قانون عصري للأحوال الشخصية يرمّم العلاقات الأسرية في مصر

تشريع جديد في مصر يوازن بين الزوجين في جميع مراحل الحياة ويحدد لكل طرف مسؤولياته.
الخميس 2021/02/04
القانون الجديد يعالج أزمات كانت عصية على الحل

دفع عجز محاكم الأسرة في مصر عن الفصل في قضايا الطلاق والنفقة وحضانة الأطفال، لعدم مواكبة قانون الأحوال الشخصية للمشكلات المتعلقة بها، إلى ضرورة وضع قانون جديد يوازن بين الزوجين في جميع مراحل الحياة ويحدد لكل طرف مسؤولياته. وأبدت الأسر المتضررة من التشريع القديم، ارتياحا واضحا من استقرار الحكومة على استبدال رؤية الأطفال بالاستضافة وجعل الآباء في المرتبة الثانية للولاية على أولادهم، بعدما كانوا في ترتيب متدنّ بعد أقارب الأم.

اقترب مجلس النواب المصري من نسف قانون الأحوال الشخصية المطبق منذ قرابة مئة عام، حيث يناقش خلال هذه الأيام مشروع قانون جديد وافقت عليه الحكومة وأرسلته إليه تمهيدا للمصادقة عليه. وذلك في خطوة تمهد الطريق لوجود مظلة تشريعية عصرية ترمم العلاقات الأسرية من الشروخ التي تعرضت لها على مدار سنوات مضت، بسبب استمرار العمل بنصوص عفا عليها الزمن.

ويحمل القانون الجديد جملة من المزايا بالنسبة إلى كل أفراد الأسرة، سواء الزوج أو الزوجة أو الأبناء، ويعالج أزمات كانت عصيّة على الحل، وقفت حائلا أمام الحد من الخلافات بين الأزواج، واستخدام الأطفال كأداة لانتقام كل طرف من الآخر، وصارت محاكم الأسرة عاجزة عن الفصل في هذه القضايا لعدم مواكبة القانون للمشكلات.

وأهم ما يميز التشريع الذي أرسلته وزارة العدل للبرلمان، مؤخرا، أن نصوصه وضعت النقاط على الحروف حول كل ما يرتبط بالعلاقات الأسرية، مثل الخطبة والزواج والطلاق والنفقة وحضانة الأبناء وحق الرؤية والولاية التعليمية، ووازنت بين الرجل والمرأة في جميع مراحل الحياة، وحددت لكل طرف مسؤولياته وواجباته.

القانون الجديد يعالج أزمات كانت عصيّة على الحل، وقفت حائلا أمام الحد من الخلافات بين الأزواج
القانون الجديد يعالج أزمات كانت عصيّة على الحل، وقفت حائلا أمام الحد من الخلافات بين الأزواج

ومازالت أغلب نصوص القانون مبهمة، لكن بعض النواب تحدثوا عن أجزاء منها لوقف حالة الجدل المثارة في الشارع حول المواد الجديدة. وأبدى رجال متضررون من التشريع القديم، ارتياحا واضحا من استقرار الحكومة على استبدال رؤية الأطفال بالاستضافة، وجعل الآباء في المرتبة الثانية للولاية على أولادهم بعدما كانوا في ترتيب متدنٍ بعد أقارب الأم.

وكان القانون المعمول به يعطي الحق لأبناء الأزواج المطلقين بأن يكونوا في حضانة الأم، ولا يراهم الأب سوى ساعات معدودة أسبوعيا، بناء على حكم قضائي يحدد المدة ومكان اللقاء بين الطفل وأبيه. لكنّ منظمات حقوقية وائتلافات ذكورية مارست ضغوطا على الحكومة لتعديل هذا النص المعيب وغير الإنساني والذي لا يصب في مصلحة الأطفال.

وفي حال موافقة البرلمان على استبدال الرؤية الأسبوعية بالاستضافة، فإن ذلك يعني تشارك الأب والأم في تربية الأبناء، حتى لو كانا منفصلين، وهو ما يصب في صالح الأطفال بالمقام الأول، حتى لا يعيشون ظروفا أسرية متقلبة خالية من الاحتواء الأبوي وعاطفة الأمومة، ولا يتم تحميلهم فاتورة الطلاق طوال حياتهم.

ويرى مؤيدون للخطوة، أنه من الصعب على الأبناء أن يكونوا أسوياء نفسيا واجتماعيا وهم محرومون من العيش مع آبائهم لأيام، رغم علمهم بأنهم مازالوا على قيد الحياة، كما أن اقتسام حياة الأطفال بين الأب والأم يخلق حالة من التنافس بين الطرفين (الرجل والمرأة) لإسعاد أطفالهما بشتى الطرق، حتى يتقرّبا منهم ويضمنا ولاءهم.

معالجة كل الأزمات الأسرية في قانون الأحوال الشخصية تعني وجود إرادة لفرض الاستقرار العائلي في المجتمع

وتروّج بعض الأصوات النسائية لأن الاستضافة قد تكون مقدّمة لنشوب خلاف جديد بين الزوج والزوجة المنفصلين، بحيث يدّعي الأب اختطاف الابن أو إخفاءه والمماطلة في عدم تسليمه للأم، لكن هناك نصوص قانونية تعالج هذه المخاوف، بحيث يُعاقب الرجل بالحرمان من رؤية أولاده لفترة يحددها القاضي، بحكم أن استضافته لهم تعني أنهم تحت مسؤوليته الشخصية.

وقال عادل بركات، الباحث المصري في العلاقات الاجتماعية، إن نسف قانون الأحوال الشخصية بنصوصه القديمة يغلق ثغرات كثيرة استثمرها كل طرف للانتقام من الآخر، فاستبدال الرؤية بالاستضافة قد يقضي على صراع الزوجين المنفصلين على الولاية التعليمية والنفقة واحتياجات الأبناء والخلاف على السكن، بحيث يكون الأبناء رابطا إنسانيا بينهما، كما أن ربط النفقة بالاستضافة يجعل الرجل يداوم على دفعها لمطلقته.

وأضاف لـ”العرب”، أن القانون الحالي جعل الأبناء الحلقة الأضعف في النزاعات الأسرية، فالرجل ظل لسنوات يُعاني من تهميشه في حضانة أولاده، فحتى لو توفت الأم تذهب الولاية إلى أقاربها وتستمر الصراعات بين العائلات، وتتسع دائرة المكائد، وبعدما أصبح في الترتيب الثاني للحضانة يُنتظر تراجع حدة الصدامات.

وما يعطي ميزة للتشريع الجديد أنه حسم النفقة الزوجية بشكل سريع بعيدا عن استغراق القضية سنوات في المحاكم ولا تتحوّل المطلقة إلى متسولة للإنفاق على نفسها وأولادها. وقال نواب اطلعوا على القانون إنه سيتم إنشاء صندوق تأمين للأسرة، يتولى مهمة دفع نفقة للمرأة إلى حين الفصل في الدعوى، على أن يكون الرجل مدينا للصندوق.

القانون الحالي جعل الأبناء الحلقة الأضعف في النزاعات الأسرية
القانون الحالي جعل الأبناء الحلقة الأضعف في النزاعات الأسرية

ولن يكون من حق الرجل المطالبة بإسقاط حضانة أولاده عن مطلقته، في حال زواجها مرة ثانية، طالما يعيشون حياة مثالية ويتم تربيتهم بشكل سليم، ولم يتأثروا بزواج الأم. والأهم أن الحضانة لن تسقط لصالح أب غير أمين على أبنائه، في حين أن التشريع القائم كان سيفا على المطلقات ويعاقبهن بإسقاط الحضانة لمجرد الزواج.

وكانت بعض المطلقات يلجأن إلى حيلة الزواج العرفي غير الموثق للاحتفاظ بحضانة الأبناء، حيث لا يكل الرجال من المطاردة، إما لإسقاط النفقة وإما لحرمانهن من أولادهن. وبالتالي فإن التشريع الجديد عالج أزمة كبيرة ظلت تعاني منها السيدات لسنوات طويلة، وأغلبهن تحولن إلى راهبات يعانين وصمة المجتمع لهن باعتبارهن مطلقات ولا يعشن حياة طبيعية بسبب الأزواج السابقين.

ويبيح قانون الأحوال الشخصية الحالي للرجل الزواج من امرأة ثانية وثالثة ورابعة، ويحرم المطلقة من الحد الأدنى لحرية اختيار شريك حياة مناسب يعوضها سوء اختيارها السابق، بل يشارك في استهدافها بالمماطلة في حصولها على النفقة والسكن، ويسقط عنها أغلب حقوقها في حال أثبت والد الأبناء زواجها لمرة ثانية.

وأكدت أسماء عبده، استشارية العلاقات الأسرية، أن معالجة كل الأزمات الأسرية في قانون الأحوال الشخصية تعني وجود إرادة لفرض الاستقرار العائلي في المجتمع، لأن استمرار العنف والتنكيل بين الأزواج لهما تبعات خطيرة على الاستقرار العائلي، ويحولان الحياة بين الرجل والمرأة إلى ساحة انتقام بدلا من تكريس التراحم والمودة.

استبدال رؤية الأطفال بالاستضافة وجعل الآباء في المرتبة الثانية للولاية على أولادهم، يريحان المتضررين من القانون القديم

وأوضحت لـ”العرب” أن تحديد المسؤوليات على طرف في قانون واحد يغلق كل الثغرات التشريعية ويفرمل هوس استسهال اللجوء إلى القضاء للحسم في النزاعات الأسرية، ويعبر عن شعور بوجود بوادر إيجابية لتغيير الصورة الذهنية الخاطئة عن المرأة ولا تصبح وسيلة لإشباع الرغبات وإنجاب الأطفال وتتحول بعد طلاقها إلى سجينة.

وبغض النظر عن باقي بنود القانون، فهناك ميزة لصدور التشريع عن الحكومة نفسها، بعدما تجاهلت التشريعين المنفصلين اللذين سبق وأعدهما الأزهر والمجلس القومي للمرأة، تجنبا لمساندة طرف على حساب آخر، مع معالجة كل القضايا الأسرية في قانون يتضمن مظلة تشريعية تقضي على ترسانة القوانين التي كانت مليئة بالثغرات.

وإذا كانت بعض الخلافات الأسرية محتدمة، فإن ضبطها يظل رهين توحيد القوانين المرتبطة بأفراد العائلة دون تعارض بين النصوص لإفلات أي طرف من العقوبة، حيث صار يسهل مساءلة المتجاوز ببنود عصرية للحيلولة دون تحول بيوت الزوجية إلى ساحات عنف وتنكيل حول خلافات حديثة لم تكن موجود وقت وضع بنود قانون الأحوال الشخصية المعمول به منذ العام 1920.

21