سياسيو مصر يفوّضون شركات التسويق للتحدث باسمهم

عدم قدرة المسؤولين على التواصل مع الإعلام جعل الصحافة المصرية أسيرة بيانات.
الخميس 2019/11/28
مسؤولون لا يجيدون التعامل مع الصحافيين

الاعتماد على شركات التسويق الإعلامي في مصر يجنب المسؤولين التواصل المباشر مع الصحافي ويمنع استدراجهم للإدلاء بتصريحات تثير الرأي العام.

القاهرة - فرضت شركات التسويق الإعلامي في مصر نفسها بقوة، وجذبت إليها الكثير من المؤسسات الحكومية والسياسيين ونواب البرلمان ومشاهير لتقوم بدور الوسيط بين المؤسسات الصحافية والإعلامية، والمصادر الرسمية والشخصيات العامة.

ويقول مراقبون إن هذه الشركات استغلت أجواء تراجع الحرية الإعلامية لتمارس دورها بشكل بيروقراطي، وتتحصل على أموال من مصالح حكومية، ترصد بندا للإعلانات، وتقوم بالمهمة الترويجية في صورة إعلامية، ربما تكون أكثر مصداقية من الإعلانات المباشرة.

وحاولت نقل تجارب شركات عالمية متخصصة في العلاقات العامة والتواصل مع جماعات الضغط، ويمكن للتجربة المصرية أن تفتح المجال لمزيد من تقليص الدور الذي يلعبه الإعلام التقليدي في خدمة الرأي العام.

واختفى دور المتحدث الرسمي أو الناطق الإعلامي باسم الكثير من الجهات لتوصيل الرسائل للجمهور، وأصبحت شركات التسويق البديل الأكثر ملاءمة لمخاطبته، وإبعاد المسؤولين عن التورط في تصريحات صحافية قد تحيد عن الهدف.

وتتولى الشركات صياغة البيانات وإرسالها إلى مندوبي الصحف والقنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية، والترويج للجهة أو الشخصية التي تتعاقد معها، وتتولى مهمة الدفاع إذا تعرضت للنقد أو الهجوم، وتفنيد الادعاءات، وتحديد توقيت وآلية الظهور في الإعلام.

شركات التسويق الإعلامي تسلك منهجا بعيدا عن الروتين الذي يسيطر على عقلية المتحدثين الرسميين

وأكد أحمد صابر، رئيس إحدى شركات التسويق الإعلامي، أن أهم ما يميز الشركات الإعلامية، أنها تسلك منهجا بعيدا عن الروتين الذي يسيطر على عقلية المتحدثين الرسميين، فهم يتعاملون كموظفين، “أما نحن فاستثمارنا يقوم على انبهار المسؤول بالخدمة التي نقدمها”.

وأضاف لـ”العرب”، “عندما تعاقدت مع إحدى الوزارات، كان الوزير يشتكي من عدم استطاعته مطالعة ما ينشر حوله في الصحف ومنصات التواصل والبرامج التلفزيونية لضيق الوقت، لكن الشركة أنشأت ‘سيستم’ يرتبط بهاتفه الشخصي، وكل صباح كانت تمده بما يخصه في الإعلام ليقرأه خلال دقائق معدودة”.

وأشار إلى أن “نفس الوزير كان يمتعض من كثرة استفسارات الصحافيين والبرامج الحوارية، لكن تم إلغاء التواصل المباشر معه إعلاميا، وقامت الشركة بالمهمة، بحكم علاقاتها القوية مع مندوبي الصحف والمعدّين والمذيعين، وما أصبح يريده كل مسؤول في مصر أن ينأى بنفسه عن الانفلات في التصريحات”.

لم يعد باستطاعة صحافيين التواصل مع المصادر بشكل مباشر، دون العودة إلى الشركة الإعلامية المتعاقد معها، وتقوم بمعرفة الأسئلة والاستفسارات الصحافية، وتعرضها على المصدر ثم تعود بالإجابة إلى الصحافي.

يفوض بعض المسؤولين والسياسيين شركة التسويق للتحدث نيابة عنهم، والإجابة على تساؤلات الصحافيين والرأي العام دون العودة إليهم، لأنهم على قناعة راسخة بأن الشركة حريصة على استمرار التعاقد، ولن تسبّب لهم أزمات مع الرأي العام.

وترى جهات رسمية أن الاعتماد على هذه الشركات كوسيط للتواصل مع المؤسسات الصحافية، يظل الحل الأمثل لعرض الإنجازات، والابتعاد عن وقوع المسؤول في ورطة أو زلة لسان، إذا تواصل مع الصحافي مباشرة واستدرجه للإدلاء بتصريحات مثيرة.

وتمتلك شخصيات إعلامية معروفة شركات تسويق بعد تزايد الإقبال عليها، وعلى رأس هؤلاء، المذيع أسامة كمال الذي يركز نشاطه على التعاقد مع السفارات الهامة، والصحافي محمد مصطفى شردي الذي اعتاد أن يستهدف التسويق للشركات الأجنبية في مصر.

وضع صعب للصحف المصرية
وضع صعب للصحف المصرية 

ويرى خبراء إعلام أن زيادة الاعتماد على هذه الشركات يرتبط بالصورة الذهنية السلبية عن المتحدثين الرسميين لدى الرأي العام، وإخفاقهم في الترويج للجهة أو الشخصية، وعدم امتلاكهم أدوات عصريّة تؤهلهم لمخاطبة وإقناع الشارع.

ويقول هؤلاء، إن الشركات الإعلامية أصبحت تمتلك أدوات وآليات وخبرات تؤهلها للقيام بمهمة الترويج، لأنها تركز على نبض الشارع قبل أيّ شيء، ولا تظهر في الصورة، وتبتعد بالمسؤول أو الشخصية عن مواجهة الشارع بشكل مباشر.

فإذا تعرض مشروع تقوم به جهة حكومية للنقد والهجوم عليه، تقوم الشركة الإعلامية بتصوير مقطع فيديو مع مواطنين عاديين للتحدث عنه بشكل إيجابي، ويتم نشر الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، بعيدا عن الصفحة الرسمية للوزارة، حتى لا يشعر الناس بأنه مصطنع.

وتقوم الشركة بإدارة الصفحات الرسمية للمؤسسات والشخصيات العامة على مواقع التواصل، والرد على تساؤلات واستفسارات الجمهور مهما بلغت درجة النقد، ومتابعة كل ما يُنشر حول الجهة المتعاقد معها في وسائل الإعلام المختلفة، والرد عليه سريعا إذا كان المحتوى سلبيا.

وتظل قوة العلاقة بين شركة التسويق الإعلامي والصحافيين، الرصيد الأهم بالنسبة لها، لزيادة حجم تعاقداتها مع الجهات الحكومية والخاصة والاستثمارية والشخصيات العامة، لأن عزوف الصحافي عن التعامل مع الشركة، يعني بالنسبة لها انتهاء وجودها في السوق الإعلامية، وخروجها من المنافسة كليّا.

وتكمن الأزمة في لجوء بعض الشركات لإغراء صحافيين بهدايا ومكافآت مالية للتعاطي معها في نشر البيانات التي تصدرها عن الجهة أو الشخصية التي تتولى الترويج لها، ما يجعل أغلب الصحافيين المهنيين يجنبون أنفسهم شبهة التربح ويفضلون عدم التعامل معها.

وقال أحمد عبدالكريم، وهو اسم مستعار لصحافي متخصص في تغطية قطاع النقل بصحيفة حكومية، إنه فوجئ ذات يوم بأن شركة تسويق إعلامي أرسلت له مبلغا ماليّا على الجريدة، وعندما تواصل معها لمعرفة السبب، أُبلغ أنها مكافأة على نشر بيانات صادرة عنها.

وأوضح لـ”العرب”، أنه قام بتعنيف المسؤولين بالشركة، وامتنع عن التعامل معها وأبلغ رئيس تحريره، وفوجئ لاحقا أن هناك زملاء يقبلون تقاضي أموال نظير نشر بيانات نفس الشركة بذريعة أن رواتبهم الرسمية ضعيفة، ولا مانع من مشاركة الشركة في أرباحها طالما تكسب من ورائهم.

ولم ينف صابر، وجود هذه النوعية من الشركات، لكنه اعتبر اللجوء إلى هذه الوسيلة مسيئا للشركات الإعلامية، ويتسبب مع مرور الوقت في عزوف الصحافيين عن التعامل معها خشية وصمهم بالتربّح.

وتعتمد النسبة الأكبر من شركات التسويق الإعلامي على صحافيين مؤثرين ولهم شعبية ومتخصصون في قطاعات بعينها لتوظيفهم بمقابل شهري، ليكونوا همزة الوصل بين الشركة وزملائهم في وسائل إعلام مختلفة، وإرسال البيانات إليهم وحثهم على نشرها.

وتظل السلبية الأبرز في زيادة الاعتماد على شركات التسويق، أنها جعلت الصحف أسيرة للبيانات التي تتناول وجهة نظر أحادية، ما غيّب القصص الخبرية والمعلومة الحصرية، وأصبح هناك جيل من الصحافيين لا يرهق نفسه عناء البحث وراء المعلومة، لكن الظاهرة في مجملها تعكس وجود مشكلة لدى المسؤولين في التواصل مع الإعلام لقناعتهم بأن مهمة الصحافي تقتصر على نشر البيان.

18