تسلل السياسة إلى القنوات الرياضية يزيد من فوضى قطاع الإعلام في مصر

خرجت قنوات الرياضة في مصر عن الإطار المخصص لها وانخرطت في صراعات سياسية، مستفيدة من ارتفاع جماهيريتها ونسب مشاهداتها، فبالإضافة إلى اهتمام الجمهور بالمحتوى الرياضي على هذه القنوات باتت متنفسا للكثير من الفئات التي ملت القنوات العادية وانحيازها الكامل إلى الحكومة وكأن مهمتها الترويج والدعاية فقط.
تكشف قضية العقوبات التي طبقها مجلس تنظيم الإعلام في مصر، مؤخرا، على قناة الزمالك لمخالفتها الضوابط التي تحكم الإعلام الرياضي، بتسييس المحتوى وربطه بأوضاع الشارع، ملفا أعمق يتعلق باستغلال القنوات الرياضية لجماهيريتها الواسعة وتأثيرها الكبير في صراعات مرتبطة بحسابات سياسية ومصالح القائمين عليها.
وتدخلت القناة بقوة في المحتوى السياسي عبر برنامج “زملكاوي” بتوجيه اتهامات بشبهة المال الفاسد في الجولة الأولى من انتخابات مجلس النواب، التي خسر فيها أحمد مرتضى نجل مرتضى منصور رئيس النادي.
وسوّق مرتضى منصور بأن هناك مخططا لهدم النادي العريق لأسباب سياسية، وبدأت منابر إعلامية تدعم الفكرة بالترويج لنفس المزاعم، ودخلت على الخط قنوات ومواقع وصحف رياضية أخرى تدافع عن الحكومة.
كما تخطى التنافس الرياضي بين قناة الزمالك وقناة الأهلي المستوى المسموح به، وتسربت السياسة إلى المحتوى المقدم في القناتين الأهلي والزمالك، فالأهلي كأنها تتحدث بلسان حزب الحكومة الضمني الذي يدعم خطوات التخلص من منصور، بعد أن أصبح عبئا على الدولة، وتروّج لإيجابيات ومزايا إبعاده وأنصاره عن الساحة كليّا.
وعلى الضفة الأخرى يبدو المحتوى المقدم في فضائية الزمالك أقرب إلى نبرة حزب معارض يشعر بالاستهداف، على اعتبار أن النادي يمثل شريحة سياسية من الجماهير، وتتعمد برامج القناة توجيه خطابها إلى الحكومة بشكل مبطن، من خلال شن معارك كلامية ضد قناة الأهلي، التي تبدو كأنها لسان الحكومة في الإعلام الرياضي.
ونجح الإعلام التابع لنادي الزمالك، بمختلف منصاته الورقية والإلكترونية والتلفزيونية، في إقناع مشجعيه بأن الحكومة تسعى جاهدة إلى كسر شوكته ووقف انتصاراته وتقزيمه، لصالح الأهلي، المعروف بأنه نادي الدولة، ولا تتوقف مؤسساتها عن دعمه إعلاميا.
واستطاعت هذه المنصات إقناع شريحة من جمهور الزمالك بأن المشاركة في وقفة احتجاجية لدعم مرتضى منصور ضد قرار عزله من رئاسة النادي بقرار من اللجنة الأولمبية، هي السبيل الأمثل لتجميد القرار من قِبل وزارة الشباب، بذريعة أن الظروف السياسية ستفرض على الحكومة عدم الدخول في صدام مع الملايين من المشجعين.
وتستفيد القنوات الرياضية، وخاصة المنصات الكروية، من أن الكيانات والأشخاص المالكين لها غير خاضعين مطلقا للجهة الحكومية المشرفة على وسائل الإعلام، لذلك لم تجد صعوبة في الترويج لخطاب سياسي في منبر رياضي، وهناك قنوات تابعة لأندية ترسم السياسة التحريرية للبرامج، ومواقع رياضية وصحف شهيرة مملوكة لصحافيين وجدوا في المنابر الرياضية وسيلة للشهرة والتربح.
في المقابل تواجه الهيئات الإعلامية المعنية بإدارة المنظومة معضلة في فرض الانضباط على الإعلام الرياضي، إذ أن أغلب المنابر غير محايدة وتتبنى وجهة نظر أندية بعينها، لأغراض ترتبط بالحصول على مساعدات مالية، أو التقارب مع صناع القرار فيها، بشكل يمكن أصحاب هذه المؤسسات من الحصول على امتيازات خاصة.
وقال أحمد (ش)، وهو صحافي يمتلك موقعا رياضيا يرتبط اسمه بأحد الأندية الشعبية الكبرى، إن الكثير من الصحافيين الرياضيين يسيطر عليهم الانتماء الكروي عند تغطية أخبار الأندية، وبعض هؤلاء يعملون بشكل خفي في جهازها الإعلامي، ويروجون لتوجهاتها سواء أكانت رياضية أو حتى سياسية.
واعترف لـ”العرب”، شريطة عدم الكشف عن هويته، بأن هناك منصات رياضية تمارس السياسة بطريقة غير مباشرة، خاصة إذا كانت تابعة لأندية شعبية تعتمد على قواعدها الجماهيرية ومنابرها الداعمة، ولو كانت خاصة، للضغط على دوائر صناعة القرار من أجل الاستجابة لمطالبها، نكاية في أندية أخرى منافسة.
ويرى مراقبون أن خطورة تسييس الخطاب الإعلامي في بعض القنوات الرياضية، تكمن في أنه صنع كيانات حزبية بجماهير متعصبة ومتمردة، بغض النظر عن كونها مؤيدة أو معارضة لتوجهات الحكومة، فهي خارج دائرة السيطرة حتى من جانب إدارات الأندية نفسها، وهو ما لم تتطرق إليه الحكومة طوال السنوات الأخيرة.
ويقول هؤلاء إن أغلب المنصات الرياضية لم تعد تناقش قضايا لها علاقة بكرة القدم فقط، بل انجرفت إلى معارك حامية مع أطراف قريبة من دوائر صُنع القرار، ووصل الأمر إلى حد الاشتباك اللفظي بشكل يثير الضغينة والكراهية ويزيد الشحن الجماهيري ضد الحكومة في أحيان كثيرة.
ولا يمانع أغلب الجمهور تحوّل وسائل الإعلام الرياضية التابعة لأنديتهم إلى منابر سياسية، طالما أنها تحقق الغرض، وتظهر في صورة المنتصر على الفرق المنافسة، وهي معضلة أخرى تواجه هيئات الإعلام في ضبط فوضى المنصات الرياضية.
وأكدت ليلى عبدالمجيد، عميدة كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقا، أن غياب مهنية القنوات الرياضية وتحولها إلى وسائل تتسلل منها رسائل سياسية يرتبطان باعتمادها على نجوم الرياضة المنتمين إلى أندية بعينها في تقديم البرامج، وهؤلاء منحازون ويفتقدون الشفافية ويخاطبون الجمهور كمشجعين وليسوا كمذيعين مخضرمين.
وأضافت لـ”العرب” أن أخطر ما في هيمنة الخطاب السياسي على الإعلام الرياضي، عودة روابط المشجعين (الألتراس) من خلال تشكيلات إلكترونية تضغط لتدعيم صوت القناة أو الجريدة الرياضية الداعمة للنادي، وهؤلاء أغلبهم مناوئون للسلطة، ويتم استخدامهم أداة لابتزاز الحكومة.
ولفتت إلى أن انزلاق قنوات رياضية نحو معارك بعيدة عن الرياضة، دفع أغلب وسائل الإعلام العادية إلى الدخول على الخط لرفع العبء عن الدولة التي تجاهد لعدم وجود أزمات تكون لها قواعد جماهيرية، بعد أن كان الناس يجدون فيها المتنفس الوحيد للابتعاد عن متابعة كل ما له علاقة بالسياسة.
وتمادت الحكومة المصرية في الاعتماد على مناوشات الإعلام الرياضي، لإلهاء الناس عن التركيز على أزماتهم المعيشية، ولم تفهم أن الرسالة التي تروج لها منابر بعينها تحمل في مضمونها تعبيرا عن الغضب.
وغاب عن البعض أن استخدام بعض الأندية أسلحتها الإعلامية لغايات سياسية سوف يصل يوما ما إلى مرحلة قد تخرج عن السيطرة، وأن إحكام القبضة على وسائل الإعلام العادية والتحكم في ما يُكتب ويُقال يزيدان من تحول الأندية الشعبية إلى كيانات حزبية من الباطن، ولها منابر شعبية يصعب التحكم في محتواها.
وشددت عبدالمجيد على أن المعضلة ليست في وقف تسلل السياسي من القنوات العادية إلى الرياضية، بل في عدم تطبيق الضوابط على جميع المتجاوزين في الإعلام الكروي، دون أن يشعر الجمهور بالتفرقة بين منصات الأندية، حتى لا يتكرس في الأذهان أن هناك كيانات لها خصوصية وأخرى مستهدفة.
ومهما تبرأت الحكومة من مساندة نادٍ بعينه، فإن خطابها الإعلامي الخاضع لها لا يؤثر في قناعات جمهور رياضي صار كلامه مسموعا، وإذا توصلت لمخرج يوقف توظيف إعلام الأندية في تحقيق أهداف سياسية، فإنها مطالبة بالكف عن استثمار شحنات الغضب بالإعلام الرياضي كورقة لإلهاء الشارع عن قراراتها.