عدم تعديل قانون الأحوال الشخصية يكرس هدم العلاقات الأسرية في مصر

منظمات نسائية في مصر ترى أن استمرار تطبيق قانون الأحوال الشخصية القديم يكرس العنف الأُسَري في ظل عدم وجود تشريع يتناسب مع مستجدات العصر.
الثلاثاء 2020/08/25
الأزمات العائلية تتفاقم تحت وقع ترسانة التشريعات

جاءت قرارات البرلمان المصري الأخيرة في ما يتعلق بقانون الأسرة لترفض مناقشة قانون الأسرة الجديد وتكرس مواصلة العمل بقانون الأحوال الشخصية الساري في البلاد منذ ما يقارب قرنا من الزمن، وهو ما يجعله في مرمى انتقادات المنظمات الحقوقية والمدافعة عن حقوق الأسرة والمرأة والطفل على اعتبار أنه يتضمن أحكاما لم تعد تتماشى مع تطورات العصر وتغير ظروف عيش الأسر المصرية ونمط حياتها.

القاهرة- أحدث قرار مجلس النواب المصري بتعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية، الأسبوع الماضي، انتكاسة أسرية بعدما اكتفى بإضافة مادة واحدة خاصة بالطفل دون المساس بالنصوص المرتبطة بالأسرة عموما أو مناقشة التشريع الذي قدمته الحكومة ليضبط العلاقات العائلية بما يتناسب مع تطورات العصر.

وكانت منظمات نسائية وحقوقية مهتمة بتعديل قانون الأحوال الشخصية تُمني نفسها بإقرار التشريع المقدم من الحكومة والمجلس القومي للمرأة، بحيث يتم وضع حد للنزاعات الأسرية التي يتم التعامل معها بقانون مرّ عليه نحو مئة عام، حتى أعلن البرلمان عدم الاقتراب من القانون حاليا سواء بالتعديل أو الإلغاء.

وجاء الإعلان الجديد بحجة أن قانون الأسرة الجديد يحتاج إلى حوار مجتمعي واسع، ويصعب تحقيق ذلك في الوقت الراهن، ما يعني ضمنيا تجميد التشريع الجديد الذي كانت تعتبره كل أطراف الأسرة المظلة الآمنة التي تحصّن الكيان العائلي من التفكك وتحفظ حقوق الرجل والمرأة والطفل بعيدا عن الثغرات الحالية التي يستخدمها كل طرف للتنكيل بالآخر.

وترى منظمات نسائية أن استمرار تطبيق قانون الأحوال الشخصية يكرس العنف الأُسَري وتنكيل الأزواج ببعضهم وإهدار حقوق الأطفال، وتتحول الأسرة إلى ساحة للانتقام بين أفرادها بدلا من أن تكون العلاقات قائمة على التراحم والمودة ليعرف كل طرف حدوده وواجباته والتزاماته بعيدا عن استسهال اللجوء للمحاكم التي أضحت عاجزة عن الفصل في القضايا العائلية.

ويصعب فصل تجميد مناقشة قانون عصري للأحوال الشخصية عن الصراع المحتدم بين أكثر من جهة مهتمة بأن تكون هي صاحبة الحق في تنظيم شؤون الأسرة، فالحكومة تقدمت بتشريع لمجلس النواب والأزهر فعل نفس الأمر والمجلس القومي للمرأة تحرك على ذات الخط ونواب البرلمان تقدموا بعشرة قوانين، ما يوحي بأن النزاع الأُسَري انعكس على الأطراف المنوط بها ضبط العلاقات العائلية.

وينحصر الخلاف بين الجهات المعنية بتأسيس قوام أسري متماسك حول هوية التشريع الجديد متجسدا في التساؤلات التالية: هل يتم إصدار قانون واحد للأسرة يشتمل على كل شيء من لحظة ارتباط الرجل والمرأة حتى ما بعد الطلاق؟ أم يشتمل على الحقوق ويضبط العلاقات فقط وتكون العقوبات في قوانين أخرى؟

ويتمسك المتضررون من قانون الأحوال الشخصية الراهن بوجود قانون واحد للأسرة يقضي على سلبيات ترسانة التشريعات التي تتلامس مع الأزمات العائلية، بحيث يتم غلق الثغرات وتكون هناك عقوبات محددة للمتجاوزين ولا يتم استغلال التعارض بين النصوص للإفلات من العقوبة.

الأسرة أصبحت محكومة بقانون مرت عليه عقود طويلة
الأسرة أصبحت محكومة بقانون مرت عليه عقود طويلة

ويقول هؤلاء إن التشرذم الحاصل بين التشريعات الخاصة بالأسرة لا يمكن أن يؤسس لكيان عائلي متماسك طالما أن المظلة التشريعية مشتتة، فليس معقولا أن يكون العنف الأسري في قانون خاص، وما يتعلق بالأطفال في قانون ثانٍ والخلع في ثالث والنفقة الزوجية في رابع، لأن وحدة الأسرة وضبط علاقات أفرادها يبدآن من توحيد القانون.

وما يبرهن على ذلك أن هناك نصوصا في قانون مكافحة العنف الأُسَري مغايرة للمواد الموجودة في التشريعات الجنائية الأخرى، على مستوى الصياغة أو توصيف العنف أو العقوبة ذاتها، وكثيرا ما تتم تبرئة الجناة بالثغرات.

وأكدت انتصار السعيد، مديرة المركز المصري لحقوق المرأة، أن ترسانة التشريعات الخاصة بالأسرة خلّفت أزمات عصية على الحل، وأن استمرارها دون تعديل أو دمج أو إلغاء يُحوِّل بيوت الزوجية إلى ساحة معارك ويكون الأطفال ضحية جهل الرجل والمرأة بالحقوق والواجبات دون الحاجة إلى اللجوء لمحاكم الأسرة.

وأوضحت، لـ”العرب”، أن خطورة عدم وجود تشريع يتناسب مع مستجدات العصر تتمثل في أن الأسرة أصبحت محكومة بقانون مرت عليه عقود طويلة، حيث أن ظروف الزواج والطلاق تغيرت وأن احتياجات ومتطلبات الرجل والمرأة والطفل اختلفت، ما يجعل كل أطراف المنظومة يتعرضون للظلم.

ولأن نوعية القضايا التي يتم رفعها أمام محاكم الأسرة لم تكن موجودة قبل مئة عام، فإن القضاة يكونون عاجزين عن الفصل فيها بسهولة، وتكون الضحية أمّا مطلقة لا تعرف طريق الحصول على الحد الأدنى من حقوقها وأبناء قرّر آباؤهم الانفصال ولا يجدون مظلة قانونية توفر لهم الحماية.

ويصل عدد الأطفال من ضحايا الشقاق الأسري في مصر إلى 15 مليون طفل، حسب إحصائية صادرة عن الجهاز المركب للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية). وأغلب هؤلاء جرى إبعادهم عن آبائهم وأمهاتهم بسبب التعقيدات القانونية المرتبطة بحق الرؤية وترتيب الولاية الأسرية، فقانون الأحوال الشخصية لا يعطي الأب المطّلق حق الولاية على ابنه إذا تزوجت الأم وتكون رؤيته لمدة ثلاث ساعات أسبوعيا في أحد الأندية أو الميادين العامة.

والأب الذي توفيت زوجته لا يحق له تربية أبنائه أو العيش معهم قبل بلوغهم 15 عاما لأن الجدة من الأم الأحق بهم وفق التشريع الحالي ولو كانت نفسها تحتاج إلى رعاية واهتمام لكبر سنها، ما يعني أنهم يعيشون يتامى الأم والأب حتى وإن كان الأخير على قيد الحياة ما ينعكس سلبا على نفسية وشخصية الأطفال.

مشروع قانون الأسرة الجديد الذي تم رفض النقاش حوله يعتبر المظلة الآمنة التي تحصّن الكيان العائلي من التفكك

وقال أحمد مصيلحي، رئيس الائتلاف المصري لحقوق الطفل، إن أغلب مواد قانون الأحوال الشخصية تتعامل مع حقوق الأطفال بطريقة غير إنسانية، وبعضهم تحول إلى “طفل شارع” لغياب المظلة العصرية التي تحصّنه من الشقاق الأسري.

وأضاف، لـ”العرب”، أنه لا يُعقل معاملة الطفل يتيم الأم وكأنه ابن أسرة مفككة ويتم حرمانه من والده، وإذا كانت والدته مطلقة يتم منعه من دخول المدرسة إلا بحكم قضائي يمنح الأم حق الولاية التعليمية، فأصبح الصغار يدفعون فاتورة باهظة لقانون وضعه مشرّعون لم يخطر ببالهم أن تصل خلافات الأسرة للحد الموجود حاليا.

وتضغط الكثير من الأصوات النسائية لإلغاء هذا القانون ووقف تحويل حياة المطلقات وأطفالهن إلى جحيم لأنهن يفتقدن الحد الأدنى من الدخل الشهري الذي يضمن لهم حياة آدمية خاصة عندما يتنصل الرجال من الإنفاق، ويحتاج الأمر لسنوات من التردد على المحاكم للحصول على النفقة.

وتطالب المنظمات النسائية وجمعيات حقوق المرأة بأن يتم إلغاء النظام المعمول به في النفقة، بحيث تحصل المطلقة على نسبة من ممتلكات الرجل حسب مدة الفترة التي عاشتها معه، فمثلا إذا كانت الفترة عشر سنوات يُحكَم لها بـ10 في المئة من التركة لتصبح وريثة شرعية لطليقها كمكافأة إنسانية تعينها على استكمال حياتها، مع حتمية وضع نص يُجبر الرجل على الحصول على إذن زوجته كشرط للزواج بأخرى.

21