تربية الأبناء على الخرافات تحدّ من تطوير تفكيرهم النقدي

ترسيخ صورة الإنسان الملاك في ذهن الطفل يرمي به في أتون المخادعين.
الأربعاء 2020/12/09
الخرافات التي تزرع الخوف في نفوس الأطفال غير منصوح بها

حذر علماء النفس الآباء والأمهات من رواية الأساطير والخرافات لأبنائهم ودعوهم للكف عن ذلك، لمَا له من ضرر على نفسياتهم، والذي يمكن أن يرافقهم مدى الحياة. وأكد علماء النفس أن الخرافات التي تصور البشر على أنهم ملائكة ومعصومون من الأخطاء، تجعل من الأطفال صيدا سهلا للكذابين وفريسة للمخادعين.

يطالب علماء النفس التربوي بإعادة النظر في الأساطير والخرافات التي تحكى للأطفال وما يصاغ حولها من قصص وروايات وملاحم، ويدعون إلى القضاء على الخرافات التي تزرع الخوف والرعب في قلوب الأطفال، أو تنبت في أذهانهم الشك فيما يرويه آباؤهم، أو تلك التي تصور لهم البشر على أنهم ملائكة فيقعون فريسة سهلة للكذابين والمنافقين عندما يكبرون.

وقال علماء النفس إن من أخطر المساوئ أن يُربّى الأطفال على أساطير وخرافات المعصومين من الأخطاء، حيث أنها تجعل فكرة أن من بين الناس ملائكة راسخة في أذهانهم وبذلك يكون الطفل في الأيام القادمة صيدًا سهلًا للأفاكين والكذابين.

وأضافوا أنه ينبغي على الآباء والأمهات أن يختاروا من الخرافات ما يتلاءم مع واقع الحياة ويخدم مستقبل أطفالهم، ولا يتعارض مع حقائق الأشياء وطبائع وقيم وأخلاق الناس.

وأشاروا إلى أن تأليف حكاية خرافية معينة للأطفال يستلزم تجنيبهم كل ما لا يتناسب مع مستواهم الإدراكي والنفسي والاجتماعي، وكل ما لا يتلائم مع مفاهيم ومصطلحات التربية الحديثة.

وقال حبيب الوحيشي الأخصائي والمعالج النفسي التونسي إن الخرافات وسيلة تربوية مفيدة شرط أن لا يتم تهويل أحداثها، مشيرا إلى أن طريقة سرد الخرافة لها تأثير على بعض الأطفال الصغار الذين يخافون ردود الأفعال خاصة إذا كانت تحتوي على أحداث خارقة للعادة.

وأضاف لـ”العرب” أن الأطفال الذين يتميزون بالهشاشة يكونون أكثر عرضة للتأثير النفسي السلبي للخرافات.

وأكد علماء النفس التربوي أن وَلَع الأطفال بالخرافات يستمر في بعض البيئات البدوية، حتى مرحلة الشباب، مشيرين إلى أن هذا الوَلَع مَردّه استجابتهم للنزعة التخيلية لديهم، والتي تحقق لهم الرغبة في الانفلات من حدود الزمان والمكان.

على الآباء والأمهات أن يختاروا من الخرافات ما يتلاءم مع واقع الحياة ويخدم مستقبل أطفالهم، ولا يتعارض مع حقائق الأشياء

من جهتهم أشار خبراء علم الاجتماع إلى تميز الخرافة عن الأشكال السردية الأخرى بغلبة الخوارق على نسيجها القصصي، التي تكيِّف طبيعة الشخصيات فيها، وتتحكم في سير أحداثها. وقالوا إن الحركة القصصية تفقد تطورها الطبيعي بعد أعمال غيبية، كالجن والعفاريت والطلاسم، لتغير فجأة مسار الأحداث نحو اليسر أو العسر، بحسب طبيعة تلك القوى وغايتها.

وأضافوا أن الآباء الذين يعتقدون أنهم قد يزرعون قيمًا أو يدرؤون خطرًا عبر تخويف أطفالهم وإرهابهم بمختلف الوسائل، هم  في الغالب يجرونهم إلى آثار سلبية وعقد نفسية يمكن أن تستمر وتدوم معهم طوال حياتهم. وأكدوا أن ذلك لا يتلاءم مع مستوى الطفل الإدراكي أو النفسي.

وقالت منيرة المثلوثي موظفة بالقطاع العام وأم لطفل يبلغ من العمر 5 سنوات إنها بحكم دوامها المتواصل في العمل تترك ابنها بجوار جدته التي لا تتوانى في سرد الحكايات له. ولاحظت المثلوثي أن ابنها لم يعد يتعامل معها مثل ذي قبل وأصبح يسألها بشكل متكرر هل هي أمه الحقيقية؟ ولماذا لا تبدو كالأشخاص الذين تصورهم له جدته في الحكايات التي تسردها له، ما اضطرها إلى زيارة مختص في العلاج النفسي ليشرح لها حالته، فنصحها بأن لا تكثر عليه من سرد الخرافات التي تجعله لا يرتبط بالواقع ذهنيا ويسبح في عالم خيالي أشبه بعالم القصص التي تسرد عليه من طرف الكبار.

بدورها أكدت لبنى عرعاري أن ابنتها مايا ذات الأربع سنوات تقوم كل صباح لتتفقد أنفها هل كبر أم مازال على صورته الطبيعية وذلك كلما كذبت على أمها لأن الصورة التي ترسخت في ذهنها حول عقاب الكذب من الحكايات وأفلام الكرتون هو أن الأنف يتمدد ويصبح طويلا كلما كذب الطفل على والديه.

Thumbnail

وقالت عرعاري إنها لم تبد في بادئ الأمر اهتماما كبيرا بالقصة لكن تكرارها من طرف ابنتها جعلها تفكر جديا في الاتصال بطبيب نفسي لتحل المشكلة. وأضافت أنها أصبحت حذرة في ما يتعلق بأفلام الكرتون التي تشاهدها ابنتها، كما أصبحت أكثر تعقلا بخصوص الروايات التي تسردها لها.

وطالب الكثير من الدارسين والباحثين بأن يكون للأطفال قصصا وحكايات تبيّن وتبرز ما في الحياة من خير وبالمقابل تبدي ذات القصص أن الحياة لا تخلو من وجود الشر، ومن الواجب أن تنوّه القصص على أن تغلّب الخير على الشر سيأتي بأسلوب منطقي يتناسب مع عقليات وذهنية الأطفال في مراحلهم العمرية المختلفة.

بدوره أكد أحمد الأبيض المختص في علم النفس أنه من الطبيعي أن يلجأ الآباء إلى القصص لتقريب القيم والعبر من أذهان أبنائهم، داعيا أن يتم ذلك بطريقة واضحة من خلال السرديات ليعي في ذهنه خلاصتها ودلالاتها.

وقال الأبيض لـ”العرب” “ليس عيبا أن نعتمد الخرافات لتقديم القيم والتجارب للأطفال، لكن يجب أن يكون ذلك بطريقة معقلنة وفيها الكثير من المنطق، حتى يفرق الطفل بين الحكايات الخيالية والواقع”.

وأضاف أنه لا وجود لحقيقة مطلقة وإنما القيم والحقائق والمفاهيم تقدم باستمرار عبر السرديات ومن الطبيعي أن تكون الحكايات جوهر حياة الناس، وهو ما أكده أمبرتو إيكو الفيلسوف الإيطالي الذي اعتبر أن الإنسان كائن صاحب حكايات.

وترتبط الخرافة عادة بفلكلور الشعوب و تمثل إرثا تاريخيا تتناقله الأجيال. وتعد الخرافة فكرة قائمة على مجرد تخيلات دون وجود سبب عقلي أو منطقي مبني على العلم والمعرفة.

21