خروج الخلافات الزوجية إلى العلن يقدم صورة قاتمة عن الحياة الأسرية

التعامل السلبي مع المشكلات الزوجية يزيد من تمسك الشباب بالعزوبية.
الأربعاء 2021/05/05
انفصال الشريكين في هدوء فيه احترام للعلاقة الزوجية

يؤكد خبراء علم الاجتماع أن وقائع التشهير التي تتداولها وسائل الإعلام والمتعلقة بالخلافات الزوجية بين مشاهير الفن والرياضة والإعلام تتركك انطباعا سلبيا عن الحياة الزوجية عموما لدى الشباب، وهو ما يؤدي إلى المزيد من عزوفهم عن تكوين أسر. وينصح الخبراء بالتركيز على تصدير نماذج ناجحة وسعيدة ما يساعد على إنشاء مؤسسة زواج أكثر جاذبية.

استثمرت ياسمين عيسى، وهي فتاة تخرجت قبل عامين من الجامعة، مساوئ الخلافات الزوجية التي يتم تسليط الضوء عليها في بعض وسائل الإعلام، لإقناع والدتها بفكرة العزوف عن الزواج، بعدما أصبحت الحياة الزوجية تفتقد الحدّ الأدنى من المتعة والسعادة والإنسانية، وصارت أقرب إلى حلبة مصارعة بين الشريكين.

كانت ياسمين وأخواتها برفقة الأم يشاهدن حلقة تلفزيونية لبرنامج “شيخ الحارة”، الذي تقدمه المخرجة إيناس الدغيدي وتستضيف المذيعة الرياضية المصرية مي حلمي، حيث تحدثت الأخيرة عن فضائح بالجملة طالت علاقتها بزوجها السابق المطرب محمد رشاد، وكيف كان يخونها ويعتدي عليها بالسب والضرب، وتطرقت إلى إفشاء أسرار شديدة الخصوصية بينهما.

حلّ المطرب محمد رشاد ضيفا على البرنامج في حلقة تالية للرد على زوجته السابقة، وتطرق إلى موضوعات خاصة بينهما، بغرض الانتقام لنفسه مما قيل عنه، ما عرّض المذيعة والضيفين لانتقادات حادة لإصرار الأطراف الثلاثة على نشر أسرار الحياة الزوجية بشكل علني، وما يسببه ذلك من تأثيرات سلبية على الحياة العائلية عموما.

سبق واقعة التشهير بين المذيعة والمطرب ظهور الفنانة هالة صدقي في البرنامج نفسه، والتطرق إلى خلافاتها مع شريك حياتها، وقصص الخيانة الزوجية التي تعرضت لها، وشنت حربا ضده، والذي خرج في فيديو بتقنية البث المباشر من أميركا، للرد عليها وإبلاغ الجمهور بأنه سيتحرك لإنهاء إجراءات الطلاق رسميا.

هالة حماد: التركيز على نماذج ناجحة ينشئ مؤسسة زواج أكثر جاذبية
هالة حماد: التركيز على نماذج ناجحة ينشئ مؤسسة زواج أكثر جاذبية

قالت عيسى لـ”العرب”، إن تسليط الضوء على الخلافات الزوجية بين نجوم الفن والرياضة والإعلام ووصول بعضها حدّ الفضائح، ترك انطباعات سلبية لدى الشريحة التي تفضل العزوبية وتتمرد على الزواج، لأن النماذج التي يتم تقديمها بالغة السوء، ولا تحفز أي طرف على المغامرة بخطوة تكوين أسرة، ولو مع العشيق.

صحيح أن هذه الشابة، لديها مواقف وشواهد حياتية تجعلها تبغض الزواج كمشروع، لكنها شعرت لوهلة أن الخلافات والتشهير والضرب والإهانة جزء من الحياة الأسرية، مقابل السعادة وراحة البال والحرية المطلقة التي يتمتع بها العزاب، ما يعني أن الزواج في نظر هؤلاء مشروع محكوم عليه بالفشل مقدما.

والمعضلة، أن العلاقات العاطفية قبل الزواج، لم تعد مدخلا لتكوين حياة أسرية سعيدة خالية من الصراعات بين الشريكين، وهو ما كشفت عنه تراشقات الفنانين والإعلاميين، حيث تتم مناقشة خبايا خلافاتهم على الهواء مباشرة، فقد كانت هناك قصة حب طويلة بين محمد رشاد ومي حلمي وانتهت العلاقة بفضح بعضهما البعض.

وكشفت دراسات وإحصائيات رسمية في مصر عن انخفاض معدلات الزواج بنسبة كبيرة، وهناك أبحاث صادرة عن مؤسسات حكومية مثل المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، تحدثت عن وجود أسباب غير اقتصادية، تدفع الشباب والفتيات إلى اختيار العزوبية، غالبها يتعلق بالشق النفسي لتقبل الزواج، وتأثر المراهقين بالنماذج السلبية التي يتم تصديرها إليهم.

وقالت هالة حماد، استشارية متخصصة في العلاقات الأسرية، إن العزوف عن الزواج أو السعي إليه، يرتبط بالقيم والمبادئ والقدرة المادية، وعندما يزداد التأثير يحدث الاختلال، وثمة شعور يسود بين الشباب بأن الزواج تعاسة، والعزوبية سعادة.

وما يبرهن على ارتباط الزواج بالجانب النفسي أكثر من الاقتصادي أن هناك شريحة ليست قليلة تتمتع بقدرات مالية تساعدهم على تكوين أسرة، وآخرون ينتمون إلى عائلات ميسورة لكنهم يرفضون الخطوة من حيث المبدأ، كما أن هناك مبادرات حكومية كثيرة لتسهيل الزواج على الشباب، ولكن لا يتعاطى معها أغلب المستهدفين.

تسليط الضوء على الخلافات الزوجية بين نجوم الفن والرياضة والإعلام والتي وصلت حد الفضائح ترك انطباعات سلبية لدى شريحة من الشباب تفضل العزوبية وتتمرد على مؤسسة الزواج

وأضافت لـ”العرب” أن التشهير بالخلافات الزوجية قدم للشباب صورة بغيضة عن الحياة الأسرية، وبات كلّ منهم يفكر في إمكانية اصطدامه بشريك حياة سيء يجعل كل أيامه تعيسة وأشبه بالمؤسسة العقابية، في حين أن التركيز على تصدير نماذج ناجحة وسعيدة ومتفاهمة ينشئ مؤسسة زواج أكثر جاذبية للشباب.

وتتعامل بعض وسائل الإعلام مع الخلافات الزوجية كإحدى الأدوات السحرية لجذب الجمهور وتحقيق معدلات مشاهدة أوقراءات مرتفعة، حتى أصبح الناس يتداولون حوادث وصراعات الأزواج من المشاهير بتفاصيل دقيقة للغاية.

ويرى متخصصون في علم النفس الاجتماعي أن النواحي النفسية صارت المتحكم الأول في اتخاذ الكثير من الشباب لخطوة الزواج أو تأجيلها، أمام الصورة السلبية التي أصبحت راسخة عن الحياة الزوجية عموما، ويتم اختصارها تقريبا في الضرب والنكد وغياب الحرية والمسؤوليات الجسام، والمحاكم والطلاق، وغيرها.

وأكد جمال فرويز استشاري الطب النفسي أن كل تناول سلبي للعلاقة الزوجية يزيد من تمسك شريحة كبيرة من الشباب بحياة العزوبية، فمن كانت تخطط للارتباط العاطفي لتجنيب نفسها الفشل في الزواج وشاهدت زوجين فضحا بعضهما بعد قصة حب طويلة، لن ترتبط أو تفكر في الزواج أصلا.

جمال فرويز: الخطر الأكبر عدم التعامل بحسابات دقيقة مع العنف الأسري
جمال فرويز: الخطر الأكبر عدم التعامل بحسابات دقيقة مع العنف الأسري

وغابت ثقافة انفصال الشريكين في هدوء بعيدا عن التشهير وانتهاك الأعراض والخصوصيات، احتراما للعلاقة الزوجية التي كانت موجودة، ومراعاة للأبناء وصورة العائلتين في نظر الناس، وحفاظا على مظهر الشريكين أمام المجتمع، لاسيما لو كانا من أصحاب الشهرة والجماهيرية.

وتزداد الظاهرة سوءا عندما يحدث التشهير من شخص يفترض أنه قدوة لغيره، مثل الفنان والإعلامي والرياضي، فهؤلاء يتأثر بهم الجمهور، والبعض يميل إلى فعل نفس تصرفاتهم اقتداء بهم، ما يعني أن تصدير نماذج زوجية سيئة عن شخصيات تعتبرها بعض الفئات رمزا لهم يحمل خطورة مضاعفة.

وأوضح فرويز لـ”العرب” أن الخطر الأكبر عدم تعامل الإعلام بحسابات دقيقة مع حوادث العنف الأسري عموما، يرتبط بتحفيز الزوجين على التشهير، فهذا يفضح زوجته وهي ترد بالمثل، دون تبني حملة توعوية لتعريف الناس بكيفية حل القضايا الخلافية في سرية أو الانفصال بهدوء ورقي وتحضر وأصالة احتراما للعشرة.

وبغض النظر عن تأثر الناس بالخطاب التوعوي، فالتناول الإعلامي للخلافات الأسرية أصاب الكثير من الشباب بعقد نفسية، وأصبح يشكل عبئا يفوق التأثير السلبي للأبحاث والدراسات التي تنفي ارتباط السعادة بالزواج.

وما زالت الخطورة في تأثير أفكار الشباب بالصورة السلبية للزواج، فالرجل لم يعد يحتل نفس المكانة بأنه على قائمة أولويات الفتاة كأساس اكتمال السعادة، وجرى استبداله بالأصدقاء والوظيفة والدراسة والاستقلال المادي، والزواج بالنسبة للكثير من الشباب لم يعد مدخلا لتفريغ الشهوات بعدما صار هذا متاحا بطريقة سهلة، وباتت العزوبية مثارا للتفاخر لأنها تؤسس لحياة سعيدة دون صدامات أو فضائح بعد الانفصال.

صورة

 

21