جيل الشباب المتمرد يعدّ لزلزال سياسي عالمي

الآمال تتزايد على جيل الإنترنت لمواجهة اليمين الشعبوي ومكافحة الأوبئة.
الاثنين 2020/03/23
بيرني ساندرز يحظى بشعبية كبيرة لدى الشباب الأميركي

تشهد الساحة الدولية بين فينة وأخرى انقلابا سياسيا في منظومة المفاهيم والأدبيات السياسية، قد تبدأ من دولة ثم تتنقل إلى ثانية، ويقود جيل صاعد من الشباب حاليا دفة التغيير في العالم من خلال تفاعله مع أزمة كورونا المستجد التي بدا فيها متضامنا مع الإجراءات الصارمة، إضافة إلى بروزه كعنصر فاعل في إدارة هذه الأزمة، وعلى صعيد سياسي يتطلع هذا الجيل إلى التغيير عبر التقليص من نفوذ اليمين الشعبوي وإحداث انقلاب سياسي عميق.

يقود الجيل الحالي أو ما يعرف بـالجيل “Z” الذي عاش وترعرع في عصر ازدهار الإنترنت انقلابا فريدا، بدت سماته تظهر تدريجيا مع التغيرات العميقة على المستوى السياسي في الانتخابات الأميركية التمهيدية، أو عبر التعامل الاجتماعي مع أزمة فايروس كورونا المستجد.

ويواجه العالم في هذه اللحظات ما يشبه الزلزال الذي يرغب في هدم الكثير من المحرمات (التابوهات) التي عرفت خلال النصف قرن المنقضي ليستبدل بآخر لم تتبلور أطواره النهائية، لكنها لن تكون بعيدة، فمن خلال المحطات المقبلة سوف تتكشف الكثير من المعالم.

ويمتلك جيل الشباب الذي ولد بعد العام 1995 سمات فريدة، بدأ العالم يتحسسها بدخول قدرات هذا الجيل حيز الممارسة مع بلوغه السن القانوني للانتخاب، فضلا عن اقتحامه أسواق العمل والإدارة والقيادة، وهم محملون بخصائص لم تكن معروفة من قبل.

هذا الجيل الذي يطلق عليه العلماء جيل” GZ ” هم من السكان الأصليين لكوكب الإنترنت، لأن أعينهم تفتحت على العالم في خضم رواج هذه الشبكة وما أوجدته من أنماط للتعامل والتعايش معها، حيث تفاقمت ثورة الاتصالات، وأصبح الفضاء الإلكتروني البيت والملاذ في آن واحد.

ولم يعد يحتاج الطفل الصغير إلى اقتناص المعلومة من والديه، فالشبكة العنكبوتية همشت هذا الدور، ونجحت في توفير النمط الذي يريده كل طفل وشاب.

تغيير في الداخل الأميركي

عمل من أجل التغيير
عمل من أجل التغيير

صنع الإطار التربوي غير المسبوق تحولات سياسية واجتماعية عميقة، ظهرت بقوة في الحملة الجارية داخل الحزب الديمقراطي لاختيار مرشحه الذي ينافس الرئيس الحالي دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية في نوفمبر المقبل.

ساهمت المشاركة المتزايدة للشباب في حملات الحزب الديمقراطي في إحداث نتائج غير متوقعة بظهور بيرني ساندرز السياسي اليساري، كواجهة محتملة للحزب في خضم منافسة شرسة مع جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.

وأشارت مجلة التايم الأميركية في تقرير لها مؤخرا بعنوان “زلزال الشباب.. كيف يتغير العالم عندما يقود جيل جديد”، إلى أن المرشح الذي يقدم نفسه كقائد للتيار المعتدل (جو بادين) أضحى أقرب كثيرا من ساندرز، ولفتت إلى أن ما فعله الشباب في هذه الانتخابات كان رسالة للعالم، مفادها بأنه عليه الاستعداد لزلازل يهدم كل ما بني من قواعد سياسية بعد الحرب العالمية الثانية.

ورغم ظاهرة انخفاض معدلات تصويت الشباب في الانتخابات الأميركية بشكل عام في العقد الأخير، فقد شهدت تغيرات في هذا النمط في السنوات الأخيرة، وبلغت نسبة مشاركة جيل الشباب في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس عام 2018 نسبة 42 في المئة، وهو ما يمثل ضعف ما كانت عليه قبل أربع سنوات، وصوّت أغلبهم للحزب الديمقراطي.

ولفتت بعض الدراسات الأميركية إلى أن ما يقرب من 60 في المئة من المواطنين دون سن الثلاثين يخططون للتصويت في انتخابات هذا العام، ووفقًا لأحد استطلاعات الرأي فإن معدل رفض ترامب بين من تقل أعمارهم عن 30 عاما تجاوز 70 في المئة.

وفقًا لاستطلاعات الرأي فإن معدل رفض ترامب بين من تقل أعمارهم عن 30 عاما تجاوز 70 في المئة في الولايات المتحدة

وربما يكون تعامل ترامب المتذبذب مع أزمة كورونا يمثل عاملا إضافيا لزيادة رفضه من فئة الشباب التي لم تبارح غالبيتها شبكة الإنترنت قسرا خلال الأيام الماضية، والتي لم يكن فيها أداء الرئيس الأميركي على مستوى الحدث والرعب الذي ينتاب المواطنين.

ويصعب حصر التغيير الحالي في الداخل الأميركي فقط، أو في أوجه السياسة وحدها، حيث يتمتع هؤلاء الشباب الذين يمتصون أطنانا من المعلومات الجديدة كل يوم من وسائل التواصل الاجتماعي أو البحث على شبكة الإنترنت أثناء الساعات الطويلة التي يقضونها أمام الشاشات الرقمية، ولديهم قدرات استثنائية على معالجة واستيعاب الكثير من المعلومات في غضون ثوان معدودات، والتعامل بسهولة مع الكثير من المهام في وقت واحد.

ساهم ذلك في تشكيل الوعي العالمي في بعض القضايا الحيوية، وقلب هرم الاستقطاب السياسي لدى صناع القرار العالمي، فبعد أن كانت صراعات الثروات النفطية والهيمنة الميدانية والسيطرة الاقتصادية موضوعات التناحر بين القوى الكبرى خلال العقد الماضي، باتت قضايا مثل الاحتباس الحراري واللامساواة الاقتصادية وحماية البيئة وقوانين حقوق الإنسان مثل حق الإجهاض، محل التباحث على طاولات الزعماء، وباتت على رأس الأجندة السياسية في السنوات الماضية.

وقالت شيرين فهمي، أستاذة السياسة الدولية بالجامعة البريطانية في القاهرة، إن جيل الإنترنت يمتلك طباع الشباب المعتادة، كالتمرد والحماس والرغبة في التغيير، لكنه ولأول مرة يمتلك الكثير من العلم والمعلومات بفضل الثورة التكنولوجية الحالية. وأضافت لـ”العرب”، أن “هؤلاء الشباب سلاح ذو حدين مع وجود رغبة عارمة في هدم النظام الاقتصادي العالمي، بعد أن فقد البوصلة في تلبية طلبات الأجيال الجديدة ومس عصب الحياة اليومية في أزمات البطالة وتوفير حياه كريمة، ومكونات هذا الجيل لا تزال تفتقد للرؤية والفلسفة، والمسألة تكمن في البديل الحقيقي القادر على صناعة عالم جديد يستمر لعقود قادمة”.

ويحمل المتفائلون بهذا الجيل آمالا كبيرة في قدرته بالمستقبل القريب على بلورة نظام عام أو على الأقل إيديولوجيا تكون نواة لمنظومة عالمية أكثر رحابة وعدالة.

تحجيم التيار الشعبوي

رغبة في حماية الانسان والبيئة
رغبة في حماية الانسان والبيئة

من أهم تطلعات هذا الجيل القدرة على مواجهة تيار اليمين المتشدد الذي ظهر في السنوات الأخيرة، ويحمل وزنا سياسيا مؤثرا في الغرب، ويتشعب في دولة عملاقة في الشرق كالهند.

ويرى مراقبون أن الجيل GZ هو القطب الموازي لليمين الشعبوي الصاعد، فكلاهما يتفق في ضرورة استبدال النظام السياسي الحالي بآخر يتناسب مع تقلبات المرحلة، لكنهما يختلفان في الوسيلة والبديل القادر على تلبية طموحات الشعوب الكادحة.

وتتعلق الآمال على الجيل الحالي في قدرته على محاصرة الشعبويين الذين يمتلكون فلسفة أساسية قائمة على التمييز وغلق الحدود والتضخيم من القومية والسيادة، وبسببها بات اليمين الذي وصل إلى سدة الحكم في بلدان مثل الولايات المتحدة وإيطاليا واليونان يسبق شباب الإنترنت بعدة خطوات.

ويرى البعض من الخبراء في العلوم السياسية، أن تلك المرحلة الانتقالية التي يعيشها العالم سوف تتغير مع حلول عام 2039 إذ سيمثل وقتها هؤلاء الشباب تقريبا 70 في المئة من الشريحة الانتخابية في أغلب دول العالم، ما يجعلهم قادرين على تحقيق الهيمنة على صناعة القرار.

ويمكن بسهولة تمييز هذا الجيل عن غيره بحالة الرفض العامة لكل قانون أو فاعلية سياسية واجتماعية واقتصادية، وأيضا بتأييده لكل إطار جديد أو قضية لم تكن موضع اهتمام حالي، وأهم ما تتسم به هو فرض استقلالية حقيقية.

وأصبح هذا الواقع ملموسا في بعض الدول العربية على أبناء الجيل الجديد، فقد ساعد الإنترنت والتقنيات الحديثة على تحقيق استقلالية مرغوبة، وكشفت محنة كورونا عن جانب آخر من عقلية الشباب، فهم لا يشكلون قوة معارضة في المطلق كما يروج البعض.

برز ذلك مع التقارب بين الشباب والحكومات في مواجهة الأزمة الحالية، وظهرت حالة ثناء كبيرة على أسلوب المكافحة السريع والحيوي لغالبية الحكومات العربية.

ورغم قرارات بعض الحكومات الموصوفة بـ”القمعية” بخصوص حظر التجوال ومنع السفر وغلق المتاجر ومنع التجمعات، لكن المسألة لاقت قبولا عند فئة عريضة من الشباب بشكل غير مسبوق، بل طالبوا بالمزيد من الإجراءات لمحاصرة الفايروس.

ويشير مراقبون إلى أن السبب الأساسي وراء ردة الفعل الحالية هو استشعار الشباب رغبة المسؤولين الحقيقية في حماية الإنسان والبيئة والتخلي عن المصالح السياسية والتضحية بمكاسب اقتصادية ضخمة من أجل حماية البشرية.

قد تكون هذه الزاوية مفتاح الساسة في العالم لمغازلة الشباب واستقطابهم، حيث تبنى المرشح الديمقراطي ساندرز خطابا جديدا بهدف إجراء تغييرات جذرية على القوانين الانتخابية داخل حزبه، وداخل السياسة الأميركية حال فوزه، ومنها إنهاء فكرة المجمع الانتخابي والاقتراع مباشرة، والإيمان بمزيد من المواقف التقدمية، كما أبدى توافقا مع الشباب في رفض كثير من توجهات السياسة الخارجية الأميركية.

وما يمكن استنتاجه، أن شباب الإنترنت بوسعه إحداث زلزال حقيقي ينتج عنه صورة جديدة لإدارة العالم وفق الآليات الحديثة التي تناسب العصر، غير أن عقبات عدة لا زالت تنتظر هذا الجيل، أهمها مواجهة الأبوية المتفشية في دول عديدة، وهو ما يتم كسره تدريجيا.

7