الانتخابات موسم للتحريض الطائفي في العراق يستعصي على السلطة كبحه

أصوات التحريض والدعوات الطائفية ترتفع بكثافة مغلفة بطابع التحليل أو المعلومات.
الاثنين 2025/06/30
بحث عن الحقيقة

بغداد - يحاول رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني احتواء خطاب الكراهية والتحريض الطائفي في وسائل الإعلام المحلية مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية القادمة، حيث لجأت قوى سياسيّة وجماعات مسلّحة إلى استغلال منابرها الإعلاميّة ومحلّليها وصحافيّيها ومراقبيها، لإطلاق خطابات عنصريّة وإقصائيّة وطائفيّة باعتبارها وسيلةً للتحشيد، وهو ما يجعل من الصعب ضبطها لارتباطها بأحزاب متنفذة.

وشدد السوداني خلال لقاء جمعه برئيس مجلس مفوضي هيئة الإعلام والاتصالات بلاسم سالم الجنابي وأعضاء المجلس على ضرورة الاهتمام وتفعيل مكاتب هيئة الإعلام والاتصالات في المحافظات، ومتابعة مصادر خطاب الكراهية والتحريض الطائفي، وكل ما يضر بالأمن الوطني وبمؤسسات الدولة، مع التركيز في المجال الإعلامي على أسس المواطنة.

ومع انطلاق الحملات الإعلاميّة المبكرة للأحزاب استعدادا للانتخابات التشريعية المقرّرة في 11 نوفمبر المقبل في العراق، ارتفعت أصوات التحريض والدعوات الطائفية بكثافة مغلفة بطابع التحليل أو المعلومات، في وقتٍ يواجه فيه القضاء والادعاء العام انتقاداتٍ حادّة بسبب عدم تحرّكهما لضبط تلك المواقف والتصريحات، والتي تكون غالبا مصحوبةً بلغة تحريضٍ وكراهية.

وأثار الشاعر العراقي عبدالحسين الحاتمي السبت موجة غضب واسعة داخل الأوساط العراقية في العراق، بعد إلقائه قصيدة وصفت بأنها “مسيئة” لرموز دينية مقدسة لدى المكون السني، ووُصفت بأنها “خطاب كراهية صريح”، ما دفع نوابًا وشخصيات دينية وسياسية إلى المطالبة بمحاسبة الحاتمي قضائيًا.

وقال النائب رعد الدهلكي “يجب اتخاذ إجراءات حازمة وعاجلة لإسكات الأصوات التي تبث سموم الكراهية والتفرقة بين العراقيين.”

السوداني يوجه بمراقبة المواد التي تبث أو تنشر الطائفية وتتنافى مع السلم المجتمعي في العراق والارتقاء بالإعلام

وتأتي هذه الحادثة في وقت حساس، مع اقتراب موعد السباق الانتخابي، وهو ما يزيد من مخاوف مراقبين من تصاعد الخطاب الطائفي وتأثيره على الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد. وحذّرت نخب ثقافية ودينية من أن التراخي في مواجهة هذا النوع من الخطابات قد يُعزز الانقسام المذهبي، في بلد لا يزال يتعافى من آثار سنوات من النزاعات الطائفية.

وفي مارس الماضي دعا رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني إلى تشريع قانونٍ يُجرّم الطائفيّة في العراق، مع إغلاقٍ وحجب وإزالة الصفحات والمنشورات والفيديوهات والتسجيلات التي تدعو إلى الطائفيّة، موضّحا في تصريحات له أنّ “الطائفيّة التي عانيناها لسنواتٍ قد مضت، كما مضى الإرهاب وسيمضي الفساد، لكن ما تبقّى من تلك الآثار بدأ يظهر مجدّدا في أحاديث الإعلام التقليدي، ويُروَّج له عبر ‘الذباب الإلكتروني’ في مواقع التواصل الاجتماعي، بدعوى نقض مظلوميّةٍ قديمة بظلمٍ جديد، أو مظلوميّةٍ جديدة بظلمٍ تاريخي، وينعق خلف ذلك من ينعق قائلاً إنّ الطائفة توازي الأرض والقوميّة والتاريخ.” لكنّ السلطة التشريعيّة لم تتّجه بعد نحو تبني تشريع قانونيّ خاصّ بمحاسبة مثيري الفتنة الطائفية.

وخلال الفترة الأخيرة أدلى عدد من المحللين والصحافيين، القريبين من أحزاب وميليشيات نافذة، وأعضاء في مجلس النواب بتصريحات عنصرية وطائفية عادة ما تُوجه إلى مكونات رئيسية في المجتمع العراقي. وكان آخرها التصريح الذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الشعبيّة والإعلاميّة، حين دعا النائب عن فصيل “عصائب أهل الحق” والقيادي فيه علي تركي، إلى تحويل مدينة سامراء إلى “مدينة شيعيّة”، معتبراً أن “المدينة ستكون صبغتها شيعيّة أكثر مما هي صبغة وطنيّة،” في تصريحٍ يُنذر بمحاولات تغييرٍ ديمغرافي وعمليات تهجير قد يتعرض لها سكان سامراء ذات الأغلبيّة العربيّة السنية. كما صدرت تعليقاتٌ مشابهة من بعض النواب والسياسيين بحق المكون الكردي.

ويمنع الدستور العراقي، وفق المادة السابعة منه، أيّ شكل من أشكال التحريض الطائفي، كما تُعاقب المادة 200 من قانون العقوبات بالسجن لمدّة 7 سنواتٍ على إثارة النعرات الطائفيّة أو المذهبيّة أو ترويجها.

في المقابل ينصّ قانون مكافحة الإرهاب لعام 2005 على اعتبار الفتنة الطائفيّة جريمةً إرهابيّة، وفق المادة الرابعة من القانون. ورغم هذه القوانين لم يُشرّع العراق حتى الآن قانونا خاصّا يُجرّم الخطاب الطائفي، ما يجعل المتّهمين بهذا الخطاب يحتالون على النصوص القديمة إذا تقدّمت جهةٌ ما بشكوى ضدّهم.

الحكومة العراقية تؤكد أن حملات المراقبة التي تقودها لجنة المحتوى الهابط تهدف بالأساس إلى الحفاظ على التعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي

ورغم ذلك هناك خطوات حكومية باتجاه محاصرة المحرضين على الطائفية ولو أن هذه التحركات لا تشمل المتنفذين المحسوبين على السلطة والمقربين منها.

وقامت لجنة المحتوى الهابط التابعة لوزارة الداخلية العراقية الجمعة باتخاذ إجراءات قانونية بحق عدد من الأفراد الذين اتُّهموا بـالتحريض على الطائفية وبثّ الكراهية عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة.

وأفاد مصدر أمني مطلع على الأمر في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية، بأن اللجنة باشرت تحرّكها بناءً على توجيهات عليا تهدف إلى مواجهة المحتوى التحريضي الذي يهدد التماسك المجتمعي، بحسب ما ذكرته قناة “السومرية نيوز” المحلية.

وأكد المصدر أن “اللجنة عازمة على اتخاذ إجراءات صارمة وحازمة ضد كل من يروّج لمثل هذه الخطابات،” في إشارة إلى تصاعد استخدام الخطاب الطائفي على الإنترنت في الفترة الأخيرة.

وتعمل لجنة “المحتوى الهابط”، التي أُنشئت في وزارة الداخلية العراقية خلال العامين الماضيين، على رصد وملاحقة المحتوى الذي يخلّ بالآداب العامة أو يعزز الكراهية والانقسام.

وتأتي هذه الخطوة في إطار سعي الحكومة العراقية لضبط الفضاء الإلكتروني الذي يشهد انتشارًا واسعًا لمقاطع الفيديو والمنشورات ذات الطابع الطائفي أو العنصري أو العنيف.

وتزامنت هذه الإجراءات مع تصاعد التوتر السياسي والأمني في بعض المدن العراقية، على خلفية تصريحات وتحركات لبعض الناشطين والمؤثرين على مواقع التواصل، الذين وُجهت إليهم انتقادات بسبب ترويجهم خطابات تتضمن طابعًا طائفيًا.

وكانت الأجهزة الأمنية قد حذّرت مرارًا من مغبة ترك هذه الخطابات دون رقابة، لما لها من تأثير مباشر في زعزعة الاستقرار والسلم الأهلي.

في المقابل دعت منظمات مجتمع مدني إلى ضمان توازن بين مكافحة خطاب الكراهية وحماية حرية التعبير، مشددة على ضرورة أن تكون الإجراءات المتخذة مبنية على أحكام قانونية واضحة وتحت إشراف قضائي.

وأشارت جهات حقوقية إلى أن الاستخدام الفضفاض لمفاهيم مثل “التحريض على الكراهية” قد يُستخدم أحيانًا في تكميم أصوات المعارضة أو تقييد حرية الرأي.

وتؤكد الحكومة العراقية من جهتها أن حملات المراقبة التي تقودها لجنة المحتوى الهابط تهدف بالأساس إلى الحفاظ على التعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي، خصوصًا في ظل التحديات التي تمر بها البلاد، بما في ذلك التهديدات الأمنية والمجتمعية، وانتشار المعلومات المضللة عبر الإنترنت.

5