عبير موسي تقود المعركة ضد التطرف الديني في تونس

أثار وجود الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وتواصل نشاطه التعليمي الديني الموازي جدلا سياسيا واسعا في تونس، في وقت يرى فيه مراقبون أن الاتحاد يسعى لترويج أفكار دينية متطرفة تتعارض مع الطابع الديني المعتدل وقيم الدولة المدنية التي تنتهجها البلاد.
تونس - حذرت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي من استغلال الإرهاب للوضع السياسي الراهن في تونس، في وقت يثير فيه وجود ما يعرف بجمعية “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بتونس” جدلا واسعا حول حقيقة نشاطها.
وحسب متابعين، يطرح وجود الاتحاد أسئلة عدة في بلد التعليم الديني المعتدل لجامعة الزيتونة والعلاّمة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور الذي عرف عنه نبذه للتعصب، وسط مخاوف من أن يكون الاتحاد واجهة لأنشطة مشبوهة.
ومنذ نوفمبر الماضي، يحشد الدستوري الحر ضد أنشطة الاتحاد في تونس للمطالبة بإغلاقه، فيما رفض القضاء التونسي في الشهر ذاته دعوى من الحزب بغية إيقاف نشاط الاتحاد في البلاد.
وذكرت موسي، الأربعاء، أنّها تعرضت مع باقي أعضاء حزبها، للضرب والشتائم خلال فض اعتصام أمام مقر الاتحاد بالعاصمة التونسية.
وعملت قوات الشرطة على فض الاشتباك الذي دار بين أنصار الدستوري الحر من ناحية، وائتلاف الكرامة (الإسلامي الشعبوي)، من ناحية ثانية، ما أدى إلى إصابة عدد من أعضاء الحزب الدستوري الحر ونقلهم إلى المستشفى.
وأعلنت وزارة الداخلية التونسية، في بيان لها، أنها “رصدت وجود عدد من الأشخاص كانوا قريبين من الخيمة التي اعتصم فيها أعضاء الحزب الدستوري الحر”، مضيفة أنه “جرى تبادلٌ للاعتداء الجسدي والشفهي بينهم”.
وحذرت شخصيات سياسية من مغبة الترويج لخطاب ديني متطرف عبر مثل هذه الجمعيات، يتعارض وقيم المجتمع التونسي والتعايش وفق مبادئ الدولة المدنية.

نبيل الرابحي: علينا النظر في تمويل الجمعيات المشبوهة ومراجعة منح التراخيص
واعتبرت أن هذه الجمعيات تنشط تحت يافطة العمل الديني والخيري، وتعمل على اختراق النسيج الاجتماعي وتقديم نفسها سندا للمواطنين، مقابل تمرير أجنداتها الدينية والأيديولوجية الضيقة.
وأشار المحلل السياسي نبيل الرابحي، أن “الانفلات وقع في حكم الترويكا (2011 – 2014).. واليوم توجد قرابة 22 ألف جمعية منها (7 آلاف جمعية مشبوهة) تبث سمومها في المجتمع التونسي”.
وسبق أن أظهرت محكمة المحاسبات أن حجم التمويلات الأجنبية التي استفادت منها الجمعيات، وفق المعطيات المتوفرة لديها، بلغت 68 مليون دينار (25.15 مليون دولار) سنة 2017 و78 مليون دينار (28.85 مليون دولار) سنة 2018 في وقت لم تُعلم فيه 566 جمعية الحكومة بتلقيها تمويلات أجنبية المصدر.
وأضاف الرابحي لـ”العرب”، “اليوم هناك أوكار وتمويلات للجمعيات المشبوهة يتطلب وجودها بحثا عميقا وإعادة النظر في منح التراخيص ومراجعتها”.
وتابع “فضلا عن السموم الفكرية، الأخطر هو المال السياسي الفاسد، وهو ما كشفت عنه محكمة المحاسبات في تقريرها الأخير”.
وذكرت فضيلة القرقوري رئيسة دائرة بمحكمة المحاسبات في وقت سابق أن “المحكمة رصدت أثناء الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعية لسنة 2019 عدة إخلالات شابت الحسابات المالية للمرشحين وشرعية الموارد ومجالات إنفاقها وعدم الإفصاح عن مصادر التمويل واستعمال مال مشبوه غير مصرّح به في الحملات الانتخابية وعدم احترام أحكام مرسوم الأحزاب”.
ويطرح وجود التعليم الديني الموازي مدى قدرة مؤسسات الدولة وهياكلها على مراقبة المضامين والمناهج المتبعة، فضلا عن الانتشار اللافت للمدارس القرآنية والدورات التكوينية في المجال.
وانتقدت أوساط دينية تونسية، طرق الدولة المتبعة في الإشراف على الهياكل الدينية بالبلاد، معتبرة وجود تقصير كبير من سلطة الإشراف في مراقبة الأنشطة الدينية وعمل الجمعيات الخيرية وغيرها.
ويبدو أن دور وزارة الشؤون الدينية، حسب هؤلاء لا يقتصر إلا على صرف الرواتب وتأدية الشعائر، دون ضبط برامج عمل واضحة ترتقي بالفكر الديني وملاءمته لخصائص المجتمع التونسي المتنوع.

فاضل عاشور: الدولة عاجزة عن المراقبة، و6 في المئة فقط من الأئمة جامعيون
وأفاد فاضل عاشور، كاتب عام نقابة الأئمة ورئيس النقابة الوطنية للإطارات الدينية، في تصريح لـ”العرب” أن “المشكلة ليست في الترخيص الذي تتمتع به الجمعية ما دام القانون يخول لها ذلك”. لافتا إلى أن “الدولة لم يقتصر دورها إلا على الإشراف على المساجد وبالتالي هي عاجزة عن مراقبة الجمعيات، ووزارة الشؤون الدينية عاجزة عن رسكلة أئمتها”.
وأكد دعم نقابة الأئمة لمدنية الدولة وأنها قادرة على منافسة مثل هذه الجمعيات في الطرح بوجود مراكز دعوية في الزيتونة.
ولم تخف الإطارات الدينية حالة العزلة الوظيفية التي أصبحت ترافقها، ما فسح المجال للجمعيات الخارجية على فرض نشاطها في تونس وبث أجنداتها وأفكارها، وسط دعوات ملحة إلى مراجعة المناهج التعليمية والدينية بالبلاد، وإرساء قواعد التعليم الديني الملائم للمجتمع، والرافض للتطرف الفكري.
وتابع عاشور “الوزارة تفقد آليات العمل، ودورها خلاص الأجور وإقامة الشعائر، في المقابل غير قادرة على الإحاطة بالشباب بتوعيته وتحسيسه”.
وبرأيه فتح ذلك المجال للجمعيات التي تسعى لاستقطاب الشباب. معلقا “اليوم نجد أنفسنا معزولين دون حراسة المساجد ومراقبتها”.
ودعا وزارة الشؤون الدينية إلى مراجعة تصوراتها الدينية ورؤيتها للمسألة، قائلا “لا بد أن نطور من أدائنا، مع الرغبة الصادقة من سلطة الإشراف”.
واستطرد “هناك 6 في المئة فقط من الأئمة هم من الجامعيين، وهناك مشاكل تواصل واتصال لتقديم الخطاب، وهو ما استغلته مثل تلك الجمعيات واشتغلت عليه وطورته لاستقطاب الفئات الشبابية”.
وحسب آخر إحصائيات مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات (حكومي) توجد أكثر من 23 ألف جمعية إلى حدود يناير، منها 13579 جمعية تأسست منذ عام 2011.
وتنشط هذه الجمعيات في 16 مجالا، فيما يبلغ عدد الجمعيات الخيرية 7525 جمعية.