قوة الدفع الأميركية تضخ الدماء في مفاوضات سد النهضة

دعت الإدارة الأميركية وفود مصر والسودان وإثيوبيا لزيارة واشنطن يومي الـ12 والـ13 من فبراير الجاري، لوضع اللمسات الأخيرة على أزمة سد النهضة التي اختتمت واحدة من جولاتها المهمة، مساء الجمعة، في خطوة وصفها مراقبون بالإيجابية في سبيل تجاوز بقية الخلافات العالقة.
القاهرة - نشرت وكالة الأنباء الرسمية في إثيوبيا (إنا)، صورا لرئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد، أثناء تفقده للأعمال الإنشائية لسد النهضة، السبت، في إشارة إلى أن كل شيء يمضي على ما يرام، ولن تثني مهاتفة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحكومة عن استمرار العمل، والسد في تقدم جيد للغاية، وآبي مستمر في الدعم والمتابعة.
واعتبرت صحف محلية التصريحات المتفائلة التي أدلى بها آبي أحمد، رسالة سياسية لطمأنة للشعب الإثيوبي، ومحاولة لتبديد القلق من احتمال عرقلة الجدول الزمني لتشغيل السد وإنتاج الكهرباء قبل نهاية العام الجاري.
واختتمت جولة واشنطن الثانية في أواخر شهر يناير الماضي، وتحديدا أول أمس الجمعة، والتي امتدت لمدة أربعة أيام من المفاوضات المتواصلة، بحضور وزراء الري والخارجية في الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، ووزير الخزانة الأميركي، ورئيس البنك الدولي.
وتواصل الطواقم الفنية والقانونية اجتماعاتها في واشنطن حاليا للتغلب على الصعوبات التي حالت دون التوصل إلى اتفاق نهائي في الجولة الأخيرة، والاستعداد على أن تكون الجولة المقبلة خاتمة في ماراثون طويل من المفاوضات.
وأقرت الدول الثلاث في بيان مشترك، الاتفاق على مراحل ملء خزان السد وآليات التخفيف وضبط الملء والتشغيل أثناء فترات الجفاف، ولم تنته من التفاهم بشأن جوانب أخرى حيوية، مثل سلامة السد وآلية فض المنازعات.
وأكدت مصادر سياسية، لـ”العرب”، أن الرئيس ترامب أنقذ المفاوضات من الانهيار عندما رفض الجانب الإثيوبي الاستمرار في التفاوض، معترضا على إصرار الوفد المصري على وضع آلية مشتركة لإدارة السد.
وأجرى ترامب اتصالا هاتفيا الجمعة مع آبي أحمد، فور قيام وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين إبلاغه عزم الوفد الإثيوبي على الانسحاب من الاجتماع، وأنقذ ترامب المفاوضات، حيث عاد الوفد سريعا لطاولة المفاوضات.
وظهر دور ترامب بوضوح في موقفين، الأول في الـ15 من يناير عندما فشلت الدول الثلاث بعد أربع اجتماعات بداية من نوفمبر الماضي وحتى منتصف يناير في التوصل إلى صيغة تفاهم ملموسة، والثاني في الـ31 من يناير بعد أن كاد ينتهي اللقاء دون تحقيق تقدم.

وانعكس اهتمام الرئيس الأميركي في عقد اجتماعين مع رؤساء الوفود الثلاثة، وظهر فيهما مشجعا ومحفزا لإنهاء الأزمة، وعازما على تقريب المسافات والخروج بنتيجة ملموسة.
وآثار البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية المصرية، مساء الجمعة، لغطا بعد أن احتوى على نقاط متناقضة، أبرزها توقيع مصر على اتفاق قواعد ملء بحيرة سد النهضة منفردة، والحديث مباشرة عن تفاصيل تخص الأمان الإنشائي للسد وتأثيراته البيئية والاجتماعية من دون توقيع إثيوبيا والسودان.
وقدم البيان تفصيلا للموضوعات الخلافية وأبرزها وضع آلية لفض المنازعات مستقبلا، وهي أكثر النقاط التي تهتم بها القاهرة، لأنها تحدد مصير إدارة السد وحماية المصالح المائية.
وأوضح الصحافي الإثيوبي، داويت كيبادي، في تصريح لـ“العرب” أن التوقيع على مسودة الاتفاق الأخير في واشنطن “غير ملزم، والوفد الإثيوبي فوجئ بطلب الوفد المصري التوقيع على البيان كنوع من حسن النوايا، لذلك امتنع الوفدان الإثيوبي والسوداني عن التوقيع”.
وأشار كيبادي، إلى أن المسؤولين في بلاده ينتابهم ارتياح بعد وضع ما يشبه خارطة طريق تبدد الخلافات حول قواعد ملء السد، فقد أصبحت أديس أبابا مستعدة لبدء عملية الملء، كما هو معلن، في يوليو المقبل.
ولفت متابعون إلى أنّ القاهرة تبدو كمن يحاول فرض ضغوط على إثيوبيا من خلال إثارة قضايا الأمان في السد، والتلويح بضرورة استكمال الدراسات المعنية بالآثار الاجتماعية والبيئية وتضخيم الدور الأميركي وما يمكن أن يقوم به الرئيس ترامب من ضغوط على أديس أبابا لضمان نجاح رعايته.
ويسعى المفاوض المصري إلى حصار الرفض الإثيوبي المستمر للمقترحات التي يقدّمها، ويستشعر أن أديس أبابا تحاول التملص من التزامات تتعلق بأزمة نقص كميات المياه في المستقبل أو فرض أرقام ونسب واضحة بشأن حقوق دول المصب المائية.
واعتبر خبير المياه، وزير الريّ المصري الأسبق، محمد نصر علام، ما تمخّضت عنه اجتماعات واشنطن يأتي في صالح إثيوبيا أكثر من أيّ طرف آخر، وأنها كانت تهدف للوصول إلى اتفاق نهائي حول أزمة السد، وانتهت إلى اتفاق جزئي حول سياسة ملء السد التي تمثل ضرورة لإثيوبيا للبدء في تخزين المياه مع الفيضان المقبل بعد ستة شهور.
وأضاف علام لـ“العرب”، بالنسبة إلى تشغيل السد، وهي القضية الأهم لمصر، فلم تتحرّك خطوة إلى الأمام، وشهدت خلافا كبيرا لأن إثيوبيا ترى هيمنتها على النيل الأزرق قضية سيادة.
ورأى خبراء في الشؤون الأفريقية، عنصرا سلبيا في تصريحات السفير الإثيوبي في واشنطن فيتسوم أريغا، وقال فيها، إن بلاده “لن تقبل أيّ اتفاق يسلبها حقها في استخدام مياه النيل”.
وكشف هذا الاتجاه في نظر هؤلاء، عن كثير من أسباب جمود التفاهمات، بما يجعل المسألة أشبه بمباراة صفرية، وأنه ينبغي أن يكون فيها منتصر ومهزوم، بينما الحلول الفعالة لإنهاء الأزمة تكمن في الدفع نحول التوصل إلى اتفاق يحقق مصالح جميع الأطراف.
وتظل هذه النقطة هي العقدة الرئيسية أمام الإدارة الأميركية التي ألقت بثقلها في المفاوضات، ولا تقبل الخروج منها خالية الوفاض، وعليها حلّ العقدة وسدّ الفجوات قبل أن تتحول أزمة سد النهضة إلى فشل جديد لواشنطن.