كواليس الجلسة الافتتاحية: مؤشرات متباينة بشأن فرص نجاح الحوار في مصر

تضمنت كواليس الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني في مصر مؤشرات متباينة بشأن فرص نجاحه. ففي حين تمنح مشاركة شخصيات وازنة إضافة إلى وجود رموز من ثورة يناير جدية للمحادثات، ينظر مراقبون بتوجس لنوايا الحكومة التي مازالت تعارض بعض الشروط وفي مقدمتها إطلاق سراح سجناء الرأي.
القاهرة - ما يعقب الجلسة الافتتاحية لاجتماعات الحوار الوطني في القاهرة التي عقدت الأربعاء سيكون أكثر أهمية، لأنه يكشف إلى أيّ مدى يمكن أن يصبح الحوار بين قوى معارضة ومؤيدة للحكومة وطيف واسع من المحايدين مدخلا جيدا لإصلاحات تحتاجها مصر على المستويات السياسية والاقتصادية والمجتمعية، وفقا لتكليف الرئيس عبدالفتاح السيسي بإطلاق وثيقة الحوار الوطني منذ نحو عام.
ولذلك فقراءة الكلمات والتصريحات وكواليس ما جرى في الجلسة الافتتاحية ومن حضروها يمكن أن تساعد في استشراف مصير الحوار، لأن جانبا كبيرا من الكلمات التي تضمنها اليوم الأول للحوار جاء معبرا عن آلام سياسية تخللت السنوات الماضية، وما يقتضيه الواقع من تصحيح واسع لكل ما تضمنته من أخطاء.
وحددت الكلمة التي ألقاها الرئيس السيسي في الجلسة الافتتاحية عبر الفيديو كونفرنس جانبا مهما من ملامح الفترة المقبلة، حيث دعا إلى بذل الجهود لنجاح التجربة واقتحام المشكلات والقضايا وإيجاد حلول لها، مؤكدًا دعمه المستمر للحوار وتقديم كافة سبل الدعم له، وأعلن عن تطلعه للمشاركة بنفسه في مراحله النهائية.
وحضرت الجلسة الافتتاحية وجوه من مشارب مختلفة، بعضها كانت قد توارت عن المشهد العام على مدار السنوات الثماني الماضية، وأثار حضور شخصيات مثيرة للجدل الاستغراب والاستنكار أحيانا، مثل دعوة رئيس نادي الزمالك للألعاب الرياضية المعزول مرتضى منصور.
بينما اعتبر غياب السياسي البارز والقيادي بالحركة المدنية حمدين صباحي، وهو أحد الأذرع الرئيسية للحوار الوطني، مقصودا وأشبه بـ”الغياب السياسي” الذي يستهدف إيصال رسالة معينة، وهو الأمر الذي فنده صباحي عندما أرسل كلمة مكتوبة للجلسة الافتتاحية، أرجع غيابه فيها إلى وفاة شقيقته الكبرى.
خروج على النص
اللافت أن الكثير من الكلمات التي ألقيت خرجت عن النص المتعارف عليه، حيث قامت على الجرأة والمصارحة والمكاشفة بالأزمات الحالية في مصر، وبينها كلمة الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية والمرشح الرئاسي السابق عمرو موسى.
وبدا حضور عمرو موسى بصفته رئيس لجنة الخمسين لكتابة دستور 2013 مفاجئا للكثيرين، لأنه ظل غائبا عن الساحة السياسية في السنوات الماضية، وتضمن خطابه عبارات جريئة وذكية، صاغها بطريقة دبلوماسية، خاصة أنه أثار عددا من القضايا المهمة المسكوت عنها، وطرحها في شكل تساؤلات على الرأي العام المصري، بينها المخاوف من الوضع الاقتصادي والديون والغلاء والتضييق الأمني وملف الحريات وختم كلمته بضرورة تصفية ملف المحبوسين احتياطيا وفتح الباب أمام حرية الرأي والتعبير، فحاز تصفيقا حارا من الحضور بعد أن ظهر حديثه شفافا.
وفسر عمرو موسى مغزى كلماته الجريئة أمام الجلسة الافتتاحية في تصريح خاص لـ”العرب” قائلا “لم يكن هناك حوار، وأنا الآن أتحدث ونحن في إطار حوار وطني والموضوعات التي تناقش من خلاله، وفي إطار أن الحوار لا يفسد للوطن قضية طالما جاء متسقا مع ما يقوله الناس أو يشعرون به، وهذا ما أخذته في اعتباري عند طرحي لموضوعات حيوية على الرأي العام”.
وأضاف “المكاشفة هي بداية لنجاح الحوار، والذي لا بد أن يكون صريحا وجديا، وأشعر أنني أسهم في جدية الحوار الوطني المنعقد حاليا”.
وحول دوره خلال الفترة المقبلة، قال وزير الخارجية المصري الأسبق لـ”العرب”، “ليس لديّ ما أقوله سوى أنني كنت في الحوار وتحدثت في إطاره وطرحت الموضوعات التي أرى ضرورة عرضها ونقاشها لتكون على جدول أعمال الحوار الوطني، لتخرج آراء وتوصيات تُرفع إلى رئيس الدولة والحكومة والبرلمان، فالكل منشغل بالقضايا المصيرية التي يسأل الناس عنها، وتثير قلقهم، والحديث بالنسبة إليّ في مثل هذه الأمور يجب ألا يتعدى الإطار الذي تم فيه، وهو الحوار الوطني”.
وجاءت كلمة مستشار الحوار الوطني حسام بدراوي قوية ومنظمة ومعبرة عن وثيقة مرجعية مهمة يمكن البناء عليها والعمل على تنفيذها مستقبلا، حيث تطرق فيها إلى محظورات ومصطلحات غاب ذكرها عن المحافل الرسمية منذ سنوات، بينها ما يخص قضايا سياسية، مثل التداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات وحرية التعبير وشروط الدولة المدنية وفتح باب التعددية والعدالة والتطبيق غير الانتقائي للقانون، وضرورة وصول الأكفأ إلى المواقع التنفيذية وتحديد فترات للحكم.
وبعد أن وجه بدراوي التحية إلى القوات المسلحة المصرية، طالب بعدم وضعها سياسيا أمام مسؤولية تحدي التنمية، فتفقد قيمتها المرجعية في حال الخروج عن الدستور والشرعية أو الثورات إذا استدعاها الشعب، والحفاظ على دورها في استقلال مصر ضد أيّ عدوان، وحماية الشعب والدستور عند الاحتياج، وطالب بإيجاد صيغة تحترم توازن القوى ولا تهدر قواعد الدولة المدنية الحديثة.
مشاركة على المحك
ولاقت كلمة رئيس الحزب المصري الديمقراطي فريد زهران أحد أطراف الحركة المدنية الديمقراطية استحسان المتابعين، إذ أشار إلى أن جزءا أساسيا من الأزمة التي تواجه البلاد تكمن في سياسات وممارسات ومواقف اتخذها النظام، وأن هناك بدائل وخيارات أخرى، ومن الضروري فتح باب حرية الرأي والتعبير لبلورة بدائل، وإجراء انتخابات نزيهة، معترفا أنه يشارك، على الرغم من أن البعض من الضمانات المهمة التي تم الاتفاق عليها مع الجهات الداعية والراعية للحوار لم تتحقق، وشارك كي لا يقال إنه كان هناك احتمال لمخرج ولم يتم استغلاله.
وتعتبر الحركة المدنية الديمقراطية (معارضة) طرفا أساسيا في الحوار الوطني منذ أن تمت الدعوة له من قبل الرئيس السيسي، وتعرضت لهجوم وانتقادات من قطاعات واسعة، بينها أعضاء في الأحزاب المشكلة منها، وشخصيات سياسية متعددة بسبب مشاركتها في الحوار الوطني دون توافر كل الضمانات التي طالبت بها، في مقدمتها الإفراج عن معتقلين سياسيين، وزاد عليها القبض على أعضاء فيها قبل أيام قليلة من انطلاق الحوار.
وكان هناك اتفاق مبدئي من جهات حكومية مع الحركة المدنية على خروج جميع المحبوسين، وبدء إجراءات إطلاق حرية التعبير قبل انطلاق جلسات الحوار الوطني، لذلك لم تحسم الحركة المدنية مشاركتها في الحوار إلا في اللحظة الأخيرة.
الحركة المدنية الديمقراطية تعتبر طرفا أساسيا في الحوار الوطني منذ أن تمت الدعوة له من قبل الرئيس السيسي
وكشفت مصادر لـ”العرب” أن بعض أعضاء الحركة المدنية رأوا في المشاركة ضمانا للتفاوض والعمل على خروج المعتقلين، وفقا لوعود تلقتها الحركة من بعض المسؤولين عن الحوار، وبالفعل خرج بعض المحتجزين صبيحة انطلاق الجلسة الافتتاحية للحوار، لكن جرى اعتقال آخرين من أقارب القيادي بالحركة أحمد الطنطاوي الذي أعلن عزمه الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بما يوحي بوجود ارتباك داخل الحكومة في التعامل مع مسألة الحوار.
كما أن وجهة نظر بعض قيادات الحركة المدنية تأتي من عدم غلق الباب أمام أيّ محاولة للإصلاح السياسي يمكن حدوثها خلال مرحلة الحوار عبر التفاوض، إلى جانب تعديل قوانين الحبس الاحتياطي المجحفة.
وأكدت مصادر أخرى داخل مجلس أمناء الحوار لـ”العرب” أن تعديل قانون الانتخابات أحد مخرجات الحوار الوطني، “وأن السلطة أبدت موافقتها على ذلك، وطرحت القيام بتعديله قبل انطلاق الجلسة الافتتاحية كبادرة حسن نوايا من جانبها”.
وضمت جلسة الافتتاح ظهور بعض الشباب من رموز ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، والذين غابوا عن الساحة السياسية عمدا أو قسرا الفترة الماضية، بينهم مؤسس حركة 6 أبريل أحمد ماهر وإسراء عبدالفتاح والإعلامي خالد تليمة، ومن أبرز الوجوه المعارضة ومفاجأة الحضور غير المتوقعة للناشط الحقوقي المعارض حسام بهجت.
الحاجة إلى تصورات جديدة

قال خالد تليمة لـ”العرب” إن انطلاق الحوار الوطني خطوة مهمة، ويحدونا أمل كبير أن تكون النوايا صادقة ونحصل على مخرجات حقيقية، وتتم ترجمة الكلام المطروح في الحوار لسياسات تخدم الناس، “نحن في حاجة إلى طريقة حكم مختلفة وتصورات سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة”.
وأكد على ضرورة إطلاق حرية الرأي والتعبير، وثمة حاجة إلى حسم ملفات مهمة مثل سجناء الرأي، ووقف الاستباحة الأمنية لمن يعبّرون عن آرائهم، ونريد خروج المحبوسين وعدم دخول آخرين، وحتى هذه اللحظة لم تتوقف عملية التوقيف.
وأوضح تليمة لـ”العرب” أن هناك وعودا بالتوقف عن الممارسات الأمنية السلبية، “قبلنا المشاركة لأنه يحدونا الأمل الكبير أن الحوار الوطني سيكون القناة التي من خلالها سيتوقف ذلك النهج، وإذا لم يتوقف سيكون الأمر محرجا لنا كمعارضة وللدولة، واستمرار القبض على الناس بسبب آرائهم شهادة وفاة للحوار الوطني”.
وقبل انطلاق الحوار، أعلنت إدارته عن لقاء جمع المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان مع عدد من الشخصيات السياسية، بينها تليمة ومؤسس حركة 6 أبريل أحمد ماهر وباسل عادل وغيرهم من الشخصيات المحسوبة على المعارضة.
وجاء التفسير في الأوساط السياسية أن هذه الشخصيات بديل أعدته السلطة للمشاركة في الحوار إذا قررت الحركة المدنية عدم المشاركة في الحوار أو انسحابها منه مسقبلا، لتتجنب السلطة أيّ حرج داخلي وخارجي.
وأشار خالد تلمية لـ”العرب” إلى احترام الحركة المدنية، والتمسك بألا يبدأ الحوار من دون مشاركتها، لأنها تعبير حقيقي عن المعارضة المنظمة في مصر، “ولا يمكن القبول أن أكون بديلا لها، فأنا فرد ولو هناك جمهور وشريحة منه تصدقني”.
وألقى تأخر انطلاق الحوار الوطني بمخاوف عدة على مدى فعاليته، إذ استغرق الإعداد له نحو عام كامل.
وقال البرلماني وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني أحمد الشرقاوي لـ”العرب” أتمنى أن تكون “جلسات الحوار أهم مما دار في الإعداد والتجهيز، والوصول إلى تفاهمات وتوافقات تجعل إدارته تنطلق من قواعد متينة بين القوى السياسية”.
وسادت هواجس البعض في أروقة الجلسة الافتتاحية بعد القبض على عدد من أعضاء الحركة المدنية بما يؤثر على جدوى الحوار الوطني، خاصة مع ترجيحات أشارت إلى وجود جهات داخل السلطة رافضة للحوار بشكله الحالي.
حضور عمرو موسى بدا مفاجئا للكثيرين، لأنه ظل غائبا عن الساحة السياسية في السنوات الماضية، وتضمن خطابه عبارات جريئة وذكية، صاغها بطريقة دبلوماسية
وألمح الشرقاوي إلى ذلك قائلا “هؤلاء ينظرون إلى الدولة المصرية وكأنها مؤسسة واحدة، لكن الحقيقة أن بها مؤسسات متباينة، قد تختلف في الرأي حول موقف وتتفق في مواقف أخرى، بالتالي قد يكون صاحب قرار إلقاء القبض على ناشطين سياسيين ليس هو صاحب قرار الإفراج عن نشطاء آخرين”.
ومازال البعض يتشكك في إمكانية نجاح الحوار ويرونه أشبه بتجميل لوجه السلطة، لكن الشرقاوي شدد على أن “مقدمات الحوار قد تؤدي إلى نتائج إيجابية كبيرة وحوار حقيقي، ولو اكتملت الجلسات بجدية ومشاركة جادة لأطراف الحوار الأصليين سنحصل على مخرجات مهمة تؤثر في شكل الحياة السياسية بمصر”.
وكشف أحمد الشرقاوي أن الأهم من مجلس الأمناء، هي القوى السياسية التي تمثل أطراف الحوار، سواء المعارضة أو المؤيدة، وإذا لم تكن هناك إرادة لدى تلك القوى المختلفة للدخول في حوار جاد وإنجاز ما يمكن إنجازه لن تكون هناك جدوى.
ويقول مراقبون إن السلطة لا تتوافر لديها النية الكافية لإتمام الحوار بشكل جاد، وبعض أطرافها يعرقلون هذه الجهود، ويستلزم نجاح الحوار اقترانه بإرادة سياسية وخطوات ملموسة لضمان جديته، مثل خروج المحبوسين في قضايا رأي، ورفع الحجب عن الصحف والمواقع الإلكترونية، وإطلاق حرية التعبير.
ولفت الشرقاوي لـ”العرب” إلى أن هذا الأمر “ليس صحيحا على إطلاقه، ولا ينبغي أن تنظر الأحزاب إلى ما يُمنح لها، وعليها أن تقتنص فرص خلق أجواء في اللحظة المناسبة، وهذه ليست انتهازية، ومن الواجب خلق حياة سياسية حقيقية”.