ملامح اتفاق فني حول إدارة سد النهضة تبشر بنجاح اجتماع واشنطن

القاهرة - تستعد وفود مصر والسودان وإثيوبيا لزيارة واشنطن والانخراط في آخر جولات مفاوضات أزمة سد النهضة الإثيوبي بحضور وزير الخزانة الأميركي وممثل عن البنك الدولي، يومي الثلاثاء والأربعاء، والدخول في حوارات حاسمة ونهائية بعد سلسلة من الجولات تذبذبت فيها النتائج، وبدأت أخيرا تميل نحو تحقيق تقدم ملموس.
واستقر وزراء الخارجية والمياه في كل من مصر والسودان وإثيوبيا على التوافق حول مبادئ عامة تتكون من ستة بنود، أصبحت بمثابة حجر أساس قوي للحد من أضرار سد النهضة.
واختتمت الخميس اجتماعات فنية تمهيدية في الخرطوم، وضعت ملامح لاتفاق شبه نهائي بين الدول الثلاث، لكنها لم تصل إلى مسودة اتفاق شاملة كما كان منتظرا منها قبل الدخول في مناقشات بواشنطن.
ومن المنتظر التوصل إلى توافق نهائي يحل الأزمة المستمرة لسد النهضة منذ تسع سنوات، ويتم وضع مرجع فني وقانوني لإدارة مياه الأنهار وحماية مصالح دول منطقة حوض النيل.
وقالت مصادر مصرية قريبة من المفاوضات حول ملف سد النهضة، لـ”العرب”، إن اجتماعات اللجان القانونية والفنية التي انعقدت في الخرطوم يومي الأربعاء والخميس الماضيين، تبشر بتفاهمات كبيرة حول قواعد تسوية الأزمة وتجاوز الكثير من العقبات.
وأوضحت المصادر أن اللجان الفنية لم تستطع إعداد مسودة شاملة للنقاط الست المتفق عليها في اجتماع واشنطن الماضي، غير أنها توصلت إلى مسودة تحوي اتفاقا بشأن مراحل ملء وتشغيل السد، ما يعني تخطي جملة من المشكلات المركزية.
وتمخضت اجتماعات الخرطوم عن قيام اللجان بوضع إطار زمني عام لعملية ملء بحيرة السد خلال موسم الأمطار في الفترة بين شهري يوليو وأغسطس من كل عام، ويمكن أن تمتد لشهر سبتمبر بناء على كميات المياه المتدفقة وشروط أخرى ستتفق عليها الدول الثلاث لاحقا.
وأشارت المصادر نفسها إلى أن السبب الذي يعرقل الوصول إلى صيغة اتفاق نهائي هو الخلاف حول وضع منظومة لفض النزاعات المتوقعة بين مصر وإثيوبيا، وهذه يمكن تجاوزها بالقليل من الحكمة وتغليب المصالح المشتركة.
وطالبت القاهرة خلال اجتماعات الخرطوم بتضمين الاتفاق بندا يطالب بحل الخلافات بين الدول الثلاث والمتعلقة بتشغيل السد، وهو ما تراه أديس أبابا يفرض قيودا مسبقة عليها.
واتفقت اللجان الفنية والقانونية في اجتماع الخرطوم على إرجاء النقاش حول تلك النقطة إلى اجتماعات واشنطن التي ستبدأ الثلاثاء المقبل، وتحتاج إلى موقف حازم من الأطراف الثلاثة، ينهي التلاعب بالألفاظ أو استخدام بعض الحيل التي تعطل التسوية النهائية.
ويعد وضع آلية لفض المنازعات عند إعادة ضبط سياسة التشغيل بسبب التغيرات في كمية الفيضان من فترة لأخرى، مسألة حيوية لأنها معنية بالمستقبل وآفاقه، وأساسية لحل أزمات متوقعة ليس فقط مع إثيوبيا، إنما أيضا مع المشروعات المطروحة في بلدان تتشارك في نهر النيل وترغب في الاستفادة المادية منه.
ويبدو المقترح الأمثل لحل هذه المشكلة إنشاء مجلس بين الدول الثلاث لإدارة الأنهار المشتركة بين مصر والسودان وإثيوبيا، وليس إدارة سد النهضة فقط، ويتم عمل منظومة متكاملة تربط المشروعات والسدود ونظم التعامل مع الأمطار والري لنهر النيل بروافده.
وتميل الصورة أكثر نحو التفاؤل منذ انتهاء اجتماع واشنطن الذي تضمن لقاء ضم الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع رؤساء الوفود الثلاثة، وعد فيه بإقامة حفل كبير عند توقيع الاتفاق النهائي، ما يعني أن واشنطن اتخذت الترتيبات اللازمة لهذا الهدف.
ولوّح كل وفد بتحقيق انتصار لبلاده وموقفها من سد النهضة. فقد اهتم السودان بتسليط الضوء على دوره في تيسير التفاهم بين مصر وإثيوبيا، وإشادة الإدارة الأميركية برؤية الخرطوم.
وروجت أديس أبابا لانتصارها مع حصولها على موافقة مبدئية بشأن ملء السد قبل نهاية العام الجاري، وأن الاجتماعات كانت ناجحة من حيث حماية المصالح الوطنية.
وأوضح وزير الري الإثيوبي، سيلشي بيكيلي، أن المفاوضات أفضت إلى التوصل إلى اتفاقات تحمي مصالح البلاد المائية، مشددا على الأهمية التي تنطوي عليها عملية ملء السد بحلول نهاية هذا العام.
وقال الصحافي الأميركي من أصول إثيوبية، دنيال تاي سيلاسي، إن هناك اتجاها في أديس أبابا للتهدئة العامة، والتفاؤل بالاتفاق القادم لأن القضية باتت الآن أقرب إلى النجاح أكثر من أي وقت مضى، وثمة فرصة كبيرة لتبديد الخلافات.
وأكد سيلاسي، في تصريح لـ”العرب”، أن الإدارة الأميركية مارست دورا قويا للوصول إلى اتفاق نوعي، وأجبرت مصر على عدم التعنت في طلباتها، وهو ما نتج عنه تراجع القاهرة عن طلب ملء السد لفترات طويلة زمنيا.
وعلى عكس المتوقع، لعبت واشنطن دورا حياديا وفعالا في تقريب وجهات النظر، ولم تنحز إلى طرف على حساب آخر، وهو ما فرض على الدول الثلاث التوافق سريعا وعدم إرجاء الأمر إلى مباحثات أخرى مضنية.
ويتفق العديد من الخبراء على أن التحدي الحقيقي لنجاح اجتماع واشنطن المقبل، يرتبط بترجمة العناصر الغامضة في البنود الستة المتفق عليها وتحويلها إلى اتفاق نهائي قابل للتطبيق.
وشدد هؤلاء على أهمية النقاط المعنية بكيفية التعاون في التشغيل وآلية ذلك والكمية المتدفقة، والتي سيتم إلزام إثيوبيا بها في الحالات المختلفة لإيراد النهر، وكيف يمكن فض المنازعات بسبب التغير في كمية الفيضان.
وأشار سيلاسي إلى أن الوضع يفرض على الجميع التحلي بالتفاؤل والحذر معا، لأنه على مدار سنوات طويلة ظهرت بوادر انفراجه ثم انتهت بالفشل مثل اتفاق الخرطوم في مارس 2015، والذي لم يأت بنتائج ملموسة حتى الآن.
وتبقى الآن أمام الوفود الثلاثة بلورة الرغبة الحقيقية في إنهاء أزمة سد النهضة، والتي تتراوح بين التنازلات المشتركة من كل جانب ووضع نقاط شاملة لكل أزمة تطفو خلال عملية استكمال السد، وهي فترة طويلة قد تصل إلى ست سنوات.
ويقول متابعون إن هناك طموحات ليكون سد النهضة قناة لتعزيز التعاون الإقليمي بين دول حوض النيل الشرقي، الأمر الذي ينعكس إيجابا على المشروعات التنموية الطموحة في المنطقة وتقليل حدة التوترات.