رهان خاسر على نجومية البطل

عادت دور العرض المصرية للعمل على استحياء بعد انقطاع استمر لأشهر بسبب انتشار فايروس كورونا، غير أنها عودة خجولة مصحوبة بعروض سينمائية متواضعة على المستوى الفني، تعيد إحياء ما كان يسمى بـ”أفلام المقاولات” التي تقدّم سينما تدغدغ مشاعر الجمهور وكفى.
القاهرة - تعرض قاعات السينما المصرية حاليا فيلم “زنزانة 7”، من تأليف حسام موسى، وإخراج إبرام نشأت، وبطولة أحمد زاهر ونضال الشافعي ومنة فضالي وعبير صبري.
وهو فيلم تدور أحداثه في إطار من الإثارة والرعب، حيث يقدّم نضال شافعي شخصية منصور البلطجي، بينما يجسّد أحمد زاهر شخصية حربي، ويلتقيان في السجن وتتوطّد صداقتهما ثم تتحوّل إلى صراع على مدار أحداث الفيلم.
يبدو الفيلم استثمارا لنجاح أحمد زاهر ضمن أحداث مسلسل “البرنس” مع محمد رمضان، والذي عرض في رمضان الماضي، وجسّد فيه زاهر دور الأخ الذي تتّسم شخصيته بالشر المطلق، وحقّق نجاحا لافتا.
ربما هذا ما دفع صناع فيلم “زنزانة 7” إلى استكماله بعد توقف وتأجيل استمر نحو عامين، استغلالا لنجاح زاهر، الذي انتقل من مصاف “السنيد” (الممثل المساعد) إلى البطولة المطلقة.
وقد يشكّل الفيلم إنقاصا من هذا الرصيد بعد ارتفاع أسهم زاهر، الذي كان قاب قوسين أو أدنى من أن يكون البطل الأول، حيث ألقى دوره في مسلسل “البرنس” بظلاله على أدائه في “زانزنة 7” فخرج متشابها في الانفعالات والتشنج والصراخ، ولم يحقّق النجاح ذاته، ولا يتحمل زاهر مسؤولية ذلك بمفرده بل يشاركه المخرج الذي غابت رؤيته وتوجيهاته.
قصة تقليدية مفكّكة
بدا فيلم “زنزانة 7” خاليا من العناصر الفنية العميقة، مستندا إلى قصة تقليدية وضعيفة في الحبكة الفنية، وجاءت الأحداث ركيكة وغير منطقية، ما جعل صناعه يلجأون إلى الاعتماد على مشاهد “الأكشن” بشكل مبالغ، وفي غير موضعها أحيانا، وجاء استخدام المؤثرات الصوتية بشكل متواصل لتعميق الإحساس بالحركة المفتعلة طوال أحداث الفيلم.
تتوالى الأحداث غير المتطابقة، فيواجه البطلان جيشا من مفتولي العضلات المدججين بالسلاح ليتمكنا من القضاء عليهم خلال مهاجمتهم لقرية سياحية.
تكرّرت الهجمات المسلحة في المنتجع السياحي خلال أكثر من مشهد في غياب تام لقوات الأمن الرسمية، في إخلال واضح بالواقع، حيث تحظى تلك المنتجعات بالتأمين الشديد.
ودون تبرير مقنع تخون الفنانة منة فضالي حبيبها حربي، فتعشق صديقه المقرب منه، مع أن الأول ساندها وأحبها بصدق وانتشلها من التشرّد. وتم استخدام القصة لإضفاء مسحة من الرومانسية على الأحداث، لكنها خرجت باهتة.
وجسّدت منة فضالي ضمن أحداث الفيلم دور راقصة شرقية، ويختلف عن طبيعة أنماط أدوارها السابقة، وجاء حضورها باهتا، فلم تجد التمثيل ولم تكن مقنعة في الرقص، ولم تبذل جهدا يؤكّد واقعيتها وتقنع به الجمهور أنها محترفة، ولو عبر تدريبات أولية لأساسيات الرقص الشرقي، فخرجت مشاهدها القليلة كأنها حركات بهلوانية لا تليق براقصة يفترض أنها محترفة ويتحمل هذا الذنب المخرج أيضا، الذي كان بإمكانه توجيهها.
الفيلم بدا استثمارا لنجاح أحمد زاهر ضمن أحداث مسلسل "البرنس"، لكنه لم يحقّق لبطله التوهّج المنتظر
وجاء حضور الفنانة اللبنانية مايا نصري ثقيلا بالتوازي مع أداء تمثيلي بارد تشابه مع أدوارها السابقة، فعلى مدار سنوات أخفقت في تطوير قدراتها التمثيلية.
واعتمدت الفنانة عبير صبري على أنوثتها المعتادة في كل أعمالها لتجسّد دور الشريرة المحترفة بإيحاءات جذابة لا تختلف كثيرا عن أدوراها السابقة، لكن كانت أكثر حضورا على مستوى البطولة النسائية للفيلم.
كما حاول صناع الفيلم زيادة جرعة المرح عبر إقحام مشاهد أو مواقف كوميدية من خلال المشاهد التمثيلية للفنان الكوميدي مدحت تيخة، بغية انتزاع ضحكات الجمهور، لكنها جاءت بائسة وتحوّلت إلى “استظراف”.
أرغمت أزمة كورونا عددا من صناع الأفلام إلى إطلاق عروضها عبر المنصات الرقمية، مثل فيلم “صاحب المقام” و”الحارث”، وجاءت النتيجة بخسائر فادحة، إذ لم يمنع العرض عبر المنصات ذات الدفع المسبق من قرصنتها وانتشارها خلال ساعات عبر مواقع مجانية على الشبكة العنكبوتية، لتكون متاحة لكل الجمهور دون الحاجة للاشتراك.
لكن صناع فيلم “زنزانة 7” نجوا من هذا الفخ، فعلى الرغم من العودة المتواضعة للجمهور إلى دور العرض السينمائي، إلاّ أنهم فضلوا عرضه سينمائيا وليس عبر المنصات الرقمية، وابتعدوا به عن القرصنة والخسائر الفادحة الناجمة عن ذلك، واقترب الفيلم من تحقيق 2.5 مليون جنيه (نحو 160 ألف دولار أميركي) فى شباك التذاكر بعد أسبوعين من طرحه فى دور العرض السينمائية. وهو رقم جيد، مقابل المستوى المتواضع للفيلم.
وحمل الفيلم تصنيفا عمريا “+12” من جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، ويبدو أن صناع الفيلم راهنوا على فئة المراهقين، وجرى تنفيذه ليلائم هذه المرحلة العمرية، فهو لا يحتوى على ألفاظ خادشة أو مشاهد جريئة للحفاظ على تصنيف المصنفات الفنية.
وانصب رهان صناع الفيلم على عدم خسارة هذه الشريحة العمرية، التي قد تبحث عن المطاردات على حساب الأحداث والجماليات الفنية والسينمائية، فكان الرهان في محله، حيث طغى على حضور العروض السينمائية المراهقون.
تأثر بالفيلم التركي
اعترف مؤلف الفيلم وصاحب القصة والسيناريو الحوار حسام موسى، أنه جرى تغيير عنوان الفيلم من “المحترف” إلى “زنزانة 7”. وبدا العنوان غير ملائم للأحداث، فلم تظهر الزنزانة خلال الفيلم إلاّ ضمن مشهد في بداية الأحداث، حين تم التعارف بين بطلي الفيلم وتم احتجازهما سويا فى أول المشاهد داخل هذه الزنزانة.
ولم يكن استبدال عنوان الفيلم عرضيا، بل اشتقاق واستغلال لنجاح فيلم تركي يحمل عنوانا مشابها هو “معجزة الزنزانة 7”، ونجح ذلك في إثارة الجدل، وروّج المتابعون أن الفيلم المصري مأخوذ عن قصة الفيلم التركي، على خلاف الحقيقة، وأسهمت الشائعة في إثارة الجدل حول الفيلم وبقائه تحت الأضواء، وربما كان ذلك من أسباب إقبال الجمهور عليه.
و”معجزة في الزنزانة 7” من إنتاج عام 2019 وعرض على شبكة نتفليكس، وصنف على أنه الأكثر مشاهدة في تركيا العام الماضي، وحقّق أرباحا بنحو 15 مليون دولار، ولاقى نجاحا جماهيريا عربيا ودوليا، وتدور الأحداث حول اتهام رجل فقير ومريض ذهنيا بقتل ابنة قائد عسكري وإجباره على الاعتراف ومحاكمته ظلما.
وجرى تصوير الفيلم المصري في القاهرة ومدينة الغردقة المطلة على البحر الأحمر، وحاول مخرجه إضفاء بعض المشاهد الجمالية للبحر عبر استخدام تقنية التصوير بـ”الدرون”، فخرجت مشاهد لافتة وجذابة، واستخدم في مشاهد أخرى حركة كاميرا غير مناسبة، حيث تتبّعت بعض الممثلين بشكل يجعل المشاهد يرى اهتزازات غير مبرّرة في الكادر وإيقاعات لاهثة ومرهقة للعين في غير محلها.
وأدّى غياب رؤية المخرج إبرام نشأت الخاصة إلى خروج العمل بصورة بدت مترهلة بعض الشيء، للإصرار على اللجوء إلى شخصيات مفكّكة. وبدأت مسيرة نشأت الإخراجية عام 2013، ومن أفلامه “ظرف صحي” و”عمود فقري” و”هروب مفاجىء”، وتتشابه جمعيها في السطحية وغياب البصمة الفنية.
واستدعى الفيلم إلى الأذهان فترة راجت خلالها أفلام حملت اسم “الخلطة السبكية”، نسبة إلى المنتج أحمد السبكي، والتي تعتمد على مجموعة من مشاهد الأكشن والمخدرات، والممثلات الجميلات والمشاهد الراقصة، وتضمن هذه الأفلام خلطة سمّيت بـ”أفلام مقاولات” التي انتشرت في مصر خلال فترتي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وجاء “زنزانة 7” ليُعيد الحياة إليها حاليا، فهل نرى موجة جديدة منها، أم ستستيقظ السينما المصرية قبل أن تتراكم عليها
الأزمات؟