قيس سعيد يلوح بتنفيذ حكم الإعدام للحد من الجريمة

تباين المواقف بشأن تطبيق عقوبة الإعدام في تونس يعكس تساؤلا مهما حول جهود سلطات البلاد في البحث عن بدائل وحلول كفيلة بتوفير الأمن للمواطنين.
الأربعاء 2020/09/30
دخول على خط الجدل الشعبي المتصاعد

أعادت حادثة مقتل شابة في تونس قضية تنفيذ حكم الإعدام من عدمه إلى الواجهة إلى أن جاء الرد من الرئيس قيس سعيد الذي أكد أنه سيتم اللجوء إليه لوقف تفشي الجريمة وذلك في وقت تعيش فيه البلاد على وقع نقاش يتصاعد بشأن هذه المسألة خاصة وأن تونس موقعة على معاهدات دولية تمنعها من تنفيذ الإعدام.

تونس- أثارت تصريحات الرئيس، قيس سعيد، بشأن إمكانية اللجوء إلى تفعيل عقوبة الإعدام، لغطا واسعا في الأوساط التونسية، مرفوقة بدفع اجتماعي ومدني نحو التطبيق الفوري للعقوبة وتفعيلها في ظل تفاقم الجريمة بالبلاد وغياب وسائل الردع الناجعة.

ويأتي تلويح سعيد بإعادة تنفيذ حكم الإعدام بعد توقف دام نحو 29 عاما.

وجاء ذلك عقب اجتماع لمجلس الأمن القومي، الإثنين، بقصر قرطاج، وبعد جريمة اغتصاب وقتل وحشية، في ضواحي العاصمة، نهاية الأسبوع الماضي، وطالب ذوي المجني عليها بإعدام الجاني.

 وتطرق سعيّد إلى “ارتفاع معدل الجريمة بالبلاد”، مطالبا بـ”التصدي بحزم لها”. وقال إن “مرتكبي مثل هذه الجرائم الشنيعة لن يتمتعوا مستقبلا بالسراح الشرطي ولا بالتقليص من العقوبة المحكوم بها عليه ويجب أن يكون العفو لمن يستحقه”.

وأضاف “النص (القانوني) واضح بهذا الخصوص فمن قتل نفسا بغير حق جزاؤه الإعدام، خاصة بالنسبة إلى من يكررون ارتكابهم لمثل هذه الجرائم”. وأوضح أنه “سيتم توفير محاكمة عادلة لمرتكبي هذه الجرائم وتمكينهم من حق الدفاع”.

سلسبيل القليبي: الدول التي تبنت عدم تنفيذ الإعدام لا يمكنها النقض أو التراجع
سلسبيل القليبي: الدول التي تبنت عدم تنفيذ الإعدام لا يمكنها النقض أو التراجع

وكانت آخر عملية إعدام تم تنفيذها في تونس سنة 1991 بحق ما بات يُعرف باسم “سفاح نابل” الذي اغتصب وقتل 13 طفلا وروع البلاد من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها.

وحتى حدود العام الحالي، تم تحويل مئة حكم بالإعدام إلى السجن مدى الحياة، وهناك أحكام صادرة بالإعدام لم تنفذ، باعتبار أن تونس من الدول التي أصبحت لا تنفذ عقوبة الإعدام لكنها تحافظ على وجودها على مستوى النصوص التشريعية.

وأكدت أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي، أن “القضية محل اختلاف في تونس وليست قضية مجتمعية فحسب، ولدينا التزام أمضيناه يقضي بالحكم بالإعدام في المحاكم دون تنفيذه”.

وأضافت القليبي في تصريح لـ”العرب”، “الحكمة من إلغاء تنفيذ الحكم هي تمكين الدول من فتح حوار مجتمعي خصوصا وأنها في مرحلة انتقالية، النقاش قائم في تونس لكن الدول التي تمضي على الاتفاق لا تستطيع النقض والتراجع”.

وأشارت أستاذة القانون الدستوري إلى أن تصريحات الرئيس سعيّد تبعث على الانشغال لأن النص الذي ارتكز عليه ليس قانونيا بل استند إلى نص ديني وهو ما يعكس موقفا شخصيا من القانون، وإذا كان لسعيّد أن يريد أخذ موقف خاص من تنفيذ العقوبة فما عليه إلا أن يخرج للعلن ويقول إنه ينوي نقض التعهد الدولي، وهذا التصريح خطير لأنه يحمل نية التراجع عن الاتفاق”.

وتابعت “الدستور التونسي في الفصل 49 وضع مبدأ عدم التراجع في ما يتعلق بضمانات الحقوق والحريات”.

ويطرح ارتفاع منسوب الجريمة مسألة غياب اليقظة الأمنية اللازمة لحماية حياة المواطنين، فضلا عن ضرورة إيجاد حلول ردعية ناجعة أكثر من أي وقت مضى تساهم على الأقل في تقليص عدد الجرائم المرتكبة.

ويرى الناشط الحقوقي المنصف خبير في تصريح لـ”العرب”، أن “تصريحات الرئيس سعيد تطرح مسألة التفرقة بين السلط والعلاقة بينها”، قائلا “هناك سلطة قضائية هي التي تقدر أن تحسم في الأمر”.

وأضاف أن “المشكل مجتمعي بالأساس والخطر يهدد حياة الناس، واعتقد أن عقوبة الإعدام لشخص يحمل فكرا حيوانيا وغرائزيا لا يمكن أن تغير سلوك المجتمع وتقلص عدد الجرائم، وحكم الإعدام ليس بحل”.

ويعكس تباين المواقف بشأن تطبيق عقوبة الإعدام في تونس، تساؤلا مهما حول جهود سلطات البلاد في البحث عن بدائل وحلول كفيلة بتوفير الأمن للمواطنين وتفعيل عقوبات أخرى ناجعة تقضي بالحد من جرائم القتل والاغتصاب.

كانت آخر عملية إعدام تم تنفيذها في تونس سنة 1991 بحق ما بات يُعرف باسم “سفاح نابل” الذي اغتصب وقتل 13 طفلا

وقالت سلسبيل القليبي في معرض حديثها أن عقوبة الإعدام لن تقلص من عدد الجرائم، داعية إلى ضرورة عقلنة وترشيد العفو الخاص الذي هو من صلاحيات رئيس الجمهورية في الأعياد الرسمية والدينية وأن يتم النظر في ملفات المساجين بشكل ممحص ومدروس لأن هناك جرائم لا يمكن أن يتمتع أصحابها بالعفو، علاوة عن طرح عقوبة الإعدام للنقاش الجدي والحوار الفعال ليتحول المجتمع من مجتمع قائم على استعمال عقوبة الإعدام إلى قرار يلغي العقوبة تماما.

وفي المقابل جدّدت منظمة العفو الدولية بتونس، في بيان لها، مطالبتها تونس بعدم تنفيذ عقوبة الإعدام، وذلك على خلفية تتالي الحملات التي تطالب بتطبيق حكم الإعدام بحق مرتكبي جرائم الاغتصاب والقتل. واعتبرت “عقوبة الإعدام انتهاكاً لحقوق الإنسان، وعلى وجه الخصوص الحق في الحياة، والحق في عدم التعرّض للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” .

وأشارت المنظمة في البيان ذاته إلى “عدم فاعلية حكم الإعدام في الحدّ من الجريمة”. وأضافت أنّ “معدّل جرائم القتل، مقارنة بعدد السكان، انخفض منذ إيقاف العمل بتنفيذ الإعدام بعدد من البلدان إلى أقل من النصف”.

4