كم عمر وظيفتك؟ كم راتبك؟

من الصعب الرد على التساؤل: وظيفة طويلة الأجل براتب أقل، أم وظيفة قصيرة الأجل براتب أكبر بأضعاف؟
عاصرت مثل هذا التساؤل أيام الدراسات العليا. كنا ندرس الهندسة، لكن الباحثين كانوا يطورون فهما عميقا لآليات رياضية تنفع في توجيه أدوات السوق. تتخرج دكتوراه في الهندسة، لكن سوق العمل التي تنتظرك مصرفية. نفس الرياضيات التي تحكم توجيه صاروخ للقمر مثلا وتستقرئ المسار الأفضل له، تجد تطبيقها في استقراء مسارات الأسواق المالية.
أستاذك الذي علمك سحر الرياضيات المتقدمة يعمل براتب 40 ألف جنيه سنويا. أنت الخريج الطري تجد وظيفة بـ80 ألف جنيه ومكافأة نهاية السنة بأضعاف المبلغ. الإيحاء الأول هو أن هناك شيئا خطأ.
تسأل الأستاذ: لماذا لا تذهب وتعمل في المصارف أو البورصة؟ تعلمنا منك هذا السحر. يرد: جزء من الحيلة هو أن تستقرئ أين ستكون بعد خمسة أعوام من اليوم.
العمل في البورصة عمره قصير. تحصل على مال كثير بسرعة، ولكن بعد فترة إما تتعب وإما يتعبون منك. في النهاية النتيجة واحدة: الرحيل.
هذا لا يعني انعدام فرصة العمل. ستجد عملا، ولكن براتب أقل. تكون قد اعتدت الإنفاق وتعودت على المطاعم الفاخرة وسيارة آخر موديل وعيون “حاسد إذا حسد”. تنتقل من الإثارة اليومية بأنك عملت هذا المبلغ وأنه سينعكس على المكافأة آخر السنة، إلى أشبه بحياة رياضي اعتزل اللعب وهو شاب ولا يعرف كيف سيقضي بقية حياته متفرجا.
الأستاذ ينظر إلى المعادلة بطريقة مختلفة. الوظيفة الجامعية بالها طويل. تدخل في العشرينات أو الثلاثينات من العمر، وتخرج في أواخر الستينات. صحيح أن الجامعات في الغرب عموما خاصة، لكن الوظائف فيها أشبه بالوظائف العمومية، أي تكون مضمونة إلى حدّ كبير. الهدوء ليس قاتلا في العمل الجامعي، وثمة ما يثير من إنجازات ومؤتمرات. أربعون عاما تفصل بين البداية والتقاعد براتب يتزايد بطريقة تعكس التضخم. لا شيء اسمه مكافأة آخر العام. السيارة تبقى معك عشر سنوات. مواعيد الإجازات محددة تقريبا. هذا خيار الأستاذ، وهو خيار واع.
التساؤل واضح المعالم في العالمين الأكاديمي والمصرفي. ولكن لا أظن أنه بنفس الوضوح في عوالم أخرى. تبقى تعمل في نفس المؤسسة بوظيفة مستقرة فتحس بالضجر أو بقلة الحيلة. تتركها إلى فرصة أفضل، أو تعتقد أنها أفضل، ستجد نفسك تغامر بالمضمون. شاهدت أشخاصا يتركون مؤسسات عملوا فيها لعشرين عاما وكان لهم تقديرهم واحترامهم. ذهبوا إلى مؤسسات جديدة برواتب مغرية، لكنهم كانوا مثل الجميع: كلكم جدد رجاء. حيرة حقيقية.