تغريدتي التي تسببت في أزمة دولية

وددتُ لو بدأتُ مقالي بعبارة “شاركتُ بتغريدة؛ فتغيرت حياتي”. لم يكن ليخطر ببالي، أن تغريدة واحدة، شاركتُ بها، قد تؤدي إلى حدوث أزمة دولية. ولكن ماذا أقول؟!؛ فنحن نعيش في تركيا، حيث لا تستبعد حدوث أي شيء.
لقد صرنا اليوم نعيش في بلد يُجر الناس فيه على وجوههم، ويُلقون في السجون، وتُصادر جوازات السفر الخاصة بهم، ويتعرضون للفصل من وظائفهم، ويجوعون، ليس لجُرم ارتكبوه، وإنما بسبب تغريدة واحدة شاركوا بها على أحد مواقع التواصل الاجتماعي.
أعتقد أن السياسة الهوجاء التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية هي السبب الوحيد وراء تأزم العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة، لأسباب قد تدعو إلى الضحك في أي بلد طبيعي عاقل آخر؛ إذ لم يترك حزب العدالة والتنمية فرصة إلا وحمَّل الولايات المتحدة الأميركية مسؤولية الوضع الراهن في سوريا، متناسياً إخفاقه في التوصل إلى أية نتيجة أراد تحقيقها من وراء تلك الحرب التي كان يأمل أن تنتهي في غضون ستة أشهر، ولكن إذ به يجد نفسه أمام مشكلة أخرى تمثلت في ملايين اللاجئين الذين اندفعوا تجاه الحدود التركية.
أصبحت التغريدة التي أتحدث فيها عن انتهاء الحياة السياسية لبهجلي وسيلة جديدة لتأزم العلاقة بين تركيا وواشنطن. دخل أحد الأشخاص في السفارة الأميركية في أنقرة من هاتفه الخلوي على موقع تويتر، ووضع “إعجابًا” بتلك التغريدة، ربما حدث هذا عن طريق الخطأ أثناء تصفحه العابر للتغريدات، حتى دون أن ينتبه لتغريدتي. وهذا أمر طبيعي، ويتكرر معي أنا شخصياً بين الحين والآخر، ولكن ما حدث هو أن السفارة أدلت ببيان، وتقدمت باعتذار، وعلى الجهة المقابلة صعَدت حكومة حزب العدالة والتنمية من انتقاداتها، وكأنها كانت تتحين الفرصة لأمر كهذا.
الجانب الهزلي في الموضوع برمته هو أن الأمر وصل إلى حد استدعاء السفير الأميركي في أنقرة إلى وزارة الخارجية التركية؛ الأمر الذي يُظهر، بشكل جلي، مدى بؤس الدبلوماسية التركية وإفلاسها خلال السنوات الأخيرة.
دعونا نبدأ من التغريدة سبب المشكلة… كانت هذه التغريدة بخصوص السر الذي لم يعد يخفى اليوم على أحد في أنقرة، وأقصد بهذا الوضع الصحي للرئيس العام لحزب الحركة القومية دولت بهجلي؛ مما حدا بالبعض إلى حد التشكيك في قدرته على مواصلة العمل السياسي بشكل فاعل. ومن الطبيعي أن تستحوذ الحالة الصحية لبهجلي على اهتمام كبير من الرأي العام في تركيا، بوصفه الشريك الفعلي لحزب العدالة والتنمية في السلطة، بالإضافة إلى أنه لاعب رئيس في صياغة سياسية الحكومة في العديد من المجالات؛ بداية من السياسة الخارجية حتى القضية الكردية.
كان تناول الوضع الصحي لشخصية سياسية بهذا الثقل مثل بهجلي مجرد خبر يتعين متابعة آخر التطورات بخصوصه، لما قد يترتب عليه من تأثير على العديد من المجالات الأخرى داخل تركيا، بما في ذلك السلم الداخلي في الدولة. وأنا بدوري، مثلي في هذا مَثَل باقي الصحافيين، تابعتُ هذا الخبر، وقمتُ بنقل ما أعلمه بهذا الشأن إلى قرَّائي ومتابعيّ على تويتر، وسأستمر في هذا الأمر في المستقبل كذلك، ولكن الغريب أن المتملقين، الذين يطلقون على أنفسهم اسم صحافيين، لم يفردوا لهذا الخبر مساحة ملائمة؛ لأنهم لم يحصلوا على الإذن من مالكي السلطة المحتالين، واعتبروا موضوع الحالة الصحية لبهجلي سراً من أسرار الدولة.
أدعو قرَّائي إلى الانتباه، وتوخي الحذر من طابع هذه النوعية من البشر وشخصيتها؛ فمثل هؤلاء لا يقدرون على صناعة الأخبار التي يحصلون عليها أو نشرها. إنهم لا يقومون بشيء آخر سوى التضليل، وتزييف الواقع. قد ينشر هؤلاء قصة أو قصتين، شريطة ألا تثير حفيظة السلطة الحاكمة، ولا مانع إذا كانت مزينة ببعض الأفكار الكمالية “الأتاتوركية”، أما القصة الحقيقية، فيتعمدون إخفاءها. لهذا السبب يشعر هؤلاء بغيرة وحقد دفين من الصحافيين الحقيقيين، بل ويتحيَّنون الفرص لتشويههم باسم الدولة. هؤلاء هم البائسون الذين باعوا أنفسهم مقابل المال.
دعونا نتحدث الآن عن ادعاءات أنصار حزب العدالة والتنمية، واتهامهم لي بالانتماء لمنظمة إرهابية، وأنني انقلابي. أكد المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر جليك موقفه بسلسلة من التغريدات التي نشرها حول هذه المسألة بقوله “سعى هذا ‘الإرهابي’، عندما كان رئيساً لتحرير صحيفة ‘صباح’؛ كي يصبح وزيراً للسياحة، ولكننا لم نُعره اهتمامنا”.
كان هذا الإرهابي الذي يتحدثون عنه هو الصحافي الوحيد الذي كتب “مانشيت عريض” في صحيفة “صباح” ليلة 27 أبريل على نحو “لا للإرهاب”، في وقت كان فيه الذين يتشدقون باسم الديمقراطية اليوم يبحثون لأنفسهم عن مكان ليختبئوا فيه. ذلك الإرهابي هو صحافي لم يتوجه طيلة حياته إلى رئاسة الأركان التركية سوى مرة واحدة، ونأى بنفسه، خلال وجوده هناك، عن إقامة علاقات مع الجنود، خاصة بعد ما رآه من وضع الصحافيين المقربين من رئاسة الأركان.
كان هذا الرجل، الذي يصفونه اليوم بالإرهاب، واحداً من حفنة قليلة من الصحافيين الذين دعاهم الرئيس العام لحزب العدالة والتنمية في القضية المرفوعة ضد الحزب من أجل إغلاقه. لقد كان أيضاً الشخص الوحيد الذي تحرك، انطلاقاً من مبادئه فقط، ضد دعوى إغلاق حزب العدالة والتنمية في المذكرة الإلكترونية التي نُشِرت في ذلك الوقت، بينما كان الآخرون يلوذون بالصمت أو يهللون؛ ليعلنوا عن أنفسهم، وهم يدعمون الحزب.
نحاول في الوقت الراهن القيام بنفس العمل بالتعاون مع فريق صغير، ولكنه يتسم بالشجاعة، من خلال موقع “أحوال تركية”. نتوخى الحذر في كل ما ننشره من أخبار، وما نشارك به من تغريدات، لا لشيء إلا لأننا ننقل الحقيقة، وما نؤمن به. ولهذا صارت صحافتنا، التي تمس كل جانب من جوانب الحياة، مصدر إزعاج كبير لهؤلاء السادة. أدعو هؤلاء ألا يضيعوا جهودهم دون جدوى؛ لأننا سنواصل القيام بعملنا على النحو الذي نرتضيه، وسنبذل جهدنا حتى نرتقي بموقع “أحوال تركية” إلى آفاق بعيدة، ولن تثنينا أية عقبات أو هجمات عن القيام بهذا الأمر.
إذا كنتم قد سلبتمونا وظائفنا وجريدتنا وحياتنا، فإنكم لن تستطيعوا أن تسلبونا حقنا في كتابة التغريدات، ونقل الحقائق إلى الشعب التركي. لقد اتبعتم خطاً سياسياً عنصرياً، واتخذتم من الأكراد أعداء لكم، وأنكرتم وجودهم، وقوَّضتم بسياستكم الرعناء جميع المبادئ الأساسية للقانون والديمقراطية. لقد أرهبتم الناس بممارسة الضغوط والعنف ضدهم.
وقتكم انتهى، وعهدكم إلى زوال. أنتم أيضاً تدركون هذه الحقيقة جيداً. لن تفلح الحرب، ولا قوة الدولة، ولا وسائل الإعلام، التي تهيمنون عليها، في تغيير هذه الحقيقة. اقتربت ساعة الحساب، وهذا هو سبب قلقكم، ومبعث غضبكم. ومع هذا، ليتكم لم تهينوا أنفسكم أمام العالم أيضاً…