أحلام أردوغان بإقامة الإمبراطورية الإسلامية سيبددها الإحباط

أردوغان يحلم بإعادة صياغة تاريخ الدولة العثمانية، لكن مساعيه لتحقيق حلمه لا تتوفر لها عوامل التحقق.
الأربعاء 2020/01/15
مثقل بالتاريخ والأيديولوجيا

لا تسقط المشاريع السياسية لافتقادها العوامل الموضوعية للنجاح فقط، بل يمكن أن تتداعى وتؤدي إلى عواقب وخيمة على الاقتصاد والمجتمع والعلاقات، حين تنطلق من أرضيات أيديولوجية ترنو إلى استعادة التاريخ حيث تستحيل إعادته. يحلم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادة صياغة تاريخ الدولة العثمانية، ويعبر عن ذلك صراحة، لكن مساعيه لتحقيق حلمه لا تتوفر لها عوامل التحقق، فضلا عن الكلفة الباهظة لمجرد المحاولة.

يميل البشر إلى تقييم الأحداث التي يعيشون فيها ضمن الإطار الزمني الخاص بهم. وهذه نتيجة طبيعية بالنسبة لكائن حي يومي، لكن عندما تعودون إلى الأحداث التاريخية وتقيِّمونها ترون أن النتائج التي تتجاوز “اللحظة” الجارية قد ظهرت على الساحة بشكل مؤلم خلال الزمن. لا يقتصر وجود الدول على “اللحظة”، فنقاط الانهيار تظهر بشكل قاس جدا.

الفترة الأخيرة من الإمبراطورية العثمانية تشكل مثالا واضحا على ذلك. كانت جميع القوى الأوروبية وروسيا تعرف أن الإمبراطورية العثمانية قد انتهت عسكريا واقتصاديا، ولكن التوازن القائم بينها جعل عمر المرحلة الأخيرة، البالغة 600 عام، أطول قليلا. وفي تلك الفترة، دفعت الثمن الشعوب القديمة في الأناضول وغير المسلمين، ولاسيما الأرمن.

من المؤسف أن تركيا تبدو اليوم وقد دخلت مسارا مماثلا. يبدو أنها سلّمت نفسها إلى موسكو متجاهلة المشاكل التاريخية مع روسيا وإمكانية تكرار تلك المشاكل. فعلى الرغم من كثرة تبجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلا أنه يستطيع التواجد في سوريا وفي ليبيا بقدر ما تسمح به موسكو.

وأردوغان يستعد الآن للشروع في مغامرة جديدة بأموال قطر، يحدوه في ذلك حلم الوصول إلى مصادر الطاقة، وامتلاك السيادة في البحر المتوسط وتأمين مستحقات المقاولين العاملين في ليبيا. وعلى حين يقوم بذلك ينظر إلى السياسة الداخلية أيضا بإحدى عينيه؛ لأن “الجهاد” يحمل أهمية بالنسبة لقاعدته من الناخبين المحافظين، وبالطبع بالنسبة لأردوغان نفسه أيضا، فهو كما قال فرج مصطفى، القائد المسؤول عن مصراتة، “أسد الأمة الإسلامية”.

إن إدارة السياسة الخارجية لأي بلد ارتباطا بأيديولوجيات عمياء يحمل خطرا كبيرا. والدولة العثمانية في فترة جمعية الاتحاد والترقي أو ألمانيا هتلر هي مؤشر واضح على عواقب مثل هذه الإدارة. فأردوغان يركض خلف إمبراطورية إسلامية لا يمكن أن تتحقق؛ مثله في ذلك مثل أنور باشا.

إدارة السياسة الخارجية لأي بلد ارتباطا بأيديولوجيات عمياء تحمل خطرا كبيرا. وأردوغان يركض خلف إمبراطورية إسلامية لا يمكن أن تتحقق

إنّ ذلك مستحيل لأن الاقتصاد التركي ينهار بسرعة داخليا، كما أن مواصلته مثل هذه المغامرات صعبة للغاية حتى مع وجود الدعم القطري، كذلك ليس هناك كيان كامل يعرف بالعالم الإسلامي. توجد داخل الدول القومية الإسلامية جماعة الإخوان المسلمين فحسب التي تفكر مثل أردوغان، إنها دول بينما تعاني من الفقر والجهل يلهو قادتها، ويلقون باللائمة على الغرب.

إن حلم أردوغان مستحيل التحقق، سوف ينتهي بمزيد من الدماء والموت، ويؤدي إلى الجوع، وسيدخل تركيا في مستنقع من المستحيل أن تخرج منه. من الممكن أن يخلق مشاكل في ليبيا، لكنه ليس من الممكن أن يحصل على نتيجة من ورائها. لماذا؟

من الناحية العسكرية، شرح الكاتب متين غورجان ذلك بوضوح في عموده في صحيفة المونيتور؛ إذ يشترط وجود قاعدة بحرية تركية حتى تتسنى حماية الوحدات العسكرية التي سترسلها تركيا إلى ليبيا وتأمين طرابلس، وإقامة مجال حظر جوي في المنطقة تصديا لقوات حفتر. وهذا يتطلب من ست إلى ثماني طائرات من طراز F-16 Block 50، وطائرة أواكس، وفرقاطة واحدة على الأقل، وغواصة، وسفينتين أو ثلاث سفن حربية، بالإضافة إلى قوة قتالية قوامها 3000 جندي.

بالإضافة إلى أنه ليس هناك أي بلد آخر يدعم تركيا بخلاف قطر. ومع أن الجزائر وتونس تنظران إلى تركيا نظرة إيجابية بتأثير جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنهما لا تدعمان عمليتها العسكرية. الرئيس الأميركي دونالد ترامب، معارض لتدخل تركيا على عكس الوضع في سوريا، وكذلك الاتحاد الأوروبي، ولاسيما إيطاليا وفرنسا، كما أن مصر تدعم خليفة حفتر عسكريا. ووفقا لغورجان يستحيل أن تقدم تركيا الدعم الذي يريده فايز السراج لقواته دون توفر دعم تونسي جوي وبحري.

تركيا تمنح قوات السراج طائرات مسيرة دون طيار، ولكن صواريخ بانتسير-أس 1 الروسية الصنع، والمعروفة بأنها “صائدة الطائرات المسيرة” التي توفرها مصر لحفتر تمنع استخدام تلك الطائرات بفاعلية. وخلاصة القول، فإن تركيا ليست دولة بحجم وقوة تمكنها من دخول حرب عابرة للبحار مثل أميركا أو بريطانيا. هذه هي الحقيقة. ومع ذلك، يُحتمل أن يتحول دخولها في هذه المغامرة إلى مستنقع دموي يدوم لسنوات.

علاوة على ذلك، فإن قوات حفتر،  استولت بسهولة على سرت عن طريق توجيه ضربة ثقيلة لقوات السراج. وبعد تجربة سرت، اضطر قادة السراج إلى تحذير وحداتهم العسكرية بشدة من التعاون مع العدو، لأن بعض الوحدات في سرت فعلت ذلك بالضبط.

في هذا المشهد سيكون أكثر ما سيتبقى في يد تركيا هو المزيد من الأعداء، وسفك المزيد من دماء المسلمين، ووضع اقتصادي أسوأ. هذا وفقا لتوقعات متفائلة.

13