تسارع وتيرة غلاء المعيشة يفاقم متاعب الفقراء في تونس

تصاعد التحذيرات من انفجار اجتماعي وشيك جراء تواصل الزيادات في الأسعار.
الاثنين 2021/07/05
الاكتفاء بالمشاهدة فقط

تختزل انتقادات البعض من المسؤولين وضغوط الأوساط الاقتصادية في تونس في تعزيز أكثر ما يمكن من جهود مراقبة الأسعار مدى الصعوبات التي تواجه الحكومة لتخفيف وطأة الأزمات المتواترة على شريحة الفقراء والتي وجدت نفسها في متاهة تلاشي قدرتها الشرائية بوتيرة أسرع من المعتاد.

تونس - عمّق ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في تونس تدهور القدرة الشرائية للمواطنين بشكل أكثر من المتوقع، في وقت يحذّر فيه خبراء اقتصاد من احتمال الذهاب نحو سيناريو انفجار اجتماعي، بسبب غلاء المعيشة الذي بات يربك استقرار الفئات الاجتماعية الهشة.

ورغم أن نسبة التضخم تراجعت منذ بداية هذا العام لتصل إلى 4.8 في المئة مقارنة مع 5.7 في المئة في العام الماضي، لكن ذلك الأمر لا يلحظه التونسيون مع ارتفاع الأسعار، والذي يرجعه البعض إلى استمرار نشاط المضاربين والمحتكرين في السوق.

وشهدت أسعار المنتجات الزراعية والمواد الاستهلاكية في الأسواق المحلية ارتفاعا كبيرا، ما أثّر على القدرة الشرائية للمواطنين في ظل تواضع مصادر الدخل بالنظر إلى آثار الوباء على الوظائف ومختلف مفاصل الاقتصاد.

ووسط ذلك اضطرت السلطات إلى استيراد بعض المواد لتغطية النقص المحلي بفعل المضاربة والاحتكار، اللذين تسببا في ندرة المنتجات الأساسية.

وأنهكت الأزمة الصحية، بتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، وبشكل واضح القدرة الشرائية للطبقات الشعبية الفقيرة وحتى الوسطى، التي تشير عدة تقارير محلية إلى أنها تسير نحو الاضمحلال بشكل تدريجي.

وكان برلمانيون وبينهم زهير المغزاوي قد أشاروا في تصريحات إعلامية مؤخرا إلى أن تونس ذاهبة نحو الانفجار في صورة تواصل وتيرة الزيادات في الأسعار وآخرها السجائر بعد تذاكر النقل والوقود وقبلها السكر.

واعتبر كثيرون أن حكومة هشام المشيشي ليس لديها أي تصور غير الزيادات في الأسعار وتحميل الشعب فاتورة فشلها في إدارة الأزمة.

سليم سعدالله: هناك زيادات معلنة وأخرى غير معلنة كما يجب ملاحقة المحتكرين

ومن المتوقع إقرار زيادات أخرى في الأسعار لأن الحكومة لا تملك أي حلول، ويتساءل خبراء عن خطة الحكومة في صورة عدم موافقة صندوق النقد الدولي على القرض الذي طلبته.

وأقرت الحكومة زيادات في مواد أساسية بداية يونيو الماضي، في سياق إجراءاتها الرامية لرفع الدعم عن تلك المواد.

وتتفق جهات تعنى بالدفاع عن المستهلك مع رأي المغزاوي إذ تطالب بضرورة تكاثف الجهود في هذا الظرف الاستثنائي، مع ضرورة توفر الإرادة السياسية في تشديد المراقبة الاقتصادية على مسالك التوزيع والمضاربين.

وقال رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك سليم سعدالله، لـ”العرب” “إذا تواصل ارتفاع الأسعار مع عدم مبالاة الدولة بالفئات الضعيفة، يمكن أن يقع انفجار اجتماعي خصوصا من الفئات الضعيفة، وخلافا للزيادات المعلنة هناك أخرى غير معلنة”.

وطالب بضرورة تطبيق القانون ضد المحتكرين والمضاربين ومراقبة مسالك التوزيع غير المقننة، قائلا “من غير المعقول أن ينتج المزارع مواد استهلاكية تمر للبيع بالجملة ثم البيع بالتفصيل إلى أن تصل المستهلك عبر عدة وسائط، فيتكفّل بدفع ثمن فاتورة ذلك”.

وبحسب سعدالله فإن تدهور المقدرة الشرائية للمواطنين سببه تراجع قيمة الدينار مع استيعاب السوق المحلية لنحو 70 في المئة من المواد المستوردة في ظل نقص الإنتاج، وهو ما ساهم في رفع الأسعار وأثر على المستهلكين.

ويرجع البعض ما يحصل إلى حالة التسيّب السياسي، والتجارة الموازية والتهريب ونقص في المراقبة، وأنه إذا لم تتوفر العزيمة السياسية فلا يمكن إيقاف هذا النزيف خاصة في ظل الجائحة.

والمؤكد أنّ غلاء المعيشة وضعف القدرة الشرائية للفئات الضعيفة مرتبطان أساسا بمستوى الأجور الضعيف وضعف النموذج التنموي.

وتشير البيانات الرسمية لوزارة الشؤون الاجتماعية إلى أنّ نسبة الفقر تُقدر بحوالي 15.2 في المئة، فيما يُعرّف الفقر من خلال عدم كفاية الدخل وعدم الوصول إلى البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل الصحة والماء والكهرباء والتعليم.

وقال وزير التكوين المهني والتشغيل السابق، فوزي بن عبدالرحمن، لـ”العرب” إن “ما يربك غلاء المعيشة ليس القدرة الشرائية، بل المستوى المتدني للأجور، من بينها أجور القطاع العام التي تزيد بواقع 40 في المئة عن القطاع الخاص”.

وأضاف “المستوى المتدني للأجور سببه ضعف النموذج التنموي، ومستوى العيش في تونس اليوم متدني جدا إذا ما قارناه بمستوى العواصم المماثلة”.

فوزي بن عبدالرحمن: ما يربك القدرة الشرائية أساسا هو المستوى المتدني للأجور

وتابع “هناك تضخم مالي مستورد (يمثل 50 راتبا شهريا لموظف متوسط الدخل)، والقدرة الشرائية لعائلة متوسطة في تونس أقل من 7 إلى 10 مرات العائلة في الجزء الشمالي للمتوسط، ولا نستطيع العيش بهذه القدرة الشرائية، ولهذا السبب التونسيون اليوم كرهوا المعيشة في بلادهم”.

وأردف “غلاء المعيشة ليس بالتحكم في الأسعار، بل هناك مسالك توزيع غير منظمة لكثرة عدد المحتكرين والمضاربين الذين لا يطبّق عليهم القانون”، لافتا إلى ضرورة “تحسين مستوى الأجور ضروري”.

وتوفر الدولة شهريا 1.6 مليار دينار (577 مليون دولار) كأجور للقطاع العام، وأحيانا تلتجئ إلى جمعها بطرق أخرى.

ويقول عبدالرحمن إن مقاومة غلاء الأسعار لن تعطي سوى 20 في المئة من النتائج والبقية تأتي عبر الزيادة في الأجور، الأمر الذي يجب دراسته عبر مكونات المشهد السياسي والمنظمات الاجتماعية.

ورغم حرص الحكومة على إحداث نوع من التوازن في الأسواق المحلية، إلا أنها لم تمنع حمى المضاربة والاحتكار التي تستغل الوضع المأزوم خدمة لمصالحها الربحية على حساب الطبقتين المتوسطة والفقيرة.

وأجبر الوباء العديد من الأنشطة التجارية والاقتصادية على التوقف، ما تسبب في ارتفاع معدلات البطالة، التي بلغت حوالي 17.8 في المئة، كما تشير إلى ذلك إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء الحكومي.

وكلّفت جائحة كورونا الميزانية العامة للدولة حتى الآن خسائر بقيمة 5 مليارات دينار (1.83 مليار دولار)، مما ساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد.

10