصادية.
ويشمل الدعم الحكومي توفير مستلزمات المدارس من أدوات مكتبية وملابس وغيرها، من خلال جمعيات أهلية تتشارك مع وزارة التضامن للحد من التسرب التعليمي.
وهناك خطة أخرى لتخصيص مبلغ مادي من البنوك الحكومية للأسر البسيطة لإعانتها على تدبير أمورها، على أن يتم سداده بفوائد بسيطة، بحيث تقيم مشروعا يدر عليها دخلا معقولا، مقابل ترك الأبناء يتعلمون ووقف تسريبهم بهدف العمل.
وتتضمن الخطة عدم وضع شروط خاصة بالسن للعائدين من الشارع إلى المدرسة، ومهما كانت أعمارهم، فسوف يتم قبولهم، على أن يتم تعويضهم بما فاتهم من دروس مضت خلال السنوات التي كانوا خلالها خارج حقل التعليم.
ويقي الاستثمار في الصغار المجتمع من انتكاسات أسرية مستقبلية لا حصر لها، ويكفي أن الفكر المتطرف لن يتسلل إلى عقولهم أو يتم دفعهم للزواج المبكر الذي يرتبط، صعودا أو هبوطا، بالتسرب التعليمي.
ورأى أحمد مصيلحي رئيس شبكة الدفاع عن الطفل، أن احتواء أبناء الآباء السجناء ومجهولي النسب والمطلقين والبسطاء وتحمل فاتورة تعليمهم، يحمي المجتمع من أن تكون بين فئاته شريحة من أرباب الأسر لاحقا، أعداء للبيئة المحيطة بهم، وينظرون لمن حولهم بكراهية وتخطيط للانتقام، لأن المجتمع لم يرحم قسوة الحياة عليهم.
وأكد لـ”العرب” أن اتساع دائرة التسرب يؤسس لكيانات أسرية لا تؤمن بالتعليم كهدف مقدس وما يترتب على ذلك من تصرفات واكتساب ثقافات هدامة، والخطر أن يتلقى هؤلاء ثقافتهم الحياتية من الشارع، ولا يكون لديهم الحد الأدنى من المعرفة بالتكوين الأمثل للعائلة.