مصر تحظر استغلال الأطفال إعلاميا بوضع ضوابط للأسرة

مدونة السلوك تلزم الفضائيات بمنع مشاركة الصغار في الإعلانات لتحقيق أرباح.
الثلاثاء 2020/01/07
التوجيه الإعلامي يهدد الأطفال

وضعت الحكومة المصرية، الجمعة، حدا لاستخدام الأطفال في الإعلانات والمتاجرة بهم، بعد وضع مجموعة من الضوابط المحكمة، أو ما يشبه “الدستور” الذي يحدد الطرق المثلى للمحتوى الإعلاني والدرامي الخاص بسنّ الطفولة، ومنع إذاعة إعلانات تشجع على تربية النشء على الاستهلاك والتمرد والعصيان.

القاهرة - أصبحت مدوّنة السلوك التي وضع بنودها، المجلس القومي للأمومة والطفولة، وصادق عليها مجلس تنظيم الإعلام، ملزمة لكل المؤسسات الإعلامية في مصر، ويحق لمجلس تنظيم الإعلام وقف بث أيّ عمل يشارك فيه الأطفال القصّر دون ترخيص، ويحث الصغار على التحرر المطلق أو يتاجر ببراءتهم من أجل تحقيق أرباح مالية، أو يشجع الآباء على إهانة الأطفال.

ويعتبر هذا التحرك، الأول من نوعه، في مواجهة انفلات الكثير من المؤسسات التي عمدت خلال الآونة الأخيرة إلى استغلال الأطفال بشكل سلبي، وترسيخ ثقافة الاستهلاك غير المنضبط في عقولهم، واللجوء إليهم لتحقيق أهداف ربحية من بوابة استعطاف المجتمع.

ووضعت بنود المدوّنة، بعدما تبين أن أغلب الإعلانات يشارك فيها أطفال لا يدركون ما يفعلون أو يقولون، وهو ما يتناقض مع المواثيق الدولية، ويتنافى مع عادات المجتمع المحلي.

ورأى رافضون للخطوة، أنها تتناقض مع دعوات تحرير الأسرة من القيود المفروضة عليها بذريعة الحفاظ على العادات والقيم، وتغاير التطور الحاصل في ثقافة الإعلانات، من حيث الرفاهية والتحرر التي ينشدها الجيل الحالي ويرفض أن يكون أسيرا لنمط تربية تجاوزها الزمن في علاقة الأطفال بالآباء.

المجلس الاعلى لتنظيم الإعلام: إلزام المؤسسات الإعلامية ببنود صارمة في إعلانات الأطفال لا يهدف لتقويض حرية التعبير أو الإبداع بقدر ما يعمل على ضبط علاقة التلفزيون بالأسرة بكامل عناصرها
المجلس الاعلى لتنظيم الإعلام: إلزام المؤسسات الإعلامية ببنود صارمة في إعلانات الأطفال لا يهدف لتقويض حرية التعبير أو الإبداع بقدر ما يعمل على ضبط علاقة التلفزيون بالأسرة بكامل عناصرها

واستند مجلس الإعلام على اتفاقيات دولية وحقوقية لتبرير موقفه، مؤكدا أن “إلزام المؤسسات الإعلامية ببنود وتعليمات صارمة في إعلانات الأطفال، لا يهدف إلى تقويض حرية التعبير أو الإبداع، بقدر ما يعمل على ضبط علاقة التلفزيون بالأسرة بكامل عناصرها”.

ما يؤخذ على المدونة السلوكية، أنها تجاهلت حظر استغلال الأطفال في إعلانات جمع التبرعات من خلال استعطاف المشاهدين، وتصوير الصغار في مشاهد تتنافى مع الإنسانية وتنتهك الحد الأدنى من حقوقهم، وتؤثر على نفسية المتلقين بجميع فئاتهم.

ولن تتمكّن وسائل الإعلام مستقبلا من إذاعة مواد يشارك فيها الأطفال مثل إعلانات الوجبات السريعة، لأن ذلك يرتقي لمرتبة الابتزاز العاطفي، وقد يتم استغلاله للضغط على الأسر غير المقتدرة ماديا من جانب أبنائهم لشراء المنتج، ما يؤثر سلبا على تماسك العلاقات الأسرية.

وتتمثل أزمة الكثير من إعلانات الأطفال على الشاشات المصرية، في أنها تستهدف أبناء الميسورين ماديا، ما يجعل صغار باقي الفئات يعيشون حالة حرمان لعدم قدرتهم على شراء هذه المنتجات، وهو ما يراه مجلس الطفولة “خطرا على التركيبة النفسية لصغار المناطق النائية”.

ويريد مجلس الطفولة، أن يتم تقديم الإعلانات للصغار بشكل بسيط وسهل وبلغة وطريقة سلسلة، تخاطب كل الأطفال، لا أن تفرّق بينهم حسب المستوى الاجتماعي والثقافي، وكي لا تؤثر الانتقائية على نفسية أبناء الفئات غير المقتدرة، أو التي لا تفهم أهمية المنتج أساسا. غير أن تحقيق هذه الرغبة على أرض الواقع، يبدو صعبا، إذ لا يمكن أن تكون لكل أسرة محتوى إعلاني يتناسب مع عاداتها وتقاليدها وثقافتها، وغير منطقي أن يتم تجاهل دور العائلة في تحصين أفكار أبنائها من الاختراق، ويتم إلزام المؤسسات بإعلانات لا تمسّ نمط التربية.

ويرى خبراء، أن الخطورة تكمُن في تحول الإعلان من مجرد مروّج لسلعة إلى متحكم في تطلعات وأحلام الأطفال، وأصبحت أكثر رغبات الصغار مصدرها التلفزيون، ما ينعكس على قرارات الأسرة الشرائية، لأنها تكون محكومة بتلبية احتياجات أطفالها، وأحيانا تستغني عن بعض الأولويات لتلبية مطالبهم.

وقالت فاطمة محمد، استشارية في العلاقات الأسرية، إن “أزمة بعض الإعلانات أنها تصوّر للأطفال أن السعادة الحقيقية في امتلاك المنتج، وهناك شركات تكرّس لدى الصغار أن الأب المثالي الذي يحب أولاده هو فقط من يشتري لهم ما يتم عرضه على الشاشات”.

وأضافت لـ”العرب”، أن وجود مدوّنة سلوك تحظر استغلال الصغار تجاريا، يضع حدّا لارتباط الإعلانات بالمشاعر الطفولية، ويتيح للأسرة خيارات متعدّدة، بشراء المنتج أو تجاهله، بعيدا عن الرضوخ لتوسّلات الأطفال، بحكم أن من يروّجون للسلعة لن يكونوا حديثي السنّ مستقبلا”.

ويعني ذلك أن الإعلان التلفزيوني عندما يشارك فيه أشخاص كبار السنّ، حتى لو كان موجّها للصغار، لا يهتم الطفل كثيرا بمحتواه، وقد لا يتمسك بشرائه بنفس درجة الشغف والإصرار الذي يظهر عليه عندما يكون أبطال الإعلان من الأطفال الذين يمثّلون ورقة ضغط على مشاعر الآباء والأمهات.

إلزام المؤسسات الإعلامية ببنود وتعليمات صارمة في إعلانات الأطفال يعمل على ضبط علاقة التلفزيون بالأسرة بكامل عناصرها
إلزام المؤسسات الإعلامية ببنود وتعليمات صارمة في إعلانات الأطفال يعمل على ضبط علاقة التلفزيون بالأسرة بكامل عناصرها

وتتذكر الاستشارية الأسرية، الإعلان الذي عُرض في شهر رمضان الماضي، وكان يروّج لسلعة تجارية عبر مجموعة أطفال، وعندما رفضت الأم الشراء عاقبها صغارها بالتمرد عليها حتى استجابت لرغباتهم، وهو تحريض مباشر للأطفال على عصيان الأسرة لإجبار الوالدين على تملك المنتج.

ولم تغفل مدوّنة السلوك تغذية بعض المؤسسات النظرة السلبية من الأطفال تجاه الآباء، حيث حظرت تصوير الأب الذي يطهو الطعام لعائلته، ويساعد الزوجة في أعمال المنزل، على أنه أقلّ رجولة، وهي ثقافة راسخة لدى الكثير نتيجة المحتوى الذي اعتاد عليه الجمهور.

ويريد مسؤولو الطفولة، أن يتم تغيير ثقافة حديثي النشء عن دور الأب والأم، بأن الحياة بينهما قائمة على المشاركة والتلاحم ومساعدة الآخر، وقيام الزوج بمساعدة زوجته يضيف إليه ولا يسحب من رصيده كرجل، بحيث يكبر الصغار على هذه القناعات.

وأصبح هناك “حظر لأي محتوى إعلامي أو إعلاني، يلوّح أو يشير إلى الطفل الذي أشرفت على تربيته أم مطلقة، على أنه أقلّ من الأطفال الآخرين، أو لا يتمتع بطفولة طبيعية، أو أن غياب والده عن تربيته يعني أنه عندما يكبر في السن سوف يكون منقوص الرجولة”.

ورأى محمد سعد، وهو باحث متخصص في تربية النشء، أن “تغيير ثقافة الأطفال تجاه الموروثات الاجتماعية الخاطئة يبدأ من تحضر المحتوى الإعلامي، لكن الأهم من إصدار القرارات التمسك بتفعيلها، بحيث يتم وضع قوانين لكل ما يرتبط بالأسرة في التلفزيون”.

وشدّد في تصريح لـ”العرب”، على ضرورة تغيير معتقدات صغار السنّ ونسف الثقافة الرجعية من أذهانهم، هي البداية لتأسيس قوام أسري ومجتمعي متحضر، فلا يعيب مساعدة الرجل لزوجته، ولا يمثّل سبّة في جبين ابن المطلقة، ولا يجعل الطفل الذي يحلم بشراء المنتج متمرّدا، أو يزرع الأنانية والسلوكيات الشاذة في أذهان الصغار لتكبر معهم.

21