مشروع قانون لتجريم الاستعمار يثير جدلا في الجزائر

دوائر نافذة معروفة بولائها لفرنسا تؤدي دور الرقيب على من يضر بمصالح باريس في الجزائر وتعطل القانون منذ العام 2006.
الجمعة 2020/03/20
مشروع قانون لرد الاعتبار

الجزائر – عاد ملف تجريم الاستعمار إلى المشهد الجزائري، بعد توجّه العشرات من النواب البرلمانيين بإيعاز من منظمة قدماء المحاربين، إلى إطلاق مشروع قانون وزع على الكتل النيابية من أجل استيفاء النصاب القانوني لدخوله حيز التنفيذ، الأمر الذي سيثير الجدل مجددا حول مصير ومستقبل العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا.

وينتظر نواب برلمانيون في الجزائر، عودة النشاط العادي لمبنى الهيئة التشريعية بعد تعليقه بسبب وباء كورونا، من أجل استكمال مشروع قانون جديد يجرّم الاستعمار، وهو المشروع المتعثر منذ عدة سنوات، نظرا إلى ضغط لوبيات في السلطة الجزائرية موالية لفرنسا. وضغطت منظمة المجاهدين (قدماء المحاربين) بكل ثقلها الرمزي والتاريخي، من أجل إعادة تفعيل المشروع خلال الأشهر الأخيرة، وأجرت اتصالات عديدة مع رئيس الغرفة الأولى للبرلمان (المجلس الشعبي الوطني) سليمان شنين، من أجل تفعيل الوثيقة المعطلة منذ عدة سنوات.

ويتعلق الأمر بمشروع قانون يجرم الاستعمار بجميع أشكاله وصنوفه، لاسيما الحقبة الاستعمارية التي عاشتها الجزائر على أيدي الفرنسيين (1830-1962)، وذلك ردا على القانون الفرنسي الصادر العام 2005، بإيعاز من الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، والقاضي بما عرف بـ”الرسالة الحضارية للجيش الفرنسي خارج حدود البلاد”. ورغم أن رئيس الغرفة البرلمانية ينحدر من تحالف إسلامي يتبنّى الخطاب الديني والقومي، وقد تمّ تعيينه على رأس الغرفة بدفع من الرجل القوي في الدولة، وقائد أركان الجيش الراحل الجنرال أحمد قايد صالح، الذي دعم خطابا مناهضا للنفوذ الفرنسي في البلاد، إلا أن الرجل ما زال يتلكأ في عرض المشروع على النقاش العلني.

وكان 120 نائبا بالمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان المتكون من 462 نائبا)، قد طالبوا رئيسه سليمان شنين، بمباشرة الخطوات القانونية لمناقشة مشروع القانون المذكور، وقد جرى إيداع مشروع تجريم الاستعمار نهاية شهر يناير الماضي، لدى رئاسة البرلمان، إلا أن الوثيقة تسير بوتيرة بطيئة ولم يتم برمجتها للنقاش، مما يطرح فرضية تدخّل جهات عليا نافذة للحيلولة دون سنّ القانون المذكور.

وجاء قرار تعليق نشاط البرلمان بغرفتيه بسبب وباء كورونا، ليعطل مشروع القانون مجددا، لكن إصرار عشرات النواب على المضي به إلى أبعد الحدود، وتوعدوا بإعادة إثارته بمجرد أول عودة إلى النشاط العادي للهيئة التشريعية.

وشدد النائب البرلماني كمال بلعربي، على أن دوائر نافذة معروفة بولائها لفرنسا تؤدي دور الرقيب على كل ما يضرّ المصالح الفرنسية في الجزائر، وأن تعطيل القانون منذ العام 2006، يمثّل إحدى الانتكاسات التي مُنيت بها السيادة الوطنية، بسبب خضوع مؤسسات نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، للنفوذ الفرنسي. ويعوّل المتحدث على ما أسماه بـ”تغير المعطيات والتوجهات في الجمهورية الجديدة، لرفع الحجر على مشروع قانون تجريم الاستعمار”، وإعادة إحياء المطالب السيادية للدولة الجزائرية، حول ضرورة “الاعتراف والاعتذار” عن الحقبة الاستعمارية مقابل أي علاقات ثنائية سليمة وعادية بين الجزائر وفرنسا.

وتعتبر التركة التاريخية أكبر المعوقات التي حالت دون بعث علاقات ثنائية متطورة بين الجزائر وباريس، رغم المصالح المشتركة والاتفاقيات المُبرمة بين البلدين وحجم التبادل التجاري والاقتصادي، حيث تبرز في كل مرة مناكفات بين الطرفين فرضت منطق التذبذب والشك في العلاقات المذكورة.

ولم تستطيع الفترات الهادئة نسبيا لتلك العلاقات خلال حقبة الرئيس بوتفليقة وجاك شيراك، وبدرجة أقلّ فرانسوا هولاند، من احتواء التجاذبات التاريخية بين الطرفين، الأمر الذي يرشّح مشروع القانون المذكور العلاقات الثانية إلى مزيد من التوتر في المستقبل، لاسيما في ظل مخاوف باريس من صعود تيار في السلطة الجزائرية يناهض النفوذ والمصالح الفرنسية.

4