ما الذي ينبغي أن يفعله الأكراد؟

المعارضون، وخصوصا حزب الشعب الجمهوري، لا يدركون أن الدور سيأتي عليهم في المستقبل بعد الأكراد، وأنه سيتم تقييد المساحات التي يعيشون فيها بشكل متزايد.
الأحد 2019/10/27
التدخل التركي حرب مفتوحة على جميع مناطق الأكراد

بدأ تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية عملية عسكرية جديدة في سوريا بدعم من حزب الشعب الجمهوري والحزب الصالح. وقد تمهّد الطريق لهذه العملية عقب اتفاق مفاجئ بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان. وبعد أن واجه ترامب انتقادات شديدة بسبب قراره هذا، أبرم نائبه مايك بنس اتفاقا لوقف إطلاق النار ينطوي على نوع من الاستسلام من قبل الأكراد، ليحول دون إقرار الكونغرس مشروع قانون واسع ضدّ تركيا.

من المستبعد أن يُطرح مشروع القانون الذي أعدّه ليندسي غراهام وكريس فان هولن، وذلك بسبب أنّ زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الذي يتمتع بفرصة كبيرة للفوز في التصويت على مثل هذا المشروع، لا يستطيع مُجابهة رغبات ترامب على الرغم من معارضته للسياسة المتبعة تجاه سوريا. ومع ذلك، سيكون مفاجئا ألا يُطرح مشروع القانون على جدول أعمال الأسبوع الحالي؛ فمع مرور الوقت، لن تكون هناك فرصة لطرحه.

إن قرار الولايات المتحدة يعني انسحابها الكامل من المنطقة وترك الساحة لروسيا. وبالفعل، التقى أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في روسيا واتفقا على إبعاد مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية عن الحدود السورية التركية بما في ذلك منبج وكوباني.

كانت روسيا التي نشرت قوات عبر الحدود في المنطقة قالت إنها تعارض قيام تركيا بعملية عسكرية أحادية الجانب. من ناحية أخرى، قال السيناتور غراهام إن أردوغان تعهد لترامب في محادثة هاتفية بأنه لن يهاجم كوباني (عين العرب). وتعتبر كوباني مهمة للأميركيين ليس فقط لكونها رمزا للحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية داعش، بل كذلك لأنها تضم أول كنيسة يفتتحها الإنجيليون في سوريا.

وحتى مع الدعم الروسي، فإن أي عملية يجري شنها على كوباني لن تتمخض إلا عن إثارة غضب الرأي العام في الولايات المتحدة من جديد والدفع إلى فرض عقوبات. ولعل أبرز تطوّر متوقع في هذا الصدد هو أن تجلس روسيا مع الأكراد لإقناعهم بمغادرة المدينة، لكن السؤال الذي تصعب الإجابة عنه هو إلى أي مدى يمكن أن يترك الأكراد للرئيس السوري بشار الأسد مدينة ضحوا بأرواحهم من أجلها.

من ناحية أخرى، تردد أن ترامب اقترح على الأكراد إبقاء حوالي 200 جندي أميركي في جنوب سوريا وترك المناطق النفطية تحت السيطرة الكردية، وكان غراهام يحاول جاهدا الترويج لمثل هذا الحل باعتباره سياسة “مربحة للطرفين”. وبموجب هذه الخطة، سيغادر الأكراد شمال سوريا وسيستفيدون من النفط.

أردوغان يتألق في الحديث عن تركيا حين يتطرق إلى مسألة الأكراد
أردوغان يتألق في الحديث عن تركيا حين يتطرق إلى مسألة الأكراد 

لكن الأمر ليس بهذه البساطة. ذلك أن تركيا ترى في اختلاف ردود فعل المجتمع الدولي، لاسيما في الولايات المتحدة، فرصة جديدة لتكرار ما حدث في عام 1915، في مسعى لتسوية القضية الكردية وإغلاق هذا الملف لعدة سنوات قادمة.

الحرب ليست في العراق وسوريا فحسب بل تدور رحاها في جميع المناطق التي يتواجد فيها الأكراد، في ديار بكر وفان وشرناق. فرؤساء البلديات المنتخبون من الأكراد يتم عزلهم من مناصبهم، بل وإلقاء القبض عليهم واعتقالهم.

وعلى الرغم من أن الكاتبة المدافعة عن حقوق الإنسان نورجان بايسال، كما هو معروف، موجودة في لندن، فقد داهم ما بين 30 و40 شرطيّا مسلّحا منزلها، وعرّضوا أطفالها لصدمة لن ينسوها طوال حياتهم. بالإضافة إلى ذلك، يقبع رؤساء مشتركون سابقون لحزب الشعوب الديمقراطي خلف القضبان لأسباب واهية.

ما حدث للأكراد، الذين قدموا دعما غير مشروط لحزب الشعب الجمهوري ومرشحيه من أجل هَزْم تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، لا يصب في مصلحة الحزب.

إن أكبر أحزاب المعارضة لا يدعم عملية “نبع السلام” فحسب، بل يلتزم الصمت وهو يشاهد الممارسات غير القانونية وانتهاكات الحقوق. الشيء الوحيد الذي يهم حزب الشعب الجمهوري هو الرسالة التي كتبها ترامب لأردوغان ويقول له فيها “لا تكن أحمق”.

يبدو أن مشروع الدولة وحزب العدالة والتنمية المتمثل في “شيطنة” الأكراد يؤتي أكله. فالشعب التركي بكافة أطيافه يؤيّد بشكل تام جميع أنواع الممارسات غير القانونية بحق الأكراد، مثلما أيّد تلك التي ارتكبت بحق الأرمن في الماضي.

أعرف أن هذه الصورة قاتمة ومتشائمة، ولكنها الصورة الأكثر واقعية في الوقت الحالي. لا يدرك المعارضون، وخصوصا حزب الشعب الجمهوري، أن الدور سيأتي عليهم في المستقبل بعد الأكراد، وأنه سيتم تقييد المساحات التي يعيشون فيها بشكل متزايد، وأن حقهم في قول كلمتهم في الإدارة قد انتزع منهم خاصة في المدن التي يعيشون فيها.

لا شك أن أردوغان يتألق في الحديث عن تركيا حين يتطرق إلى مسألة الأكراد، غير أنه يغفل الحديث عما تعانيه البلاد من فساد وفقر وانهيار اقتصادي.

يقول كمال كيلجدار أوغلو، الذي يعيش في عالمه الخيالي، إنه مستعد لإجراء انتخابات مبكرة. لعله لا يرى أن صندوق الاقتراع قد تمّ إبطاله وأن طريق تغيير السلطة من خلال الانتخابات بات مغلقا. والشعب التركي هو من يدفع ثمن تكتل مثل هذه الأغلبية الكبيرة وراء القائمين على السلطة، وستزداد فداحة هذا الثمن يوما بعد يوم.

هؤلاء الذين يدعمون النزعة العسكرية للسلطة اليوم، وأولئك الذين يخشون التعرّض ولو لانتقاد واحد سوف تتعالى أصواتهم بالصراخ، ولكن حينها يكون الأوان قد فات.

السؤال الوحيد الذي يبقى دون إجابة هو: لو أنّ الرأي العام التركي أدار ظهره للأكراد، فماذا عساهم يفعلون؟

 

للمزيد:

4