تونس تعود بقوة إلى خارطة السياحة العالمية

توافد 9.5 ملايين زائر بنهاية العام الماضي للمرة الأولى منذ تسع سنوات.
السبت 2020/01/11
السياحة رئة حياة الاقتصاد التونسي

أشاعت قفزة كبيرة في إيرادات السياحة التونسية، التي تعد العمود الفقري لمجمل النشاط الاقتصادي للبلاد، حالة من التفاؤل بعودة القطاع إلى خارطة السياحة العالمية وبإمكانية تصحيح الاختلالات المالية المزمنة، رغم ضبابية الرؤية السياسية، وخاصة بعد أن ظهرت بوادرها في ارتفاع نادر في الاحتياطات المالية.

تونس - تمكنت تونس أخيرا من تجاوز أهدافها بشأن عدد الزوّار الذين كانت تتوقع أن تستقبلهم طيلة العام الماضي، لتبث أحدث الأرقام حالة من التفاؤل في الاقتصاد التونسي رغم الظروف الضبابية التي تعيشها البلاد داخليا، وأيضا الاضطرابات على حدودها الشرقية مع ليبيا.

وأظهرت بيانات رسمية أن إيرادات قطاع السياحة سجلت قفزة نمو هائلة بنهاية العام الماضي، أكثر مما هو متوقع رغم التقلّبات السياسية الداخلية التي لا تزال ترخي بظلالها على الاقتصاد المنهك.

وقال روني الطرابلسي وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال، إن “إجمالي عدد السياح ارتفع بنسبة 13.6 في المئة في 2019 إلى 9.5 ملايين زائر”، محققا مستوى قياسيا هو الأول منذ تسع سنوات.

وكانت السلطات تتوقع أن يزور البلاد نحو 9 ملايين سائح فقط، مقارنة مع نحو 8.3 ملايين سائح في العام السابق، ويبدو أن سياسة ترويج واسعة استهدفت الأسواق التقليدية مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا دعمت بشكل كبير الوجهة التونسية.

وتعتقد أوساط تعمل بالقطاع أن تونس بإمكانها استقبال أكثر منذ ذلك العدد خلال هذا العام لأن الأوضاع باتت مستقرة كثيرا، مع تواصل تنفيذ استراتيجية بعيدة المدى لدعم السياحة تقوم على تطوير البنية التحتية والترويج للمقصد التونسي في الأسواق غير التقليدية.

وأكد الطرابلسي خلال تصريحات صحافية على هامش توقيع وزارة السياحة اتفاقية تعاون مع النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين الخميس الماضي، أن مستوى إيرادات القطاع ارتفعت بنحو 35.7 بالمئة.

2 مليار دولار عوائد السياحة التونسية بنهاية 2019، وفق البيانات الرسمية

وتشير الأرقام إلى أن إيرادات النشاط السياحي بلغت 5.62 مليار دينار (حوالي ملياري دولار) بنهاية العام الماضي، مقارنة بقرابة 1.5 مليار دولار قبل عام.

ويقول خبراء إن المعطيات الرسمية الأخيرة تعطي انطباعا بأن تونس بدأت تعود بقوة إلى خارطة السياحة العالمية بعد سنوات من الخمول الإجباري نتيجة الهجمات الإرهابية قبل 4 سنوات.

وانعكس الانتعاش السياحي في ارتفاع نادر في احتياطات النقد الأجنبية التونسية، ليعطي بصيص أمل بتخفيف الاختلالات المالية المزمنة، بعد أن واصلت الانخفاض بشكل شبه متواصل منذ الانتفاضة الشعبية في بداية عام 2011.

وأظهرت بيانات البنك المركزي قبل يوم من استقبال عام 2020، أن احتياطات البلاد من النقد الأجنبي، سجلت ارتفاعا كبيرا لتصل إلى 6.7 مليارات دولار بفضل انتعاش السياحة.

وقال المركزي إن حجم احتياطات النقد الأجنبي زاد بنسبة تزيد على 46 في المئة عن الحجم المسجل في نفس الفترة قبل عام.

وفتح استقرار الأوضاع الأمنية في تونس الأبواب على مصراعيها أمام ازدهار قطاع السياحة الذي أخذ طريقه نحو التعافي بفضل سياسة الإصلاح التي تنفذها الحكومة، والتي تأمل بأن ينعكس ذلك على بقية قطاعات الاقتصاد الأخرى.

ويقود الطرابلسي توجها جديدا في القطاع يعتمد على عقد الشراكات مع مختلف وكالات الأسفار والفنادق بالعملة الصعبة. ويتوقع أن تشهد مختلف المؤشرات المزيد من التطور.

وقال “قمنا بإبرام اتفاقيات مع جميع الفنادق التونسية ووكالات الأسفار لإتمام الحجوزات مع الشركات الأجنبية بالعملة الصعبة”. وأوضح أن هذا الإجراء سيدعم دخول العملة الصعبة إلى تونس بشكل أكبر.

وتشكل السياحة نحو 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لتونس وتعد من أهم القطاعات لأنها توفر أكبر نسبة من فرص العمل بعد القطاع الزراعي، حيث تشير البيانات إلى أن 400 ألف شخص يعملون في السياحة.

وتصاعد رهان تونس على السياحة من خلال استراتيجية جديدة أطلقتها العام الماضي، تستهدف استقطاب أكثر من 10 ملايين سائح خلال هذا العام. وترجح وتيرة النمو هذا العام تحقيق أهداف أعلى من التقديرات الحكومية.

ويؤكد عاملون في القطاع أن السياحة تعيش هذه الأيام نشاطا غير مسبوق منذ سنوات، إذ تشهد المنتجعات الصحراوية والفنادق المطلة على البحر المتوسط ارتفاعا كبيرا في نسبة الوافدين الأجانب من البلدان الأوروبية والجزائر.

روني الطرابلسي: أبرمنا اتفاقيات لإتمام حجوزات الإقامة والسفر بالعملة الصعبة
روني الطرابلسي: أبرمنا اتفاقيات لإتمام حجوزات الإقامة والسفر بالعملة الصعبة

وتسابق الحكومة الزمن لتعزيز جاذبية السياحة، حيث افتتحت مؤخرا أكبر منتجع صحراوي في البلاد، لتحويل ولاية توزر إلى إحدى أبرز الوجهات العالمية في هذا المجال.

ويراهن المسؤولون على أن يكون منتجع أنانتارا البالغة تكلفته نحو 47.2 مليون دولار، نقطة ضوء جديدة لقطاع استطاع بفضل استراتيجية حكومية أن يتجاوز بثبات كافة التحديات.

ومن المتوقع أن يستقطب هذا المنتجع الضخم السياح الخليجيين على وجه التحديد، إضافة إلى سياح من مختلف أنحاء العالم الشغوفين باستكشاف الصحراء التونسية.

وانتعش القطاع بشكل كبير في السنوات الأخيرة مع عودة سياح الأسواق التقليدية بعد رفع العديد من الدول الأوروبية تحذير السفر نحو الوجهة التونسية.

لكن تونس لا تريد الاكتفاء بتلك الأسواق، بل عززت رهانها على السوقين الصينية والروسية اللتين أنقذتا موسمي 2017 و2018 بعد عزوف السياح من وجهات تقليدية كبريطانيا وألمانيا وفرنسا.

وعمّ التفاؤل الأوساط السياحية العام الماضي، بطي صفحة المتاعب التي عانى منها القطاع، باعتباره يعد مؤشرا لقياس الأوضاع الاقتصادية، بعد انضمام تونس لاتفاقية السماوات المفتوحة.

وستكون كافة المطارات مفتوحة أمام شركات الطيران الأوروبية منخفضة التكلفة، في مرحلة أولى، ما عدا مطار تونس قرطاج الذي سيكون خارج الاتفاقية لخمس سنوات لإعطاء الخطوط التونسية الوقت الكافي لاستعادة أنفاسها.

ويقول اقتصاديون إن الاتفاقية ستمكن من جلب المزيد من السياح لتونس، لكن هذا التفاؤل يخفي في طياته قلقا من إمكانية انهيار الخطوط التونسية المملوكة للدولة.

وتأمل السلطات التونسية في أن تساعد هذه الاتفاقية على زيادة عدد المسافرين عبر مطارات البلاد ليصل إلى حوالي 20 مليون سائح في العشرية المقبلة.

11