مفاوضات مصرية إثيوبية لحل أزمة سد النهضة برعاية الخزانة الأميركية

دخول البنك الدولي على الخط يسهل التفاهم ومصر تنتهج الحلول التي تؤدي إلى وقف حالة “اللااتفاق”.
الأربعاء 2019/11/06
السيسي يراهن على ترامب.. فهل ينقذه

القاهرة – أعرب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن تقدير بلاده لجهود نظيره الأميركي دونالد ترامب بشأن تسوية أزمة سد النهضة، وذلك قبل يوم واحد من انطلاق مفاوضات ترعاها واشنطن بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن هذه القضية الشائكة التي تشكّل عبئا ثقيلا على القاهرة تجد صعوبة في إزاحته.

وقال السيسي في تغريدة على صفحته “فيسبوك” عقب مكالمة هاتفية مع ترامب “إنه رجل من طراز فريد ويمتلك القوة لمواجهة الأزمات والتعامل معها، وإيجاد حلول حاسمة لها”.

وتستضيف واشنطن برعاية وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوشين، الأربعاء، اجتماعا مهما بشأن سد النهضة، يحضره وزراء الخارجية في مصر والسودان وإثيوبيا، وممثلون عن البنك الدولي.

ويبحث الاجتماع إيجاد حل للأزمة المتفاقمة من خلال طرح فكرة توفير منح وقروض كآلية تساعد على تسريع خطوات التفاهم بين مصر وإثيوبيا، وتعوض الطرف المتضرر بشكل مناسب، إذا جرى تغيير المسار الحالي. ودخلت مفاوضات سد النهضة منعطفا جديدا مع دخول الإدارة الأميركية بمشاركة البنك الدولي على خط الأزمة.

وكانت مصر طالبت من قبل بدخول البنك الدولي كطرف رابع في المفاوضات، غير أن أديس أبابا تحفّظت على ذلك، وفضّلت أن تسير المفاوضات في طريق ثلاثي، حيث إنها تعتبر المسألة ذات بعد فني لا يحتمل دخول أطراف أخرى.

وتتجه الأنظار نحو الاجتماع الذي يعقد لأول مرة خارج عواصم الدول الثلاث المعنية بأزمة سد النهضة، ما يوحي بفرصة أوسع للوصول إلى صيغة مختلفة عما آلت إليه المناقشات المستمرة منذ نحو ثمانية أعوام دون تحقيق نتائج مهمة.

وطرحت بعض المصادر فكرة التعويل على توفير مساعدات مادية سخية لأديس أبابا كوسيلة لتسهيل المفاوضات، في ظل التطلعات التي تراهن على أهمية دخول الولايات المتحدة كطرف رئيسي يتولى تقريب وجهات نظر الطرفين المتباعدين، عبر تقديم حلول خلاّقة.

ونوهت إلى أن موافقة الدول الثلاث التفاوض برعاية وزارة الخزانة الأميركية يعني أن الحل قد يتخذ طابعا ماديا لوقف التدهور الحاصل في أزمة يؤثر تصاعدها على الأمن والاستقرار في المنطقة. وتعزز مشاركة البنك الدولي تقديم تسهيلات مادية، وتدعم عدم استبعاد الاحتكام إلى الدراسات الفنية التي تؤكد وقوع أضرار مائية على مصر، والبحث عن حل بما لا يعوق مشاريع إثيوبيا التنموية، وحاجتها لتوفير الكهرباء وتعظيم الاستفادة من مواردها.

وقال الباحث السوداني والأكاديمي بالجامعة الأميركية في القاهرة، حامد التيجاني، “تقديم مساعدات مادية في شكل منح وقروض وسيلة مهمة ومقترح فعال في التفاوض”. وأضاف لـ”العرب”، أن مشروع سد النهضة اقتصادي- تنموي، ويهدف إلى إنتاج طاقة كهربائية ضخمة، والحل الملموس يجب أن يُبنى على ذلك الأساس، فالحافز المادي يليّن الموقف الإثيوبي في كثير من النقاط الخلافية، ومنها القبول بتأخير سنوات تشغيل السد.

محمد نصر علام: المحور الأهم الآن تدويل أزمة سد النهضة
محمد نصر علام: المحور الأهم الآن تدويل أزمة سد النهضة

وينصبّ الخلاف بين مصر وإثيوبيا حول سنوات ملء خزان البحيرة الموجودة خلف سد النهضة وآلية التشغيل مستقبلا، ومنع وقوع أضرار تصل لحد الجفاف بدول المصب.

وتطلب القاهرة فترة تتراوح بين 7 و10 سنوات، كي لا تنخفض حصتها المائية (55.5 مليار متر مكعب سنويا) بشكل يؤثر على الأمن المائي، وتصمم أديس أبابا على ألا تزيد عن 3-4 سنوات لسرعة إنتاج الكهرباء.

وبرزت المساعدات المادية كحل مناسب لتخفيف حدة موقف الإثيوبية من مسألة الفترة الزمنية، وتعويض الخسائر المتوقعة بسبب التأخير في الملء والتشغيل.

وأوضح التيجاني، أن البنك الدولي يمكن أن يساعد من خلال تقديم مساعدات مالية وفنية لتخفيف أضرار السد من بوار أراض في السودان، أو انخفاض كهرباء السد العالي في مصر، أو تأخير توليد الكهرباء في إثيوبيا بطاقة كبيرة.

وتبدو القاهرة في موقف أفضل، حيث نجحت في دفع المفاوضات نحو إشراك طرف رابع، بعد فشل مفاوضات الخرطوم، وتوتر العلاقات مع إثيوبيا، والتي جرى تطويقها بلقاء ودي عقد بين رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، على هامش القمة الروسية- الأفريقية في 25 أكتوبر الماضي، واتفقا فيه على إعادة المشاورات الفنية.

وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب”، وجود رغبة لدى القاهرة في تلخيص مخرجات اجتماع واشنطن في صورة اتفاق أو صيغة قانونية ملزمة للدول الثلاث تتجاوز أخطاء اتفاق الخرطوم قبل أربعة أعوام الذي اهتم بتنظيم عملية التفاوض حول سد النهضة دون جدوى حقيقية.

وأشارت المصادر ذاتها، إلى أن مصر تنتهج الحلول التي تؤدي إلى وقف حالة “اللااتفاق” في آلية تشغيل سد النهضة، وتسير على خطة ترمي إلى إشراك أطراف دولية لحل الخلاف حول تشغيل السد، وإذا استمر الانسداد بعد واشنطن سيكون التحكيم الدولي الخيار المتاح.

وألمح وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الألماني هايكو ماس في 29 أكتوبر الماضي بالقاهرة، إلى عدم تسييس قضية سد النهضة والإبقاء عليها في صورة أزمة علمية فنية، والعمل في إطار القانون الدولي لإدارة الأنهار، لافتا إلى أن أوروبا لديها تجارب ناجحة مثل نهر الدانوب.

وأضافت المصادر، أن مصر جهزت ملفا كاملا عن قضية نهر الدانوب الذي يمر بين 14 دولة في أوروبا، وتسبب في كثير من النزاعات حول المياه قبل إيجاد صيغة توافقية.

ويشير تلويح القاهرة باسم النهر الأوروبي إلى عدم استبعاد الإدارة السياسية تدويل القضية، كما حدث في قضية المجر وسلوفاكيا، وانتهت باللجوء للمحكمة الدولية للبت في القضية.

وأكد وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر علام، أن المحور الأهم الآن تدويل أزمة سد النهضة والخروج من نفق التفاوض المظلم، طالما أن أديس أبابا لم تتفهم المطالب والحقوق المصرية للحل الوفاقي.

وذكر في تصريح خاص لـ”العرب”، أن الأزمة لا تقف فقط عند الدعم الفني أو المالي لحلحلتها، لكن هناك تعهدات يجب أن توضع في الاعتبار تتعلق بالمشكلة البيئية التي ستنجم عن بناء السد، وتأثير التدهور المتوقّع في مياه النيل الأزرق على التنوع البيئي ومصايد الأسماك ببحيرة سد الروصيرص في السودان وبحيرة ناصر بمصر.

2